الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المرأة العاملة حائرة بين تحقيق الذات ومسؤولياتها الأسرية والاجتماعية

المرأة العاملة حائرة بين تحقيق الذات ومسؤولياتها الأسرية والاجتماعية
16 فبراير 2014 13:22
خورشيد حرفوش (أبوظبي) ـ هناك من يعلو صوته مطالباً بعودة المرأة إلى بيتها وأسرتها لتمارس دورها الأصلي في التربية والتنشئة الاجتماعية للأبناء، في ظل تراجع هذا الدور بفعل عوامل ومتغيرات عالمية عديدة، وفي مقدمتها خروج المرأة للعمل، واهتزاز الترابط الأسري، لدرجة أن «التواصل الالكتروني» بات يغزو واقعنا الاجتماعي على أنقاض ثوابت وأشياء كثيرة. نحن لا نعزز ولا نؤيد هذا الرأي بكل تأكيد، لكن كل المؤشرات تقول إن هناك انخفاضا ملموسا في درجة الترابط، وهناك أكثر من مؤشر على تراجع لغة الحوار، والعلاقات الأسرية بين أفراد الأسرة الواحدة. وإن بحثنا عن الأسباب، سنجد أن هناك فراغا عاطفيا ووجدانيا بين أبناء الأسرة الواحدة مقارنة بعقود زمنية مضت. هناك من يستصرخ روح المجتمع وضميره بأن عرى العلاقات الزوجية والأسـرية باتت في خطر، وأنها في حاجة ماسة إلى ترميم، بسبب تلاشي العاطفية الجياشة، وفقدان «الأمن العاطفي» والتماسك الأسري لغياب لغة التواصل والحوار، وانخفاض الاهتمام الأمثل بالأطفال، وتعلقـهم بمربياتهم وخادماتهم على حساب أمهاتهم. « هل تتأثر أحوال الأسرة كثيراً بساعات العمل الطويلة التي تقضيها الأم أو يقضيها الأب بعيدا عن البيت؟ وإلى أي حد يصل هذا التأثير؟ وأي الجوانب أكثر تأثراً عن غيره؟ هل نستعيد حجج من يدعو المرأة العاملة «الأم» إلى ضرورة العودة إلى بيتها وأسرتها من أجل الاستقرار الأسري؟ جدل واسع يثار عندما نحاول التوصل إلى إجابة محددة عن ذلك التساؤل، لكن الأمر المثير للاهتمام أن نجد إجابات صادمة أحياناً عندما نتوجه إلى المرأة العاملة نفسها، وهي التي كانت تتحمس كثيراً لجدلية عمل المرأة أو عودتها إلى البيت! موظفة تمتد سنوات وظيفتها إلى أكثر من عشر سنوات، تقول: «أنا أكثر الأطراف تضرراً من بقائي ساعات طويلة في العمل»! وأخرى لا تتردد في أن تقول صراحة: «هل تعلم أنني نسيت حتى «الميك آب» ـ الماكياج ـ منذ عدة سنوات، لم يعد لدىّ الوقت لعمل ذلك»، وثالثة تؤكد أن أطفالها هم الضحية، ورابعة لا تتردد في أن تصرح بأن الزوج هو أكثر المتضررين، فلم يعد لها من الوقت ما يكفي للاهتمام بنفسها كزوجة. أخرى، كانت أكثر تطرفاً في إجابتها، وقالت: «ربما تلجأ المرأة للعمل من منطلق تحمل المسؤولية الاجتماعية والاقتصادية للأسرة، ورعاية الأبناء، لكن دائما ما تدفع الزوجة الثمن، وقد تستغرق في إهمالها لنفسها، وقد تلتمس لزوجها العذر إن تطلع بمغامراته خارج حدود بيت الزوجية! وهذه موظفة تتمتع بروح الدعابة لتخفف عن نفسها، وتقول: «العمل، والإنترنت، والفيس بوك، والأصدقاء، سرقوا الأزواج ولا عزاء للمتزوجات»! وتضيف ضاحكة: «زوجي