الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قوَّة الاعتدال

قوَّة الاعتدال
25 سبتمبر 2007 23:23
أعتقد أن علينا أن نرسخ ونعمم أفكار وقيم ومسلكيات الاعتدال، وبذلك نستعيد المقدار اللازم من الحيوية لإعادة منجزنا الإيماني الثقافي والحضاري، معروضاً على عصرنا، إلى التداول الهادئ باعتباره مرشحاً للإسهام في إعادتنا إلى سياقنا الفاعل من جهة، وواقعاً موضوعياً في صلب انتظارات الآخرين من أهل المعمورة المضطربين الحائرين من تراكم الأسئلة الصعبة حول مصيرهم وما آلت إليه أحوالهم وما هو متوقع لديهم من مخاطر على وجودهم واستقرارهم· وبالاعتدال نسيل رصيدنا ونفتحه على الاستثمارات المجدية، ونأخذ أهبتنا لمراكمته من جديد، كماً ونوعاً، حتى لا نعود ثانية فنستهلكه من دون إنتاج، فنستهلك أنفسنا بذلك· هذا الكلام الهادئ قد لا يناسب ما نشاهده من ضجيج ومن أصداء له تتردَّد وتتعاظم غير أنه من وجهة نظر أخرى، قد يكون ضرورياً للسبب نفسه وإلا فكيف نواجه الاستحقاقات المترتبة على العراق وما بعده وما قبله؟ وحتى لا يبقى الاعتدال مسلكاً أخلاقياً ناعماً، لا يخطئ، لكن لا يفعل ولا يغير، أي يخطئ دائماً في المحصلة، لا بد من أن يعبر عن نفسه بقوة عاقلة مضبوطة بالمعايير والحدود الفكرية الثابتة (الأصول)· ولن يجد منهج الاعتدال وسلوكه مجالاً للقوة الكافية لجعله فاعلاً إلا إذا تمأسس، أي أنه بحاجة إلى رفع العلاقات الأهلية الشعبية والطليعية (العلمانية) إلى مستوى المؤسسات التي تشكل مكاناً حقيقياً لمراكمة المعرفة بالحوار وترشيد السلوك بالمشاركة والمناصحة والمشاورة والمناصرة على مقتضى الحق والحقيقة· هذه ليست دعوة إلى التحزيب وتأسيس الأحزاب··· وقد تكون الأحزاب الاعتدالية مطلباً مسوغاً، إذا استطعنا أن نعيد قراءتنا لاجتماعنا (الإسلامي- العربي- المشرقي) لنكتشف مدى الطموح الإسلامي إلى المطابقة بين بنية هذا الاجتماع وبين الشريعة الإسلامية باعتبارها مشروع نظم وتنظيم، يختلف في أسسه المعرفية الدينية والاجتماعية، عن المشروعات الحزبية الاختزالية التي جربنا وصفاتها المجربة في الغرب والتي آلت إلى انسداد أخيراً، من دون تبصر حقيقي بالفارق الكبير بين بنياننا القائم على التوحيد العقيدي والمنهجي وبين البنيان الغربي الذي أقصي منه الأساس التوحيدي، فأصبح قابلاً للتمثل بأحزاب منفصلة عنه ومنفصلة عن بعضها بعضاً، خصوصاً أن مصادرة المسيحية بالإمبراطورية منذ المجمع المسكوني عام 325 قد أدت إلى تطويع المسيحية للسلطان فأخلاها من مخزونها الاحتجاجي والتغييري، فلم تعد تفي بالمطلوب من ثقافة التغيير··· فقامت النهضة على ثقافة من خارج الاجتماع وذاكرته، فاقتضت قيام أقليات حزبية متعددة على أساس التغاير في فهم الواقع وفي المصالح التي تتحكم أحياناً بالحراك السياسي أو دائماً··· بينما لا يزال الإسلام هو الثقافة وهو الذاكرة وهو الراهن وهو مصدر الاعتراض والاحتجاج على الجور والظلم والفساد··· وإن كانت قد بذلت محاولات جبارة لتطويعه وإفراغه من مضمونه الحي، فإنه أثبت أنه أشد جبروتاً من الجبابرة في صموده ونهوضه ضمانة للتصحيح عند كل منعطف·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©