السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

محمود عبدالغني يبحث في الفردية وصولاً إلى الحقيقة التاريخية

محمود عبدالغني يبحث في الفردية وصولاً إلى الحقيقة التاريخية
22 سبتمبر 2007 00:22
يكشف الباحث الدكتور محمود عبدالغني في كتابه فن الذات عن التحول الذي شكله اهتمام التحليل المعاصر للأدب بجنس السيرة الذاتية في النظرية النقدية المعاصرة والذي ترافق مع عملية إحياء السياقات الذاتية للنص الأدبي الذي يجعل من الذات والأنا منطقا للكتابة، ثم يوضح طبيعة فهم ووصف أسئلة السيرة الذاتية تنظيرا وتطبيقا باختلاف الطبيعة اللغوية والسردية والتخيلية للنص الذاتي ما يستدعي الاعتماد الكلي على التعاضد الطبيعي الذي يتم بين المناهج النقدية عند التحليل النصي· ويحدد هدف الدراسة في البحث في أدبية السيرة الذاتية، والتي تختصر جوانب السرد والتخييل والعلاقة بالزمن والذات لأن النص الذاتي ليس مجرد نسخة ذاتية، بل هو تحويل أدبي يعتمد على مجموعة من الأبعاد التركيبية والنحوية والدلالية تجعل الكتابة تتشكل فيها الهوية الفردية بموازاة مع الهوية النصية· نصية السيرة انطلاقا من هذه الرؤية يحاول الباحث عبدالغني أن يثبت نصية السيرة الذاتية والدفاع عنها من خلال المؤاخاة بين النص ومكوناته التي تمارس الذات عبرها أنشطتها كذات عاشت وذات كتبت دون أن يغفل الذات القارئة لكونها الذات من أجلها يؤلف الكاتب سيرته· ولعل القضية الأولى التي يفتتح بها الدراسة هي قضية تحديد جنس السيرة الذاتية من حيث الإمكانية والاستحالة، فيبدأ أولا بتعريف السيرة باعتبارها حكيا استعاديا نثريا يقوم به شخص واقعي عن وجوده الخاص، وذلك بالتركيز على حياته الفردية وعلى تاريخ شخصيته بصفة خاصة· ثم يعرض لمحاولات العديد من النقاد تقديم تعريف للسيرة الذاتية وفشلهم في الوصول إلى هذا التعريف على عكس الناقد فيليب لوجون الذي يعتبر أهم منظر لهذا الجنس الأدبي الذي يتطابق فيه شخصية السارد مع الشخصية الرئيسية والمؤلف مع السارد· وينتقل الباحث إلى موضوع آخر هو السيرة الذاتية ومقولة الجنس الأدبي بعد أن يتناول إشكالية تعريف الجنس الأدبي والعلاقة بين وظيفة الجنس والانتماء إلى جنس أدبي إذ لا وظيفة نصية إلا إذا أسند للنص صفة جنسية، وعلى ضوء ذلك يكون للسيرة منزلة جنسية لكونها تقوم بوظيفة معينة بين الأجناس الأدبية· ويعتمد في هذه القراءة على تأملات غلوبنسكي في تحديد علاقة الجنس بالثوابت وبالوعي الأجناسي الذي يقوده في النهاية إلى القول بأن الجنس تتحدد هويته في فضاء الأدب والمعرفة حتى يتحول إلى عرف ينتج عنه مكانة مميزة للجنس بين باقي الأجناس· تساؤل تعريفي ويعود الباحث لمحاولة الإجابة على سؤاله المركزي هل السيرة الذاتية جنس أدبي؟ فيبحث أولا في كون السيرة لا تمثل ممارسة ثابتة في مسار التأليف عند صاحبها، كما أنها ليست حلقة من حلقات التجربة السردية بل كتبها مؤلف بهدف تقديم خلاصة عن تجربته الحياتية في إطار عملية بوح ختامي جاعلا التجربة النصية في خدمة هذا الهدف ومدافعا عن تاريخ الذات دون انشغال ملحوظ بقضايا الكتابة أو بالتعبير عن حساسية من حساسياتها في الوقت الذي تكون فيه السيرة غير متطابقة تماما مع الواقع وليست مجرد خيال، وينجم عن ذلك افتقار السيرة الذاتية للتوسط المطلوب في ترجمة حياة محددة، كما تفتقر إلى السمات المناسبة للرواية والدمج بين الاستعارة والحرفية، مما يستدعي تحويل الحياة واستبدالها وتأويلها؛ لأن الكاتب لا يستطيع أن يسيطر سيطرة تامة على مادة الموضوع المتشكلة من حياته فيكون ضمير المتكلم تمويها لضمير الغائب وتصبح الذات فاقدة كل محور لها· ويشير مفهوم السرد في كتابة السيرة إلى نص سيري ذاتي لحياة معينة وهذه النصية تؤسس لما يعرف عن هذه الحياة والطريقة التي بها تُعرف، فهي تكتب بوصفها نصا في حين يعتبر نظام السرد عنصرا مهما في هذه النصية السيرية· إن ضمير المتكلم يعد من المكونات الحاسمة في جنس السيرة الذاتية وفي قراءتها، وهناك ثلاث إحالات لهذا الضمير، كما أن كتابة السيرة الذاتية يمكن أن تتم باستخدام ضمير غير ضمير المتكلم فالتقاليد في السيرة الذاتية ليست ثابتة كما في الأجناس الأدبية الأخرى· السياق الأدبي القسم الثاني من الكتاب يبحث في السيرة الذاتية لابن خلدون من حيث سياقها الأدبي والتاريخي فتتناول السيرة الذاتية قبل ابن خلدون، حيث كان القدماء يستخدمون مصطلحي التراجم والسيرة للدلالة على معنى تاريخ الحياة مع التفريق في المعنى بين المصطلحين، ويقدم الباحث أمثلة عديدة على السيرة الذاتية في الأدب العربي القديم ليعود للإجابة على السؤال الذي يطرحه لماذا كتب ابن خلدون سيرته التعريف بابن خلدون ورحلته غربا وشرقا انطلاقا من السؤال عن أسباب كتابة السيرة الذاتية، لكنه قبل الإجابة يعرض لنظريات الذات والهوية في النظريات الاجتماعية والنفسية والبنيوية والإناسية، ينتقل بعدها للحديث عن لسيرة ابن خلدون الذي ترك سيرة ذاتية تعتبر الأطول في السير القديمة والأقرب إلى هذا النوع ومنذ البداية يشير الباحث إلى أن هذه السيرة تفتقر إلى معلومات تتعلق بطفولته وحياته العائلية وانطباعاته وتأملاته الشخصية تجاه الأحداث، مما يطرح مسألة الذات في الثقافة الإسلامية التي كانت فيها الذات غائبة، إضافة إلى مفهوم المؤلف، إذ كان ابن خلدون يحس بأنه مجتث من جذوره وأنه لم يكن يرتبط بمجموعة أحاسيس ولا بروابط إرث ثقافي مشترك مع أي بلد من بلدان شمال إفريقيا لأن ارتباطه كان مع اسبانيا وحضارتها وقد كان وراء الدافع وراء كتابة ابن خلدون هو هذا الاختلاف والعزلة الذي كان يعيشه، ولتوضيح ذلك يقوم ببحث معنى كلمة تعريف التي وردت في عنوان السيرة لابن خلدون الذي كان شخصية معروفة، فهي تدل أولا على وجود معرفة مشوهة به كان يريد أن يصححها وأن يقدم شهادة عنها· إن كتاب التعريف بابن خلدون كما يراها هو كتابة جاءت تحت سلطة وعي تاريخي ما يجعل الدارس يتعرف على حقيقة المراحل السياسية التي تحدث عنها والروابط بين الأمم وماهيات السلطان السياسي على الرغم من كونها كتابة ذاتية·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©