يتمنى أن أبقى 12 ساعة في العمل حتى أعود للبيت «مهدودة» ـ متعبة، حتى لا أجد متسعاً من الوقت للتضييق عليه ومساءلته أو محاسبته! وهناك من تشكو أنها لم تعد قادرة على زيارة أهلها إلا في المناسبات بسبب ضغوط ومشاكل العمل وعدم وجود متسع من الوقت، وأخرى تؤكد أن عملها قد يكون أسهم في حل كثير من المشاكل المالية والالتزامات الأسرية، لكن في المقابل كان عليها أن تدفع الثمن في انعكاسات سلبية أخرى عديدة!. إعادة التفكير في تساؤل افتراضي، أكدت 37% من النساء العاملات أنهن لا يفكرن في العمل ثانية «لو عاد الزمن بهن إلى الوراء»، في مقابل 63% أجبن بـ «لا»، في الوقت الذي فكرت 41% من النساء العاملات ـ لمرة أو أكثر من مرة ـ في ترك العمل والتفرغ لرعاية أسرهن، في مقابل 11% منهن أجبن بـ «لا»، فيما أشارت 48% منهن إلى أن ذلك يحدث «أحياناً»، وعندما تزداد عليهن الضغوط والمتاعب اليومية. هذا وقد أشارت 66% من السيدات أفراد العينة إلى أنهن يضطررن إلى التمسك بالعمل كضرورة حياتية، وحتى يستطعن الإسهام في تعمل الأعباء المعيشية، والإنفاق على الأبناء بطريقة لائقة تفي باحتياجاتهم التعليمية والمعيشية، وقناعتهن بضرورة المشاركة في المسؤولية الاجتماعية. معاناة تروي «أم حمد» وهي «موظفة في الموارد البشرية»، معاناتها اليومية مع ساعات العمل التي تمتد إلى ثماني ساعات، وتقول: «لدىّ ثلاثة أطفال، اثنان منهم في المرحلة التأسيسية، وزوجي لديه عمله أيضاً، وينهي يومه قبلي، وربما ذلك يخفف من وطأة قلقي في آخر ساعات العمل الطويلة، وعندما أصل إلى البيت أجد نفسي منهكة تماماً، ورغم ذلك لابد من الانتهاء من المسؤوليات المنزلية اليومية، فالعمل الذي يمكن أن تقوم به الخادمة لا يغني عن متابعتي الشخصية لشؤون المنزل، وأضطر أن أستقطع وقتاً لمساعدة أطفالي في مراجعة دروسهم، ولا أكاد أتفرغ لهم، إذ يحل موعد نومهم حتى يستطيعوا الاستيقاظ مبكراً، وهكذا أكتشف أن اليوم قد فات، ويأتي الغد شبيهاً لليوم وهكذا. وأكثر ما يزعجني هو إحساسي بالتقصير تجاه أطفالي، وأقترح أن تكون ساعات العمل للمرأة لا تزيد على ست ساعات، وأعتقد أن ذلك سيحسن من أدائها الوظيفي، عندما تشعر بالراحة وعدم الانهاك النفسي والبدني، فالأم العاملة تتحمل ضغوطاً نفسية وبدنية وعصبية عديدة، وهذا ينعكس بصورة سلبية على الأبناء بكل تأكيد». كذلك تشكو (بشرى سالم)، «موظفة بنفس القسم» من عدم قدرتها على التواصل مع أهلها بشكل جيد، كما أنها لا تجد متسعاً من الوقت للقيام بأي زيارة للأهل أو الأقارب، أو حتى ممارسة أي هواية شخصية، وتشعر أن العمل لثماني ساعات طويل جداً، ولا يتناسب وطبيعة المرأة، ولا يمكن في الوقت ذاته أن نفصل بين الضغوط والأعباء التي تتعرض لها المرأة العاملة، حيث تسند أو يوكل إليها معظم المسؤوليات والواجبات الأسرية، مما يعرضها لمتاعب وتجد نفسها أسيرة بين واجباتها الوظيفية، والتزاماتها الأسرية