الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أفريقيا.. انقلاب نحو الأفضل

أفريقيا.. انقلاب نحو الأفضل
23 سبتمبر 2007 23:37
باعتباري من الأشخاص الذين عملوا في المناطق التي شهدت أسوأ الحروب في أفريقيا على مدى ربع قرن، فإن كتاباتي عادة ما تدور حول الفظائع والطغيان والمجاعات· فهذه هي الأشياء التي يتوقع الأميركيون قراءتها في المقالات التي تدور حول أفريقيا، ولكن، وبعد سنوات من التعامل مع المسلحين الصوماليين، ومليشيا الجنجويد في إقليم دارفور السوداني والجنود الأطفال الذين تم تجنيدهم بعد اختطافهم من ديارهم في شمال أوغندا، فإنني أستطيع أن أقول إنني الآن أكثر تفاؤلا بشأن أفريقيا مما كنت عليه عندما بدأت الكتابة عن هذه القارة· كان انتخاب مدير شركة تأمين سابق عمره 53 سنة كرئيس لسيراليون الأسبوع الماضي، هو آخر الإشارات الدالة على التقدم الذي يحدث في أفريقيا· وعلى الرغم من وقوع بعض الحوادث المحدودة، والمتفرقة، خلال الانتخابات فإن عملية حلف اليمين التي قام بها ''إرنست باي كوروما'' كانت مختلفة تماما عما كان معظم العالم يتوقعه· فعندما راقبت المرحلة الأولى من الانتخابات في الجزء الشرقي من سيراليون، كان واضحا أن البلد يجتاز نقطة فاصلة في مسيرته، وأنه لم يكتف بإجراء انتخابات سلمية تقريبا، وإنما أظهر أيضا أنه بلد يسعى إلى تحقيق مستقبل باهر· هذا الانقلاب التام نحو الأفضل في مسيرة سيراليون، يضاف إلى قصص النجاح التي تحققــت في دول أخرى مثـــل ليبيريــا وجنــوب أفريقيــا وموزامبيق وبوروندي، والتي حققت قفزات واسعة نحو الديمقراطية والسلام، فإنها بذلك تساهم في رسم صورة جديدة لأفريقيا تختلف اختلافا تاما عما هو معروف عنها، وتتحدى التوقعات المتشائمة التي يتبناها الأجانب بخصوص مستقبل القارة· وإذا ما تجاوزنا السطح الخارجي، وتعمقنا مسافة أبعد في شؤون القارة، فسوف نجد آمــالا تقدمها أفريقيا للآخرين· في الشهر الماضي راقبت الانتخابات في منطقة ''تونجو'' -المشهورة بإنتاج الماس، والواقعة في شرقي البلاد، والتي تعج بالناشطين السياسيين، والجنود الأطفال السابقين- وقد كانت كل المؤشرات تدل على أنها ستتحول إلى حمام دم· غير أن العكس تماما هو الذي حدث، فقد شاهدت انتخابات نظيفة خلت تقريبا من حوادث العنف، وتمت إدارتها بواسطة مجموعة من موظفي الانتخابات الجادين، ليس هذا فحسب، بل إن الجيش لزم ثكناته، واقتصر دور الشرطة على توفير الأمن، كما لم يكن هناك أي حوادث مسجلة بواسطة جماعات المجتمع المدني، والكنائس، والمساجد، وموظفي الحكومة، الذين تعاونوا جميعا من أجل إخراج انتخابات سلمية· وقد قابلت هناك بعض الجنود الأطفال الذين شاركوا في تلك الانتخابات، الذين قالوا: إنهم يريدون أن ينسوا ذكريات تلك الفترة المؤلمة من حياتهم وأنهم قد حاربوا من أجل لا شيء، وأن الانتخابات التي جرت في البلاد هي مؤشر على أن عهد عدالة الغابة قد مضى إلى الأبد· وما حدث في سيراليون يشبه إلى حد كبير ما حدث من قبل في ليبيريا التي تخلى شعبها أواخر عام 2005 عن القتال، فتوجهوا لصناديق الانتخابات، وانتخبوا ''إيلين جونسون- سيرليف''، -أول امرأة تتولى الحكم في أفريقيا-، التي قامت بتسريح ما يزيد عن 100 ألف جندي في إطار جهودها لمحو تركة البلاد الدموية التي استمرت لربع قرن، وقد قمت بمراقبة تلك الانتخابات أيضا· إن دلائل التغيير في أفريقيا تتجاوز ما حدث في سيراليون وليبيريا، فاشهر القصص في هذا المجال هي قصة جنوب أفريقيا التي ظلت تحت قبضة حكم البيض العنصري حتى بدايات التسعينات، أما اليوم فإنها تستعد لعقد رابع انتخابات حرة منذ سقوط نظام الفصل العنصري'' الأبارتايد'' في عام ·1994 وفي رواندا التي ارتكب ''الهوتو'' المسلحون أكبر مذبحة جماعية مروعة في تاريخ البلاد، -راح ضحيتها مئات الآلاف من التوتسي خلال 100 يوم فقط-، نراها اليوم تشهد نموا اقتصاديا دالا، وتتراجع فيها احتمالات العودة إلى الصراع يوما بعد يوم· إلى ذلك نجحت بوروندي المجاورة والسودان اللذان تمزقا بفعل المذابح الجماعية، والصراعات، التي ترتب عليها مصرع الملايين في التوصل إلى اتفاقيات سلام، ووضع الأسس للنمو والأمن· إن ما وجدته في رحلاتي الأخيرة للقارة يمثل قصة نجاح أفريقية جديدة، يؤكد فيها الأفارقة من مختلف المشارب وخصوصا الشباب على أهمية الحصول على حقوقهم، ويبدون استعدادهم لتحمل مسؤوليتهم من أجل بناء مستقبل أفضل لقارتهم· وكل ما يطلبه الأفارقة هو أن يتم سماع أصواتهم من خلال صناديق الانتخابات ومن خلال وسائل الإعلام، والأحزاب السياسية، التي استعادت حيويتها، والمؤسسات المدنية التي تم إصلاحها· تقدم هذه التجارب بعض الدروس الرئيسية لآخر وأكبر أزمة تواجهها القارة الأفريقية وهي أزمة ''دارفور'' وتداعياتها الإقليمية· أول هذه الدروس أننا يجب ألا نفقد الأمل· ثانيها: أنه يجب العمل على دعم الديمقراطية في جميع صورها وأشكالها· ثالثها: إطلاق جهود السلام· رابعها: حماية المدنيين ومساعدة العمليات المدنية· والفارق بين أزمة دارفور والأزمات السابقة في أفريقيا، أن الأميركيين هذه المرة يبدون اهتماما بحل الأزمة، لأنهم يعرفون أنه ما لم يتم حلها فإن العالم كله سينظر إليهم على أنهم تخلوا عن قارة تحاول التخلص من ميراث العبودية والاستعمار والصراع كما حدث في مناسبات عديدة من قبل· إن الوضع في دارفور أيضا سيتغير إلى النقيض، ولكن الزمن الذي سيتحقق به هذا سيتوقف على النجاح الذي ستحققه الحركات المهتمة بالأزمة الناشبة في هذا الإقليم سواء ما كان منها في أميركا، أو في البلدان الأخرى التي تمسك في أيديها بمفاتيح السلام والمستقبل الواعد للقارة· رئيس مجلس الإدارة المشارك لمشروع ''إِنافْ'' لمناهضة الجرائم ضد الإنسانية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز والواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©