الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عمانويل لفيناس متأملاً الآخر سينمائياً

عمانويل لفيناس متأملاً الآخر سينمائياً
22 سبتمبر 2007 00:12
على رغم أهميته الفيلسوف عمانويل لفيناس الذي اهتم بفكرة تجذير الآخر في المنظومة الفلسفية الحديثة والمسؤولية في محاورته كمنهجية للتواصل، وبالرغم من جدة آرائه واهتماماته الفريدة، إلا أنه مازال مجهولاً في العالم العربي؛ فلم تترجم أعماله إلى العربية حتى الآن سوى ما ندر· وُلد لفيناس في مدينة ليتوانيا، ودرس الروسية والعبرية هناك، ثم درسَ في ''جامعة ستراسبورج''، التي كان يُدرِّس فيها كل من إدموند هوسرل ومارتن هيدجر· قام بعد ذلك بتقديم محاضرات في ''دار المعلمين'' اليهودية الشرقية في باريس، ثم بجامعات فرنسية أخرى· ومثلما تأثر لفيناس بأعمال أفلاطون وكانت وبرغسون، كذلك نراه تأثر بمشاريع الأدباء الروس، مثل: بوشكين وغوغول تأثراً عميقاً، ولكنه كان يرى أن أعمقهم أثراً فيه هو دستويفسكي، خصوصاً رؤيته للمسؤولية نحو الآخر· إما المصدر الأساسي لفكره فهو أعمال هوسرل، وقد كتب رسالته للدكتوراه عن نظريته في الحدس ونشرت في كتاب عام ،1930 وكان من أوائل المفكرين الذين عرَّفوا القُراء الفرنسيين بهيدجر· غير أن المحاضرة التي قدمت قبل فترة في مدينة لاهاي العاصمة السياسية لهولندا ضمن نشاط ''مؤسسة لانس لوت''، ألقت كثيراً من الضوء على حياة وأعمال هذا الفيلسوف الفرنسي الكبير· ومن برامجها الأخيرة أنها أقامت مؤخراً ''الحلقة الثانية من المحاضرات الفكرية'' ضمن نشاط حمل عنوان ''السلام من منظور الفلسفة والسينما'' تناولت موضوعات العنف والحرب وصورة الآخر من منظور الفيلسوف الفرنسي عمانويل لفيناس، وفي خلال ذلك عرضت فيلماً عنوانه (PRIVAT) للمخرج الإيطالي سافريو كوستانزو، الذي يستعرض حياة عائلة فلسطينية مثقفة يحتل الجنود الإسرائيليون الطابق الأعلى من بيتهم ويمارسون كل الوسائل الوحشية لإرغامهم على ترك البيت، لكن محاولاتهم لجر العائلة لاستخدام القوة كمبرر لترحيلهم تبوء في نهاية المطاف بالفشل، إذ يصرُّ رب العائلة واسمه محمد على ممارسة الطرق السلمية وفي مقدمتها الحوار مع الجنود المحتلين· في بداية المحاضرة قدّم البروفسور بيت لين هوفرز، أستاذ الفلسفة والثيولوجيا في جامعتي ايندهوفن وتلبرخ، محاضرة عن فلسفة عمانويل لفيناس، والتطور الذي قدمه هذا الفيلسوف لمفهوم الآخر والمسؤولية، إذ يشكّل جهده الفلسفي دعوة لتبنِّي المسؤولية تجاه الآخر· فبالرغم من عملية القتل المبرمجة التي راح ضحيتها حوالي ستة ملايين إنسان من ضمنهم عائلة ليفناس نفسه، إلا أن ذلك لم يؤثر سلباً في الأهمية التي منحها ليفناس للآخر حيثُ واظب، في مجمل نتاجه الفلسفي، على البحث عن الآخر والاعتراف به، وهي الموضوعة التي تعد نواة البحوث الفلسفية غداة الحرب العالمية الثانية في القارة الأوربية عموماً وفي فرنسا على وجه التحديد· في فيلم عنوانه: ''احذر القتل'' للمخرج كريستوف كسلوفسكي، يقدم شاب نمساوي يدعى ''ياتشيك''، ودون أي سبب منطقي أو دافع عاطفي، وبطريقة لا تخلو من الوحشية، على ارتكاب جريمة قتل ضحيتها سائق سيارة أجرة في أواسط العمر· وبعد أن يخنق ياتشيك السائق بحبل أعده لهذه الجريمة يسحب الضحية من مقعده ويطرحه على الأرض ليوجّه له عدة ضربات عنيفة باسطوانة حديدية ثم يحطّم رأس الضحية بصخرة كبيرة يعثر عليها صدفة في مكان ارتكاب الجريمة· لكن ياتشيك الذي نفذ كل هذه التفاصيل بهدوء تام ودون أي ارتباك، يقف للحظات مشوَّشاً ومرعوباً أمام وجه ضحيته· وفي مشهد من فيلم آخر يتجه رب العائلة الفلسطينية محمد وبسبب السهاد والأرق إلى طاولة الطعام في مطبخ بيته الُمحتل من قبل الجنود الإسرائيليين حيث يصادف آمر الجنود مستيقظا هو الآخر وقد كان التعب بادياً على ملامحه، ويبدأ الحوار بسؤال يشترك في الإجابة عنه كل من صاحب الدار والجندي المحتل: ماذا تفعل هنا؟ يصوّب صاحب الدار محمد نظراته إلى عيني المحتل الذي بدا غارقاً في هلوسة تدل على ضياعه وعدم قدرته على مواجه محمد ونظراته المتسائلة· من هذين المشهدين يمكن الدخول إلى الإضافة التي قدمها لفيناس عن دور الوجه في تقديم وفضح المشاعر الداخلية للكائن البشري· يقول لفيناس في حوار أجري معه: ثمة علاقة وطيدة بين الوجه والحوار ، الوجه هو الناطق والمتحدّث هو الذي يتيح إمكانية التحاور ويبتدئ الحوار· إن القول الأول الذي يطلقه الوجه هو: ''لا تقتل!'' وهو فعل آمر· في تجلي الوجه ثمة حكم وفعل أمر كأنه يصدر من السيد المتعالي وفي نفس الوقت يمكن وصف نداء الوجه برجاء مستنجد· إنه ذلك الضعيف الذي يتعين عليَّ أن أخدمه بكل ما أستطيع وأظل مدانا له في الوقت نفسه·
المصدر: استوكهولم
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©