والاجتماعية العديدة». المرأة كيان من جانبها تؤكد (سارة سميدع) «موظفة» أن ساعات العمل الثماني طويلة ولا تتناسب وظروف المرأة، وخاصة تلك التي ترعى أسرة وأبناء، ونجدها مشتتة بين هذا وذاك، حتى إن اهتمامها بنفسها يتأثر من دون شك مع حالة الضغط النفسي الذي تعيشه، وينعكس ذلك على الأسرة تماماً، ولا أظن أن هناك من يسلم من التأثر السلبي لغياب الأم عن البيت طيلة هذه الساعات، إلى جانب الوقت الضائع الإضافي صباحاً، وبعد الانتهاء من العمل، فأنا لا أجد من الوقت ما يكفي، وكما أتمنى لرعاية زوجي وأطفالي، أو حتى تبادل التواصل الاجتماعي والأسري مع عائلتي. وأظن أن ذلك نراه بنفس الدرجة بالنسبة للأزواج الذين يقضون في العمل ساعات أطول، ويكملونه أحياناً مع أصدقائهم، ومن ثم نجد الأطفال هم الذين يدفعون الثمن». أما (سلمى المرهون) «مسؤولة علاقات عامة في إحدى شركات القطاع الخاص»، فترى أن عمل المرأة في القطاع الخاص يضاعف متاعبها وضغوطها ومشاكلها، حيث يتطلب العمل في أحيان كثيرة أن يمتد لأكثر من ثماني ساعات، وربما تضطر بعض الزوجات إلى تأجيل الإنجاب لأن ليس لديها وقتاً لرعاية الأطفال، أو لأنها تخضع لضغوط نفسية ومعيشية عديدة تضطرها إلى أن تعمل لساعات أطول، وكذلك الزوج، وعلينا أن نتصور أن زوجين يعملان نصف ساعات اليوم تقريباً، وربما يزيد، فكيف يكون لديهما من الوقت والجهد والطاقة كي يتواصلا مع أطفالهما بشكل جيد؟ أظن أن الأطفال في هذه الحالة سيكونون ضحايا الإجهاد والتعب والضغوط النفسية والعصبية. وتضيف (المرهون): «المرأة العاملة تقع بين شقي رحى، بين متطلبات وظروف العمل ومتاعبه من جانب، ومسؤولياتها والتزاماتها الأسرية والمعيشية والاجتماعية من جانب آخر، وكثيراً ما نراها هي نفسها «الضحية» التي تجهد وتهمل نفسها، وقليلا ما نرى نماذج تنجح في التوفيق بين هذا وذاك، ولا سيما النساء اللاتي يعملن في القطاع الخاص، ولا أتصور أن أصحاب الأعمال الخاصة يقبلون بخفض عدد ساعات عملهن. لذا فإنني أنتظر عطلة نهاية الأسبوع بفارغ الصبر حتى أحقق ما لا أستطيع تحقيقه خلال الأسبوع، فلا وقت للزيارات ولا الفسح ولا حتى ممارسة أي هواية، فكثيراً ما تسبب هذه الحالة من الضغوط الاحساس بالاكتئاب، والتفكير في ترك العمل، لكن سرعان ما تتلاشى هذه الفكرة أمام وطأة المسؤولية». ضغوط ترى (رقية الحمادي) «معلمة بمدرسة مدينة خليفة «أ» أن رغم أن عدد ساعات عمل المعلمة يبدو معقولاً مقارنة بساعات العمل الطويلة في دوائر أو أماكن عمل أخرى، إلا أن العمل بشكل عام يرهق المرأة والرجل معاً، بل يضفي مزيداً من الضغوط النفسية والعصبية على المرأة نظراً لكونها تتعمل عبئا كبيرا من المسؤوليات الأسرية والاجتماعية، ومسؤولية رعاية الأسرة، وهذا الضغط قد يؤثر على طريقة تعاملها وتعاطيها مع مشاكل الأبناء والتزاماتهم اليومية، أو في علاقتها مع زوجها، وفي كثير من الأحيان تضطر الأم للاستعانة