السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عمالة الأطفال.. تداعيات السياسة في شوارع في غزة

عمالة الأطفال.. تداعيات السياسة في شوارع في غزة
22 سبتمبر 2007 00:23
يتجـول الطفــل عبد الرحمن موسى -13 عاماً- بين رواد حديقة البلدية، في شارع عمر المختار وسط مدينة غزة، وببنيته الضعيفة ووجهه الحنطي الشاحب وملابسه الممزقة ينادي بأعلى صوتــه المرهق: ''شــاي، من يريد الشاي؟''· يعلق الطفل -بخجل كبير-: ''أضطر للعمــل يومياً بعد عودتي مباشرة من مدرستي حتى آخر الليل، وطوال فترة الإجازة الصيفية، لأني بحاجــة إلى النقــود، فأبي عاطــل عن العمـل وأسرتي فقيرة ولا تملــك شيئاً''· وعلى الرغم من أن الطفل عبدالرحمن يحلم ويطمح بحدائق ومتنزهات خضراء وملاعب لكــرة القدم التي يحبها ليلهــو فيها مع أصدقائــه، فــإن ملعبــه الحقيقي هو تقاطــع الطرق وسط المدينة وساحة المتنزهات ليبيع الشاي وأحياناً البسكويت، ولكن ليس لممارسة هوايته· ويقول الطفل: ''لا ينتهي يومي عند حدود انتهاء الحصص الدراسية في المدرسة مثل زملائي، بل يمتد إلى آخر الليل، حيث أضع حقيبتي المدرسية في بيتي، ثم أخرج ثانية بعد تناول شيء من الطعام إلى العمل، على أمل بيع ما لدي لأعود إلى والدي وإخوتي الصغـــار بما قد يساعــد في سد حاجتنا''· لا تقتصر معاناة الطفل عند الإرهاق الكبير الذي يصاب به بعد يوم دراسي طويل منذ الصباح، ليبدأ به العمل والتجول مشياً على الأقدام طوال أكثر من سبع ساعات يومياً في ساحة المنتزه الطويلة، أو على إشارات المرور، بل تمتد إلى معاناته في قطع مئات الأمتار من بيته في مخيم ''جباليا'' شمال القطاع إلى وسط مدينة غزة، فيقول عبدالرحمن: ''بالكاد أستطيع الوصول سالماً كل يوم إلى غزة، بعد أن أقطع مسافة طويلة باستخدام أي وسيلة نقل يمكن أن تنقلني بسعر رخيص، وقد تصل إلى عربة يجرها حمار أو دراجة نارية''· وموسى طفل لعائلة مكونة من تسعة أفراد، لا يعمل الوالد منذ انتفاضة الأقصى عام ،2000 بعد أن كان يعمل داخل إسرائيل ويحصل على دخل جيد، لكنه منع من العمل لاحقاً، كباقي عمال القطاع· فقد منعت قوات الاحتلال الإسرائيلي مئات الآلاف من العمال من التوجه للعمل في أراضي الـ48 مع بدايات الانتفاضة الفلسطينية المندلعة في سبتمبر عام ،2000 أي منذ أكثر من سبعة أعوام· يقول الطفل'': من أين سنأكل؟ ومن أين سنتعلم أنا وإخوتي؟ علينا العمل الشاق لأجل مساعدة والدنا، الذي بحث طويلاً عن عمل دون جدوى، وهو لا يجد حيلة سوى عملي أنا وأخي، إضافة إلى عمله هو كبائع متجول أيضاً في المخيم، لتوفير لقمة عيشنا ومصروفنا اليومي من النقود الزهيدة التي نجمعها· أما الطفل خميس -12 عاماً- وهو طالب مدرسة، فقد عبر عن حزنه الشديد لعمله، هذا ورغبته في الحصول على حقوقه كباقي زملائه، وأكد أنه لن يتخلى عن معاونة أسرته في توفير بعض المال ولو على حساب أوقات لهوه ودراسته، التي يقصر فيها كثيراً بسبب عدم امتلاكه أي وقت للدراسة، مصمماً في الوقت ذاته على مواصلة تعليمه، رغم الظروف الصعبة التي يحياها والتي تزداد كما يقول ''تعقيداً وصعوبة''· وعن الطريقة التي يقضي بها خميس يومه، يقول: يبدأ عملي في الرابعة والنصف عصراً ليمتد إلى الحادية عشرة ليلاً في تنظيف السيارات وغسيلها، ولكن ليس في محطات الغسيل بل في الشوارع وعلى أبواب البنايات مقابل مبالغ قليلة من المال، ويضيف: ''في أحيان كثير أقوم بتنظيف السيارة ولا أحصل على مقابل· ويعاني الأطفال الفلسطينيون من عدم أخذ حقوقهم في الحياة كباقي أطفال العالم، وعدم تمتعهم بحقوقهم التي نصت عليها القوانين الدولية وشرعية حقوق الإنسان، كحقهم في اللعب، والتعلم، وفي العيش بعيداً عن الجوع والتشرد والأمية، وتتضاعف معاناتهم في قطاع غزة، وهي منطقة من أكثر بقاع العالم كثافة بالسكان، حيث تتنوع المهن التي تستقطب الأطفال، فمنهم من يبيع الحلوى والصحف عند إشارات المرور، ومنهم من ينبطح أرضاً بملابسه المتسخة شحماً وزيتاً في ورش لإصلاح السيارات، بينما أطفال آخرون يدخلون بنايات سكنية بحثاً عمن يسمح لهم بتنظيف سيارته مقابل مبلغ زهيد· ويفتقر الأطفال الفلسطينيون إلى أماكن وساحات عامة يلهون فيها ويمارسون طفولتهم، التي اعتادت على رشق قوات الاحتلال بالحجارة، والاستيقاظ على هدير الدبابات وقصف الطائرات حتى انتهى بمعظمهم المطاف بالعمل والشقاء يومياً· تعتبر عمالة الأطفال في الأراضي الفلسطينية ظاهرة شائعة، بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وارتفاع نسبة البطالة في بعض الأحيان، إلى أكثر من 70 بالمائة؛ ويلاحظ أن ظاهرة عمالة الأطفال مرتبطة بشكل مباشر بالوضع السياسي، وأنها ترتفع كلما شددت إسرائيل حصارها على الفلسطينيين· وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن عدد الأطفال العاملين قبل اندلاع الانتفاضة كان 23 ألفاً، بينما ارتفع الرقم إلى أكثر من 65 ألفاً بعد استيلاء حماس على قطاع غزة، أي حوالي ثلاثة أضعاف، بعد سبعة أعوام من إغلاق وحصار مشددين تسببا في تدهور الوضع الاقتصادي وارتفاع نسبة البطالة·
المصدر: غزة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©