الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

من يقول هذا جميل ؟

22 سبتمبر 2007 00:13
هل تمكين الفلسفة على ثقافتنا عيب علينا؟ إنه السؤال الذي يكرِّر قوله أغلب المشتغلين في الحقل الفلسفي في ظل جملة من القرارات التي اتخذتها مؤسسات التعليم في غير دولة عربية منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي حتى الآن· للعرب القدماء تجربة ذات ثراء في مجال تمكين الفلسفة من الثقافة في المجتمع، والجميع يعرف أن الدولة العربية الإسلامية في نهاية القرن الثاني الهجري وبداية القرن الذي تلاه، لجأت إلى ترجمة أمّهات النُّصوص الفلسفية وعيون الأعمال العلمية بدواعي التواصل الثقافي مع ثقافات الآخرين من جهة، وتكريس الخطاب العقلاني في الحراك الثقافي والمجتمعي من جهة أخرى، فكان للعرب منجزاتهم الفكرية والفلسفية الرائعة التي حتى اللحظة نحن عيال عليها درساً وتفكيراً وتأمُّلاً وتبارياً بها لأنها علامة مشرقة في حضارتنا· يا ترى بماذا كان يفكِّر الخليفة المأمون 170 ـ 218 هـ يوم كان يوعز للمترجمين من حوله بأن يترجموا أعمال أرسطوطاليس وأفلاطون وأقليدس وزينون وغيرهم؟ ما هو مؤكَّد أن المأمون كان يسعى إلى مواجهة التطرُّف الفكري الناشب في عصره بعقلانية الخطاب الفلسفي، فما أحوجنا اليوم إلى تلك الغاية، وإلى ذلك الغرض الذي كان يعتلج نفس المأمون يومها ونحن في مواجهة أعتى تطرُّف فكري/ دموي تعيشه لحظتنا بألم وهو يدمِّر حياتنا ومواردنا البشرية قبل المادية· العقل هو وسيلة الفلسفة وأداتها في التفكير بالوجود وبالحياة وبالإنسان، ولا أجد أي داع يدعونا إلى تجاوز قيمة العقل، لا سيما وأن ديننا الحنيف دعانا وما زال إلى إعمال العقل في قيادتنا الحياة· ولا أجد أي داع يدعونا إلى تغييب الدرس الفلسفي عن مناهجنا وهذه الأمم المتقدمة من حولنا توسَّلت الفلسفة في تعميق معارفها وعلومها فيما وصلت إليه من تقدُّم حضاري وثراء ثقافي وبهاء جمالي· لا تعدو الفلسفة في الحياة أن تكون موقفاً لا أكثر، لذلك نعتبر الفيلسوف هو منتج المواقف، ولكن لنتساءل: هل يوجد إنسان من دون موقف؟ بالطبع كلا؛ فالإنسان هو موقف لا غير، وليست ثقافته سوى مجموعة مواقف من الأشياء والقيم، وتمثل هذه المواقف مجموع فلسفته في الحياة· ولكن من هو الذي يعلِّم الإنسان أن يصنع مواقفه من الأشياء· ما هو جميل أن الآباء يعلِّمون أطفالهم الأخلاق، ولكن ما هي الأخلاق؟ والشيء الجميل أن جارتي أم تارة تعلِّم ابنتها ''تارة'' الرسم بالألوان المائية، ولكن من يقول لـ ''تارة'': إن هذا الشيء جميل وذاك قبيح، وهذا أجمل وذاك أقبل؟ بل من يعلمها معنى القبح ومعنى الجمال؟ ومن يعلِّم أطفالنا عامَّة كيف يعرفون؟ ولماذا يعرفون؟ وماذا يعرفون؟ إنها دروس الفلسفة هي تعلمنا كل ذلك، الدروس التي تغيب، بل ويتم تغييبها عن مدارسنا، لا حفاظاً على أبنائنا من لوثة التفكير، كما يقولون، بل تدمير لبنية عقل جيل بل أجيال من أبنائنا· rasmad8@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©