بمدرسة خصوصية لمساعدة الأبناء في دروسهم وحل واجباتهم. لكن بشكل عام نجد أن الأطفال هم أكثر الأطراف تأثراً بعمل الأم لساعات أطول، كذلك سنجد أن التواصل والحوار الأسري يتأثر إما لعدم وجود متسع من الوقت أمام الأم الموظفة، أو انشغال الأب في عمله وغيابه عن البيت لساعات طويلة، في الوقت الذي ينشغل فيه كل طرف باهتمامات متباينة، من دون أن نهمل تأثر العلاقات أو الالتزامات الاجتماعية التقليدية مع الأهل بسبب عمل الزوجة، وغالباً لا تجد فرصة للود أو الزيارة إلا في نهاية الأسبوع، ويكون ذلك على حساب الأطفال الذين يفضلون الخروج للتنزه في أماكن أو حدائق عامة. ساعات الرضاعة تركز «أم ناصر» على شكواها من طول ساعات العمل، وقصر الوقت المخصص للرضاعة للأمهات العاملات لساعة واحدة رغم أن ساعات العمل ثماني ساعات يومياً، فالغياب عن البيت والأسرة طيلة هذه الساعات يسبب للأم الكثير من القلق والتوتر والضغوط، حتى وإن كانت تعتمد على الخادمة أو المربية، لكن هذا الاعتماد لا يكن في كل الحالات. وعندما تعود الأم للبيت تجد نفسها أمام سلسلة من المهام والمسؤوليات والأعباء اليومية التي لا تنتهي، وتكتشف في نهاية اليوم أن عليها أن تعد أطفالها للنوم، وأن ترتاح هي أيضا كي تستعد لاستقبال يوم جديد. فلا وقت للحوار أو التواصل، أو مناقشة الأبناء في مشاكلهم أو في أي حوار آخر، بينما يلقي كثير من الآباء بكل هذه المسؤوليات على الزوجة، ولا يأتي الى البيت إلا في وقت متأخر، وهناك من يشكو بأن الأب لا يرى أطفاله إلا مصادفة، أو في نهاية الأسبوع، فمن أين يأتي الحوار والتواصل؟ وتؤكد «أم ناصر» تمنياتها واقتراحها بتخفيض ساعات العمل للأم الموظفة في كافة الدوائر والمؤسسات والشركات الحكومية والخاصة إلى ست ساعات فقط، وهذا من شأنه أن يوجد فرص عمل جديدة أمام الشباب». أين الأبناء؟ سماح محمد محمود، مساعد مدير ادارة التمريض بمستشفى خليفة في أبوظبي، ترى أن الانعكاسات السلبية لعمل المرأة وبقائها والزوج خارج الأسرة لدواعي العمل، تدفع «فاتورتها» الزوجة وحدها وعلى حساب أطفالها، وهو امتداد للظلم الاجتماعي الذي عانت منه طويلاً، فإذا كانت المرأة تشعر بأنها تحقق ذاتها من خلال تعليمها وعملها، وأنها تشارك فى تحمل الأعباء المادية مع زوجها، أو أنها أصبحت على قدم المساواة معه، وأنها نالت الحرية الكاملة في إدارة وتصريف أمور المنزل من دون مشورة الزوج في كثير من الأحيان، فإنها سريعاً ما تواجه مشاكل عديدة، وتقع تحت وطأة ضغوط نفسية وذهنية لا طاقة لها بها، فالعلاقات الزوجية ستتأثر، والتواصل الأسري سيهتز، ورعاية الأبناء ورقابتهم وتنشئتهم تنشئة صحيحة ستتعرض لهزات وهزات، والاعتماد على الخادمة يخلف مشاكل تربوية وسلوكية لا حصر لها، ومن ثم نجدها تفكر في ترك العمل، لأنها لم تعد قادرة عليه، مما يجعلها دائماً فى حالة عصبية سيئة، فهي دائما ثائرة ومتبرمة من عملها في المنزل