الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أمير المسلمين لقب غير مسبوق على دنانير المرابطين

أمير المسلمين لقب غير مسبوق على دنانير المرابطين
23 سبتمبر 2007 22:58
من عمق صحراء المغرب حيث تتماس مع المحيط الأطلسي وغرب أفريقيا جاء المرابطون أو مقاتلو الصحراء الملثمون ليجمعوا شتات مدن المغرب وليؤجلوا سقوط الاندلس بأيدي الإسبان، وينتمي المرابطون الى قبيلة لمتونة البربرية الصنهاجية التي دخلت الاسلام في القرن الثالث الهجري بفضل جهود التجار المسلمين والدعاة الذين يجوبون الصحاري الأفريقية لنشر دعوة الاسلام، وتدعمت هويتهم الدينية بفضل جهود الفقيه عبدالله بن ياسين الذي تزعم في بداية القرن الخامس الهجري ''11م'' حركة دينية إصلاحية أحرزت نجاحاً باهراً في بث الحماسة الدينية في أوساط الملثمين وتوحيد قواهم· وطبقاً للتعاليم التي تولى تدريسها ابن ياسين فقد كان على أتباعه أن يجاهدوا من أجل حمل المسلمين على الالتزام بجادة الدين والتخلي عن الممارسات الوثنية التي سادت حياتهم اليومية، وأوكل هذا الفقيه أمر الجهاد الى الأمير أبي بكر بن عمر اللمتوني، أول حاكم سياسي لدولة المرابطين، وعهد اللمتوني بالأمر من بعده لواحد من أعظم الرجال في تاريخ الغرب الإسلامي هو الأمير يوسف بن تاشفين، وكان حسب المصادر التاريخية المعاصرة ''رجلاً ديناً خيراً حازماً داهية مجرباً''· ونجح ابن تاشفين في تأسيس دولة هي الأضخم في تاريخ المغرب إذ امتدت من غرب افريقيا جنوباً الى جبال البرانس شمالاً، ومن المحيط الأطلسي غرباً الى تخوم افريقية ''تونس'' شرقاً· وعندما استنجد المعتمد صاحب إشبيليه بالأمير يوسف لنجدته من هجمات ألفونس السادس انتقل ابن تاشفين بالمرابطين الى الاندلس ليحكم أغلب مدنها بعد نجاحه في إيقاع هزيمة منكرة بقوات ألفونس في موقعه الزلاقة الشهيرة عام 479هـ ''1086م''· وضرب أمراء المرابطين بالمغرب والأندلس نقودهم من الفضة والذهب، وكانت الدنانير وأجزاؤها بمثابة العملة الرئيسية لهذه الدولة التي كانت تسيطر فعلياً على مناجم الذهب الافريقي، وبلغت شهرة الدينار المرابطي حداً أصبحت معه كلمة ''مرابطي'' اسم علم على النقد الذهبي الجيد في كل أرجاء أوروبا من القرن الحادي عشر الميلادي ولقرابة قرنين تقريباً· وتميزت الإصدارات الذهبية للمرابطين بثبات شكلها، اذ كانت كتابات المركز في وجهي كل قطعة محاطة بدائرة خطية، وكذلك الحال مع كتابات الهامش التي تدور حول محيط القطعة· اقتباس قرآني وألقاب ومن بواكير الدنانير المرابطية قطعة من ضرب مدينة سجلماسة عام 450هـ، وتحمل اسم الأمير المرابطي الأول ''أبوبكر عمر''، الذي سجل في مركز الوجه شهادة التوحيد ''لا إله إلا الله/ محمد رسول الله''، أما هامش الوجه فقد نقش به اقتباساً قرآنياً هو الأول من نوعه في النقود الاسلامية، ونصه (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)· وظل هذا الاقتباس يسجل على دنانير المرابطين وفي ذات المكان حتى سقوط دولتهم، لكونه الشعار لدعوتهم لتخليص الاسلام من شوائب الممارسات الوثنية التي اقتبسها السكان من الديانات الافريقية· أما ظهر الدينار فقد سجلت في مركزه أربعة أسطر ''الامام/· عبدالله/ أمير المؤمنين''، وذلك في تنويه عام للخليفة العباسي الذي لم يكن اسمه معروفاً للمرابطين بحكم بعد المسافة الجغرافية من بغداد، ولاعتراض الفاطميين بمصر والشام لطرق الوصول الى الحاضرة العباسية، ولذلك اختار المرابطون أن يسجلوا اسم الإمام الذي يستمدون منه الشرعية بهذه الألقاب العامة لأمير المؤمنين· أما نقود يوسف بن تاشفين فقد جاءت مشابهة لدنانير اللمتوني في بداية الأمر حيث نعت نفسه بالأمير يوسف بن تاشفين، ولكن بعد انتصاره الباهر على جيوس قشتالة في معركة الزلاقة اتخذ لنفسه لقباً جديداً لم يسبقه اليه غيره في التاريخ الاسلامي اذ سمى نفسه ''أمير المسلمين''، ويكاد هذا اللقب يكون تعبيراً بليغاً عن حقيقة أن ''أمير المؤمنين'' كان في بغداد مجرد رئيس ديني لا علاقة له بأمور السياسة والحرب، وأن الرجل الذي دخل في ولائه دون أن يعرفه وناضل بسيفه دفاعاً عن حياض الاسلام في الأندلس كان الأحق بأن يكون أميراً للمسلمين· ولم تقف مستجدات يوسف بن تاشفين عند حد ابتداع لقب أمير المسلمين على الدنانير المرابطية، بل أضاف الى الالقاب المبهمة لخليفة بغداد صفة ''العباسي'' منعاً لأي لبس قد ينصرف الى الاذهان بشأن الخليفة الفاطمي، وهكذا أصبحت كتابات مركز الظهر على هذا السطر ''الإمام /عبدالله/ أمير المؤمنين/ العباسي''· وزيادة على ذلك فقد سجل يوسف بن تاشفين في الدنانير التي ضربها من عام 498هـ اسم ابنه وولي عهده الأمير علي، وعندما تولى الأخير العرش المرابطي في عام 500هـ ''1106م'' ضرب نقوده على ذات الطراز الذي اتخذه والده وتلقب هو ايضاً بأمير المسلمين، وسجل علي بن يوسف اسم ابنه وولي عهده على دنانيره بعد أن أخذ له البيعة بولاية العهد من بعده في عام 522هـ، وظل اسمه يرد على دنانير المرابطين حتى توفي عام 533هـ، فحل مكانه اسم ولي العهد الجديد الأمير تاشفين بن علي· وبصفة عامة تميزت دنانير المرابطين بثبات طرازها من حيث الشكل والمضمون، ولم يكن يتغير بها سوى اسماء الحكام والتواريخ، وايضاً دور الضرب التي توزعت بين مدن المغرب والاندلس· ومن اللافت للنظر أن دور السك المرابطية استخدمت أنواعاً مختلفة من الخطوط العربية مثل الخط الكوفي البسيط والكوفي المورق والكوفي المزهر، وكان المرابطون أسبق دول الاسلام الى استخدام خط النسخ في تسجيل نقوش نقودهم الذهبية·
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©