الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصين وبورما متشابهتان.. ومختلفتان

الصين وبورما متشابهتان.. ومختلفتان
25 سبتمبر 2007 00:04
على امتداد الأسابيع الأخيرة، توافد على السفارات الصينية وقنصلياتها من نيويورك إلى نيوزيلندا العديد من الزوار المألوفين، لكن غير المرحب بهم· بيد أنهم لم يحتجوا هذه المرة على انتهاكات حقوق الإنسان في الصين كما اعتاد المتظاهرون أن يفعلوا، بل على ما يقع في الدولة المجاورة، بورما، من تجاوزات خطيرة تطال حقوق الإنسان والديمقراطية· فقد تعرضت المظاهرات السلمية التي نظمها طلبة الجامعات ورجال الدين البوذيون احتجاجاً على موجة الغلاء، وارتفاع الأسعار التي تشهدها البلاد، إلى القمع والتنكيل على أيدي السلطات العسكرية التي تحكم البلاد بقبضة من حديد· لم تكتفِ السلطات بملاحقة المتظاهرين، بل قامت باعتقال نشطاء حقوق الإنسان في البلد، وزجت بهم في المعتقلات المنتشرة في البلاد، ولكن النظام العسكري في بورما هو من يمارس القمع ضد مواطنيه، فلماذا تتعرض الصين للانتقادات وتصبح هدفاً لها؟ الجواب هو أن الصين تعتبر أحد أشد المدافعين عن النظام البورمي منذ أن أدرج البلد على أجندة مجلس الأمن في الأمم المتحدة قبل 12 شهراً؛ فقد أشهرت الصين حق الفيتو الذي تتمتع به لتعطيل مشروع قرار في شهر يناير الماضي ينتقد النظام العسكري الحاكم، ويفضح انتهاكاته السافرة لحقوق الإنسان· كما أن الصين بالإضافة إلى ذلك، من أشد المعارضين للجهود الدبلوماسية الرامية إلى الضغط على النظام العسكري للتفاوض على حل مقبول مع المعارضة الديمقراطية في البلاد· وهكذا لم تستطع زعيمة ''العصبة الوطنية من أجل الديمقراطية'' والحائزة على جائزة نوبل للسلام، ''أونج سا سوكي''''، ممارسة السلطة رغم فوزها الساحق في انتخابات حرة ونزيهة، ولم يسمح لحزبها بالمشاركة في الحياة السياسية وإرساء الديمقراطية· لعل السبب الرئيسي الذي يدفع الصين إلى الدفاع عن النظام العسكري في بورما هو المصالح الجيوسياسية والاقتصادية في البلد والمتمثلة في النفط واحتياطيات الغاز الطبيعي، فضلا عن الثروة المعدنية وصفقات بيع الأسلحة· أما السبب الآخر، فهو يتعلق باحتجاجات نشطاء حقوق الإنسان نفسها؛ فمنذ أن ألغت بورما، على نحو عنيف، الديمقراطية في العام ،1988 وتبعتها الصين عام 1989 أصبحت ''بكين'' محط انتقادات قوية من قبل منظمات حقوق الإنسان، وتتخوف الصين من أنه إذا توقفت عن تعطيل المسيرة الديمقراطية في بورما، فإن ذلك سيشجع منتقديها الذين يطالبونها بالانفتاح السياسي، لكن الصين بوقوفها إلى جانب النظام العسكري في بورما ومساندته ضدا عن رغبة المجتمع الدولي تعرض نفسها إلى المزيد من الانتقادات بدلا من تحصين نفسها ضدها· ورغم ذلك فهناك فروق واضحة بين النظام في بورما والنظام في الصين، فقد اتخذ البلدان منذ إلغاء النظامين للديمقراطية قبل عقدين من الزمن تقريباً طريقين مختلفين في استخدام السلطة؛ ففي الصين قاد الحزب الحاكم مبادرة الإصلاح الاقتصادي، ما ترتب عليه نمو اقتصادي باهر، لذا فإنه عندما يردد النظام الصيني جملته الشهيرة بأن عليه التضحية بالديمقراطية لتحقيق النمو الاقتصادي، يتعين على نشطاء حقوق الإنسان النظر ملياً في حجته، رغم حقهم وحقنا معهم في الاختلاف وتفنيد هذه الأطروحة· أما في بورما فإنه لا أحد من داخل النظام، أو من خارجه يستطيع الاعتماد على نفس التبرير الصيني لتعطيل المسيرة الديمقراطية· فمنذ أن استولى النظام على السلطة بانقلاب عسكري عام 1962 كانت البلاد غنية بثرواتها النفطية ومواردها الكثيرة، أما الآن فهي ترزح تحت وطأة الفقر والمصاعب الاقتصادية، فقــد تدهورت الأوضــاع المعيشية للسكان بعد أن سيطر العسكر على مقدرات البلد· لم يكتفِ النظام في بورما بغلق أبواب الانفتاح السياسي الذي يتوق له المواطنون، بل أوصد دونهم أي أمل في الاستفادة من الفرص الاقتصادية التي توفرها بلادهم· ويشير الواقع البورمي أن الشعب لم يُرغم فقط على التضحية بالديمقراطية من أجل التنمية، كما هو الحال بالنسبة للصين، بل أجبر على التضحية بهما معاً لمصلحة الحكم العسكري· لذا فإن الصين بمقارنة نفسها بالنظام في بورما فهي لا تخدم نفسها، فالفرق واضح بين تلك النوعية من الأنظمة في العالم التي تمنع الديمقراطية عن شعوبها، ونوع آخر يمنع كل شيء· وفيما تنتسب الصين إلى النوع الأول من الأنظمة تنتمي بورما إلى النوع الثاني، حيث يحتكر النظام السياسة والاقتصاد ويمنع عن المواطنين الأمل في مستقبل أفضل لهم ولأبنائهم· وإذا كانت الصين قد حازت على احترام دولي ووطدت نفسها كدولة مسؤولة على الساحة العالمية من خلال سحب دعمها الدبلوماسي لكوريا الشمالية وانضمامها إلى الجهود الدولية الرامية إلى نزع سلاحها النووي، فإنها اليوم مطالبة بالكف عن مساندة النظام البورمي واستخدام حق الفيتو في الأمم المتحدة للتخفيف عن معاناة المواطنين· وحتى يفرق الصينيون بين نظامهم الناجح نسبياً والنظام البورمي الذي لا يمكن الدفاع عنه سيستمر نشطاء حقوق الإنسان في التوافد على السفارات الصينية والاحتجاج أمام أبوابها· أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©