وخارجة وتصب جل غضبها على زوجها وأولادها مما يزيد من فرص المشاجرات والخلافات الزوجية التى قد تسبب التفكك الأسري، ويصبح الأبناء ضحية هذه الحالة. إن الأمر شائك ومعقد فهي لا تستطيع ترك العمل، ولا تستطيع تجنب تبعات ذلك بسهولة». عمل المرأة حاجة نفسية واجتماعية واقتصادية.. ولكن! الاستشارية الأسرية بالعين، إنعام المنصوري، تلفت الانتباه إلى أن هناك حكمة قديمة تعلمتها الأمهات من«الجدات» في «زمن أول»، عندما كانت تنصح الأمهات ـ بفطرتهن وخبرتهن ـ بألا تُرضع الأم صغيرها حليبها في اللحظات التي تكون فيها غاضبة أو منفعلة، أو متألمة، حتى لا ينتقل التأثير السلبي على طفلها. فالأم لا ترضع أطفالها الحليب فحسب، وإنما ترضعهم أيضاً خلاصة انفعالاتها ومشاعرها النفسية الحقيقية وإن حرصت على إخفائها وكتمانها، من مشاعر الرضا والسعادة والفرح والتفاؤل إلى مشاعر القهر والحرمان أو الحزن واليأس والإحباط أو حتى عدم الرضا، أو معاناتها من المشاكل والأزمات. وبحكم هذا الارتباط العضوي والنفسي، يثار جدل واسع حول عمل المرأة، ويتسع الجدل ليلقي بظلاله الكثيفة على كثير من صور التواصل الاجتماعي، والاستقرار الأسري، بل هناك من يجزم بتأثيراته السلبية العميقة إلى أساس الكيانات الأسرية ذاتها، وصلب العلاقة الزوجية نفسها، وتهديد الواجبات والأدوار والمسؤوليات العديدة المتشابكة، في ظل غياب مماثل ـ بل يزيد في أحيان كثيرة ـ للرجل «الأب» وتخليه ـ طوعاً أو كرهاً ـ عن مسؤولياته وأدواره الأسرية. وتكمل المنصوري: «نعم، قد يكون هناك حاجات نفسية واجتماعية أو اقتصادية لعمل المرأة، ومنه يمكن أن تحقق ذاتها، وتشبع تطلعاتها، وتبحث من خلاله عن النجاح الذي يرضي طموحاتها، ويثبت قدراتها الفائقة في كل التخصصات والمجالات، لكن علي المرأة العاملة أيا كان موقعها ألا تنسى أنها أم في الأصل، ولا يكون نجاحها على ركام بيتها وزوجها وأطفالها وسعادتها وسعادتهم واستقرارهم الأسري والاجتماعي، بل عليها أن تسعى لتحقيق التوازن المطلوب قدر إمكانها، وقد يكلفها ذلك كثيراً، وكذلك الزوج، فالمسؤولية شراكة بالأساس لكن ربما لا يتحقق ذلك، فتكون السلبيات مخيبة للآمال، وتنعكس على الأبناء أولاً ومن ثم الزوج والزوجة نفسها، وكلما شعرت بزيادة الضغوط، وفشلت في التعامل معها، تزايدت حدة المشاكل. لذا نؤكد إكسابها مهارة التعامل مع هذه الضغوط، لتحقق التوازن المطلوب، من خلال التواصل الذي ننشده بين جميع أعضاء الأسرة». أم « براتب».. مطلب وطني وتنموي بامتياز (لمياء الصيقل) مواطنة شابة، متزوجة حديثاً، وتعمل موظفة في دائرة التنمية الاقتصادية في أبوظبي اقتراح تراه من وجهة نظرها ضرورياً، وتقول: «علينا أن نفكر في هذا الموضوع الهام والحيوي بهدوء، ونحاول تدارسه بعمق، فلا أحد ينكر أننا نواجه مشكلة حقيقية تتعلق بالتنمية الوطنية الشاملة، ومن ثم علينا أن نصوغ الاقتراحات من منطلق رؤية