الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السويد.. دولة التقليعات والمبادئ الجوهرية

السويد.. دولة التقليعات والمبادئ الجوهرية
22 سبتمبر 2007 00:24
إذا ما ذكر أمامك اسم السويد، فإن الصورة التي قد لا تخطر على بالك هي صورة وزير مالية شاب، ذي شعر أسود طويل مصفف على هيئة ذيل الحصان، ويضع حلقة ذهبية في أذنه اليسرى، ويشرح خططه الطموحة الهادفة إلى إقناع أفراد الشعب السويدي، بأن العمل قد يكون أكثر فائدة لهم من البطالة والاعتماد على الإعانة الاجتماعية التي تقدمها الدولة· ولكن هذا تماماً هو ما نراه الآن في السويد في شخص ''اندرز بورج'' -39 عاماً- وزير المالية السويدي، ونجم الحزب اللامع ''المعتدلين الجدد'' الذي كان قد أطاح بالديمقراطيين الاشتراكيين بعد أن ظلوا في سدة السلطة طويلاً· وعندما سألناه عن سبب اختياره لتسريحة الشعر هذه؟ كان رده السريع والجاف نوعاً هو: ''نحن في أوروبا الشمالية، أي في مجتمع عصري، وعندما تعمل كوزير للمالية في مثل هذا المجتمع، فإن أرقام العجز والزيادة في الموازنة العامة، تكون عادة أكثر أهمية من نمط تسريحة شعرك''· ما يقوله الرجل صحيح، إذ ليس هناك شك في أن السويد تتمتع بفائض موازنة تحسدها عليه الولايات المتحدة -التي تعاني ميزانيتها من عجز مزمن-، كما تتمتع أيضاً بموهبة وقدرة طبيعة على النأي بنفسها عن خطر الحروب التي تكاد تقف على تخوم العبث· وهي أيضاً تلك الدولة الأوروبية الشمالية العقلانية، شبه الاشتراكية، التي تركب ''الفولفو''، وتفرض الضرائب الباهظة، والتي قدمت للعالم أثاث ''إيكيا'' الرخيص، والمخرج العالمي ''إنجمار برجمان''· هل الأمر كذلك حقاً، أم أن وزير المالية الذي يصفف شعره على شكــل ذيل الحصان- أول وزير مالية في العالم يفعل ذلك- هو علامة أخرى على أن ثمة شيء غير مألوف يحدث في الغابة السويدية؟ نعم هناك مثل هذا الشيء، وهو أن الحكومة السويدية التي تضم صفوفها أول وزير أسود، ووزيراً لا يخفي شذوذه، وثالث ثنائي الجنس، قد شرعت في تنفيذ سياسة تهدف لإجراء إصلاح جذري في نظــام دولــة الرفاه السخيـــة اليد، وهو النظــام الذي عرفــت به السويد دوماً· وفي سياق تلك السياسة اتبعت الحكومة السويديــة عدداً من المبادئ الجوهريــة يمكــن إجمالهـا فيما يلي: المبــدأ الأول، أن العمـل أكثر فائــــدة من الناحيــة الماديــة من الجلوس في انتظار المعونة الاجتماعية· المبدأ الثاني، يجب أن يتغير مبدأ الرفاه، ليعني الاهتمام بالناس الذين لا تتوافر لديهم القدرة للعناية بأنفسهم· المبدأ الثالث، أن تأمين البطالة يجب أن يتحول إلى تأمين مقابل التكيف على عمل جديد بدلاً من صيغته الحالية، وهي صيغة الوظيفة المقنعة· أما المبدأ الرابع، فيجب فيه تشجيع أرباب العمل على الاستعانة بالعمالة من خلال تخفيض الضرائب المستحقة عليهم إذا ما قاموا بذلك· ليس هناك معضلة، أو تقنية معقدة، فيما قامت به الحكومة السويدية في هذا الصدد، ولكنه كان كافياً لتحقيق ما اصطلح على تعريفه ''تغيير النظام''، وهو المصطلح الذي أصبح على كل لسان هناك في الوقت الراهن· لقد أدت هذه التحولات إلى تحقيق المزيد من سهولة الحركة في مفاصل قطاعات الدولة المختلفة، وإلى جعل أسواق العمل أكثر مرونة، والتركيز أكثر على تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال تحسين النظام التعليمي والرعاية الصحية، بدلاً من محاولة إعادة توزيع الدخل من خلال فرض ضرائب باهظة على الأفراد أوالقطاعات الأكثر دخلاً· والأهم من ذلك كله استعادة ثقافة العمل و''جعل العمل يؤتي ثماره''، وهو الشعار الذي ترفعه الحكومة السويدية في الوقت الراهن، وكذلك استعادة روح المغامرة التجارية والخيارات الحرة· يقول ''توبياس بيلستروم'' وزير الهجرة السويدي: ''إن مبدأنا هو أنه يجب أن نظهر نوعاً من التضامن والتآزر مع الأشخاص الذين يواجهون مصاعب في حياتهم، على ألا يعني ذلك التضامن دعم هؤلاء الأطفال بشكل دائم من قبل دولة الرفاه''، كما أنه يعلن عن عدم رغبته في ''أن يعتقد المهاجرون الذين يتدفقــون على البلاد، أن استلام الإعانات الاجتماعية، والعمل في السوق السوداء يمثل النمط السويدي في العمل والحياة''· ويقول وزير المالية ''أندرو بورج'': ''إن الهدف من سياسات وزارتِي هو الدمج بين روح المغامرة التجارية الأميركية، ونظام دولة الرفاه السويدي بحيث نصل إلى وضع مثالي يقوم على ركيزتين هما: الدافع الخلاق ونظام الرفاه المهيكل· وهناك شيء أود أن أقوله في هذا الصدد أيضاً، وهو أن الربع الأقل دخلاً من سكاننا من ذوي التعليم الجيد، وهو ما يمكن للولايات المتحدة أن تستخلص منه درساً قد يفيدهــا''· يمكن لأميركا أن تتعلم ذلك بالفعل، غير أن المشكلة هي الهوس الأميركي بالعراق، فأغفلت ما يجري في أووربا المتغيرة، مما جعل الإدارة الأميركية الحالية تستمر في اتباع سياسات تؤدي إلى تجميد وركود الطبقة الوسطى وفقدان الوظائف والتأمين الصحي، وهو ما سيقدم فرصة كبيرة للديمقراطيين، تمكنهم من الفوز بالرئاسة من خلال تقديم برامج أفضل في هذه المجالات· فالتوقف في ستوكهولم التي تنتشر فيها ''تقليعات'' غريبة في الوقت الراهن، ربما يكون الأمر المناسب لكل من ''هيلاري كلينتون'' و''جون إدواردز'' و''باراك أوباما''· كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©