السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خطورة تهميش النخبة

خطورة تهميش النخبة
21 سبتمبر 2007 22:07
تكلمنا في المقال السابق عن التيار الذي يدعونا لإذابة النخبة، وأن نتكلم جميعاً في كل التخصصات، ودعوى أحقية كل الناس أن يكونوا متخصصين بغير علم، وكأنه يريد أن نكون كلنا أطباء، وكلنا فقهاء، وكلنا فلكيين· إن ما يدعونا إليه غير متصور، وغير مفهوم فضلاً عن أن يكون موجوداً، ورغم عدم إمكانية تطبيق هذا الهراء إلا أن هذه الدعوى تسببت في عدم احترام النخبة، والاستخفاف به، والنظر إلى وظيفتها على أنها وظيفة لا قيمة لها، ولا أدري في مصلحة من ما يحدث؟ إني لا أرى فيه مصلحة إلا لمن يسعون لإضعافنا وتهميشنا من مسيرة الحضارة الإنسانية الحديثة· فتبين مدى خطورة إذابة النخبة والتخلص منها، والدعوى إلى الشعبية والتساوي المطلق الذي هو أحد إفرازات النسبية المطلقة، ولكننا فعلاً وقعنا في تحطيم النخبة، وينبغي علينا أن نعمل على إعادتها مرة أخرى· واتضح أن هذه الدعوى لا تعتمد على تجربة بشرية مستقرة، فهم يدعوننا إلى شيء جديد لا نعرف ملامحه ولا إلى أي طريق يقودنا إليه، وما النتائج أو المصائب التي ستترتب عليه، وذلك أنه مخالف لسنة الله في كونه، من أنه سبحانه فضّل بعض الأزمان على بعض، وفضّل بعض الأماكن على بعض، وفضّل بعض الأشخاص على بعض، وفضّل بعض الأحوال على بعض، وجعل من هذا التباين سببًا لدفع الناس، وتعارفهم، ولعمارة الأرض، ولحراكهم عبر حركة التاريخ· فإنشاء أهل الذكر واجب علينا كأمة، وعودتهم مرة أخرى للقيادة وللملأية ولأن يكونوا نخبة الناس أمر حتمي لرقي البلاد والعباد، والنخبة لا علاقة لها بعرق ولا جنس ولا علاقة لها إلا بالعلم والخبرة والصلاح والإصلاح، فالشرع جعل للصلاة إمامًا واحدًا، وأرشد أن يلي هذا الإمام في الصلاة أصحاب العقول الراجحة وأهل الصلاح والإصلاح، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ''إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا عليهم أحدهم'' (رواه أبو داود في سننه)· فعلمنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن نحترم النخبة، وأن نحافظ عليها، وعلمنا كيف نوجدها، فهي توجد بالعلم والكفاءة والصلاح، فليس لأبيض على أسود ولا لعربي على أعجمي فضل إلا بالتقوى· إن إسناد الأمر إلى أهله من المتخصصين يؤدي إلى تنمية المجتمع وتقدمه في كل مجالات الحياة، أما إذا سارت الفوضى إلى حياتنا الثقافية، وتكلم كل أحد في كل شيء عم الفساد، وهو ما عبر عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنطق الرويبضة حيث قال: ''وينطق فيها الرويبضة· قيل يا رسول الله: وما الرويبضة؟ قال الرجل التافه يتكلم في أمر العامة'' (أخرجه الحاكم في المستدرك)· وتفشي كلام غير المتخصصين في تخصصات دقيقة، ودعوى أن كل أحد من حقه الكلام في كل الأمور يؤديان بنا إلى حالة من الضبابية والتيه، فلا نتمكن من رؤية أي أمر على حقيقته، ونتسائل فيما بيننا: هل أخبرنا النبي بهذا الحال العجيب الغريب العظيم؟ وإذ بحديث سمرة بن جندب رضي الله عنه في علامات الساعة يجيب عن هذا التساؤل حيث قال: ''ولن يكون ذلك كذلك حتى تروا أمورًا عظامًا يتفاقهم شأنها في أنفسكم، وتتساءلون بينكم هل كان نبيكم ذكر لكم منها ذكراً'' (أخرجه ابن حبان في صحيحه)· فهذه الحالة الثقافية هي التي نمر بها والتي لم تستقر بعدُ ولم تتحدد مفاهيم كثيرة فيها والتي خرج الرويبضة ليساهم فيها ويتكلم في الشأن العام من التصدر للنصيحة حتى الطبية منها إلى الإفتاء ولو بغير علم مع أنه لم يحفظ آية كاملة إلا في قصار السور إلى تولي المناصب العامة، إلى الكلام في الشيوعية البائدة أو الفن الجديد، إلى من يريدنا أن ننسلخ عن أنفسنا وديننا وتاريخنا إلى من يريد إرهاباً فكرياً، إما هو وإما الجحيم، ثم جحيمه هي الجنة، وأن جنته هي الجحيم؛ لأنه دجال من الدجاجلة، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن الدجال: ''يخرج الدجال معه نهر ونار، فمن وقع في ناره وجب أجره وحط وزره، ومن وقع في نهره وجب وزره وحط أجره'' (أخرجه أحمد وأبو داود)·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©