استراتيجية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالبعد التنموي للمواطن الإماراتي، فالانعكاسات الأسرية السلبية المترتبة على بقاء المرأة المتزوجة لساعات طويلة لا أحد ينكرها أو يهملها سواء بالنسبة للزوجة والأبناء والزوج والاستقرار الأسري. فلا ننسى أن المرأة العاملة تتعرض إلى إرهاق كبير لصحتها إما في العمل أو نتيجة للالتزامات الأسرية المفروضة عليها، وليس بوسع الزوج القيام بها حتى وإن رغب في أن يكون أكثر إيجابية. هناك ساعات تفقد في الذهاب والإياب، وضغوط الانتقال والمرور، بعد يوم طويل من أعباء العمل، ومن ثم تعود إلى بيتها مجهدة ومنهكة وعصبية، وهذا ينعكس على الأبناء والزوج، وإذا تأملنا دوام المرأة الحامل، ماذا بوسعها أن تعطي لعملها من جهد وإنجاز وهي في شهرها السابع أو الثامن أو التاسع من الحمل؟ هناك كثيرات من المتزوجات الجدد يؤجلن حملهن لمعرفتهن بهذه المتاعب، وهناك كثيرات يجهضن تعباً وإرهاقاً، وهن لا يستطعن ترك العمل لأسباب عديدة». وتضيف الصيقل: «إن تربية وتنشئة الأجيال المواطنة تربية سليمة مطلب وهدف تنموي واستراتيجي، وكل ما يؤثر سلباً على هذا المقصد، هو انتقاص لكل الجهود الوطنية الرامية لذلك، والاستثمار البشري وسيلة وغاية تنموية متقدمة، لذا لا أطالب بعودة الزوجة والأم العاملة إلى البيت والأسرة، لكن إن رغبت في ذلك، فلماذا لا يتاح لها هذه الفرصة لتتفرغ لبيتها وأسرتها وزوجها وأولادها، وعلى الدولة أن تتحمل ولو بـ 60% من راتبها الشهري، لأنها تؤدي عمل ورسالة لا يدانيها رسالة، تربوياً واجتماعياً وأخلاقياً، فالمجتمع هو الذي يدفع في النهاية ثمن أي اعوجاج أو انحراف لأبنائه، لذا فإن هذا الاقتراح أعده مطلباً وطنياً وتنموياً صرفاً بامتياز». هل تتحمل المرأة النتائج السلبية وحدها ؟ الإخصائية الاجتماعية سامية عبدة، تشير إلى خروج المرأة للعمل سواء أكانت متزوجة أو غير متزوجة يؤدي إلى إضافة أدوار اجتماعية واقتصادية لها، فبالإضافة إلى كونها ربة منزل، وأما وزوجة، وهذا يفرض عليها أن تتواجد خارج المنزل لساعات طويلة، وعليها أن تتكيف مع هذه الحالة أو تتعرض لمتاعب وضغوط واخفاقات عديدة، وكثيراً ما نرى أن النتائج تصبح سلبية نتيجة عدم تكيفها مع أوضاعها الجديدة لفشلها في الملائمة بين الدور القديم التقليدي، وبين الدور الجديد والظروف الجديدة التي فرضها العمل، ومن هنا نسمع عن إضطرابات ومشاجرات ومشاكل بين المرأة وزوجها، وقد يؤدى ذلك الى التفكك الأسرى في بعض الأحيان، لأنها لا ترضى بالتخلي عن العمل لأسباب اجتماعية واقتصادية وذاتية، ومن ثم نكتشف أنها تواجه قصوراً غير مقصود في تربية الأولاد والاهتمام بالزوج وحتى في اهتمامها بنفسها ولياقتها النفسية والصحية. نعم، إن العمل حق للمرأة، ومن خلاله تستطيع أن تثبت كفاءتها وجدارتها، لكننا نجد أننا أمام مشكلات عديدة تؤثرعلى دورها في المنزل، وبصفه خاصة فى عملية التنشئة الاجتماعية للأبناء بعد استفحال ظاهرة المربيات والخادمات التي أثرت على كثير من القيم التي يكتسبها الأبناء فى المنزل وهى قيم غريبة عن المجتمع العربي. وتضيف سامية عبده: «العمل ضرورة للمرأة، وجزء مهم من كيانها ودورها النفسي والاجتماعي ورسالتها وشراكتها في الحياة، وإن تخلت عنه، ربما تجد نفسها أسيرة للعزلة الاجتماعية، أو تعاني من وقت الفراغ، ويجب ألا تكون الحلول بالتخلي عن العمل، لكن علينا أن نبحث عن طرق ووسائل وأساليب جديدة تعالج وتستوعب سلبيات ابتعادها عن بيتها لساعات طويلة، لأن المرأة تعمل لضرورة، وبعد أن رضي واقتنع زوجها بعملها، وتشاركه المسؤولية، فلا يجب أن ندعها تتحمل النتائج السلبية وحدها». استطلاع رأي الاتحاد «الاتحاد» استطلعت رأي «200» سيدة عاملة في وظائف مختلفة، للوقوف على آرائهن وانطباعاتهن حيال تأثر حياتهن الأسرية والاجتماعية بغيابهن عن بيت الزوجية بسبب العمل، في الوقت الذي يغيب فيه الزوج بطبيعة الحال عن أسرته بسبب العمل أيضاً، ومدى انعكاس هذا الغياب على تماسك الأسرة، والتواصل المباشر بين الزوجين والأبناء والأهل، ومعرفة أي الجوانب الأكثر تأثراً عن غيرها، وذلك من خلال «استبيان» يتضمن هذه الأسئلة: هل ترين أن ساعات عملك طويلة؟ ما أهم الانعكاسات السلبية على الأسرة بسبب العمل (اهمال الزوج ـ عدم الاهتمام الشخصي ـ عدم متابعة الأبناء كما ينبغي ـ عدم ممارسة الهوايات والنشاطات الاجتماعية الأخرى ـ إهمال الأبناء ـ عدم التواصل مع الأهل والأقارب والأصدقاء - ضغوط نفسية زائدة - فقدان اللياقة الذهنية والنفسية)، من هو الطرف الأكثر تأثراً بغيابك عن الأسرة بسبب العمل؟، هل طبيعة عمل الزوج أو الزوجة تؤثر في علاقاتهما بباقي أفراد الأسرة؟ هل يغيب الزوج عن المنزل لساعات إضافية غير ساعات العمل؟ من هو الطرف المعني بمتابعة الأبناء دراسياً؟، إلى أي حد توفّق الأم العاملة بين عملها والتزاماتها الزوجية والأسرية؟ من يهتم بالأطفال حال انشغال الزوجة عنهم (الزوج أو المربية أو الخادمة أو الأهل) ؟. هل تشعر المرأة العاملة «الزوجة» بالتقصير تجاه زوجها وتجاه أطفالها بسبب العمل؟ هل تشعر بالضيق لغيابها عن المنزل بسبب العمل؟ وهل هُناك متسع من الوقت للتواصل الأسري؟ ولو عاد بها الزمن إلى الوراء هل تفكر في العمل؟ وهل فكرت يوماً في ترك العمل والتفرغ للزوج ورعاية الأسرة؟ مؤشرات ـ من خلال تحليل «استطلاع الرأي» تبين أن 87% من النساء العاملات يرون أن ساعات العمل ـ أكثر من ست ساعات ـ طويلة، فيما أشار 13% منهن إلى أنها «طويلة إلى حد ما»، لأن دوامهن ينتهي في الساعة الرابعة بعد الظهر، بالإضافة إلى الوقت المضاف اللاتي يفقدنه قبل وبعد العمل، بينما اختفت هذه الشكوى من قبل «المعلمات» حيث ينتهي دوامهن الرسمي في حدود الساعة الثانية بعد الظهر. ـ أشارت 64 % من النساء العاملات إلى أن «الأبناء» هم الطرف الأكثر تأثراً «سلبياً» بالغياب عن الأسرة لساعات طويلة بسبب العمل، فيما أكد 24% منهن أن المرأة العاملة نفسها هي المتضرر الأول، في مقابل 12% ذكرن أن الزوج هو المتضرر الأول. ـ أشارت 42% من النساء إلى أن طبيعة عمل الزوج أوالزوجة تؤثر بصورة أو بأخرى في علاقاتهما ببقية أفراد الأسرة، فيما أجاب 22% بلا، و46% منهن «إلى حد ما». ـ أشارت 52% من النساء إلى أن أزواجهن يغيبون عن الأسرة «البيت» لساعات إضافية غير ساعات العمل، فيما ذكر 28% منهن إلى أن ذلك يحدث بصورة متقطعة «إلى حد ما»، في مقابل أجاب 20% منهن بالنفي. متابعة الأبناء فيما يتعلق بمتابعة الأبناء دراسياً، أشارت 64% إلى أنهن يتابعن أبناءهن دراسياً بأنفسهن في حدود الوقت المتاح لديهن بعد العودة من العمل، في مقابل 12% يعتمدن في ذلك على مُدرسة خاصة أو مربية، فيما تعتمد 18% منهن على الخادمة لصغر أعمار أطفالهن، و6% منهن فقط يعتمدن على الزوج «الأب»، في حالة عدم اتساع الوقت لديهن لمتابعة أطفالهن. وفي حالة انشغال الأم أو غيابها عن المنزل، تعتمد 20% فقط على الزوج، 62% منهن يعتمدن على المربية أو الخادمة، 28% منهن يولون للأهل هذه المسؤولية. مشاعر سلبية تبين من إجابات العينة أن هناك 54% من النساء العاملات يشعرن بالتقصير تجاه أزواجهن، في مقابل 6% فقط لا يشعرن بذلك، وبين النسبتين هناك 43% يشعرن بأنهن يعانين من هذا الشعور السلبي، أو مشاعر سلبية متباينة «إلى حد ما». هذا في الوقت الذي تؤكد فيه 64% أنهن يعانين من الشعور بالتقصير تجاه أبنائهن، أو أن هؤلاء الأبناء هم أكثر الأطراف تأثراً بغياب الأم بصورة سلبية، في مقابل 4% فقط لا يشعرن بذلك، وبينهما 12% فقط يشعرن بذلك «إلى حد ما». وهي نفس النسبة اللاتي يشعرن فيها بالإحساس بالضيق لغيابهن لساعات طويلة عن البيت بسبب العمل. وأكد 86% من النساء أن ليس لديهن متسع من الوقت للتواصل الأسري بشكل جيد، سواء بالنسبة لأسرهن أو مع أهلهن، في مقابل 14% فقط أشرن إلى أنهن يفتقدن ذلك «إلى حد ما». التوفيق أظهر استطلاع رأي أفراد العينة، مؤشرات سلبية واضحة، فيما يتعلق بمدى توفيقهن «بنسب محددة» بين عملهن الوظيفي وما يقترن به من مسؤوليات وأعباء، وما يستلزمه من غياب عن الأسرة لساعات طويلة ـ من وجهة نظرهن، تمتد ما بين 8 ـ 10 ساعات يومياً، حيث تراوحت نسب التوفيق ما بين 10% في حدها الأدنى، و75% في حدها الأعلى. وقد تبين أن 6% فقط ممن يستطعن التوفيق بين العمل ومسؤولياتهن الأسرية والاجتماعية، و18% يوفقن في بنسبة تقل 50%، وأن هناك 30% منهن يوفقن بنسبة تتراوح بين 50 _ 60%، في مقابل 46% منهن أشاروا إلى أنهن يوفقن بنسبة تتراوح ما بين 60 _ 75%. هذا وكان المتوسط العام لنسبة التوفيق بين العمل والمسؤولية الأسرة 52%، كما لوحظ أن 18% منهن ذكرن أن نسبة التوفيق لا تتعدى 30%، وأنهن يعانين من مشاكل أسرية وحياتية عديدة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©