الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أوغندا بين المصالحة الوطنية والعدالة الغربية

أوغندا بين المصالحة الوطنية والعدالة الغربية
25 سبتمبر 2007 23:43
منذ انضمام ''جيش الرب'' إلى مباحثات السلام مع الحكومة في العام الماضي، تمر أوغندا بفترة سلام نسبي لم تشهدها من قبل، فبالرغم من تعثر مباحثات سابقة وتوقفها أكثر من مرة، استطاع الطرفان المضي قدماً في الجولة الثالثة، ليبقى سؤال يطرح نفسه بشدة حول ما إذا كانت جهود السلام ستستمر وتثمر استقراراً يخلص البلاد من الاضطرابات والعنف اللذين عصفا بها طويلا؟! إن الأهالي في شمال أوغندا يؤمنون بقدرتهم على تحقيق السلام إذا ما تركهم المجتمع الدولي يمارسون تقاليدهم الثقافية فيما يتعلق بتطبيق العدالة والقصاص، غير أن الغرب، في تعامله مع جرائم الحرب، يركز على الإجراءات الجنائية والعقوبات بما في ذلك اللجوء إلى محكمة الجنايات الدولية· أما ما عدا ذلك -كما يقول المدافعون عن الأسلوب الغربي في إحقاق العدالة- يقود إلى الإفلات من العقاب مع احتمال رجوع العنف في المستقبل، فحسب ما يقتنع به الغرب فإنه من دون عدالة عقابية لن يتحقق السلام· بيد أن سكان شمال أوغندا، ''الأتشولي''، مقتنعون تماماً بأن مباحثات السلام ستمنى بالفشل إذا ما طبقت المعايير الغربية في الملاحقة والمقاضاة؛ ويوضح هذه النقطة ''أوجارا بوسكو''، أحد أعضاء لجنة السلام في مخيم ''أونياما'' للأشخاص النازحين قائلا ''إن تطبيق قاعدة العين بالعين سيجعل العالم كله أعمى''· ويخشى الأهالي أن يؤدي اعتماد معايير العدالة الغربية على انسحاب ''جيش الرب'' من طاولة المفاوضات ومواصلته أعمال العنف التي لم تترك عائلة من دون أن تطالها في شمال أوغندا· لقد عانى الأوغنديون على امتداد عقدين من الزمن، شتى صنوف الفظائع التي توزعت بين القتل والاغتصاب والتهجير القسري لحوالي 1,6 مليون شخص إلى المخيمات، فضلا عن اختطاف 30 ألف طفل وتجنيدهم كمسلحين في ''جيش الرب''· لذا يريد شعب ''الأتشولي'' في الشمال أن تركز هذه الجولة من المباحثات على النظام التقليـــدي في تطبيق العدالـــة وأن يعطى الأسبقية على النظام الغربي· وفي هذا الإطار يقول ''أوكيدي رايموند''، رئيس لجنة السلام في مخيم أونياما ''مادامت الأخطاء ارتكبت على أرض الأتشولي فإننا نريد تطبيق العدالة على طريقتنا''· الواقع أنه من المهم مواجهة الأهالي للقضايا المرتبطة بالمحاسبة والمصالحة ليس كما يريد الغرب، بل انسجاماً مع ما تمليه الثقافة المحلية· فبالنسبة للأهالي في شمال أوغندا لا يمكن الوصول إلى سلام من دون عفو، ولن ينجح ذلك إلا عبر استعادة العلاقات وترميمها، وهو ما تنص عليه الثقافة المحلية من خلال ما يطلق عليه ''ماتو أوبوت'' التي تعني تطبيق العدالة، لكن من خلال الاعتراف بالحقيقة والمحاسبة، يعقبها العفو وتقديم التعويضات· وتسعى هذه الآلية إلى تحقيق السلام والعدالة وفي الوقت نفسه الوصول إلى المصالحة بين الجناة والضحايا· وتقول الأسطورة المحلية إن هذه الممارسة نشأت بعد نشوب صراع بين أخوين، وتفاقم الأمر إلى أعمال عنــف وانتقــام، وحسب نظرية العفو التي يتبناها أهالي شمال أوغندا تؤدي معاقبة الجناة وإدخالهم السجن إلى تكريس الفرقة وتعميق الشرخ في العلاقات بين المجتمع، بينما للانسجام المجتمعي أهمية قصوى لاستعادة السلام· ويعبر عن هذا الأسلوب في تطبيق العدالة الأسقف ''ماكليورد أوتشولا'' قائــلا ''إن الســـلام هو القدرة على العيش معــاً، لكن إذا كانــت العدالـــة تعني العقاب فـــإن الضحية تحتفظ بالمرارة، في حين يشعر الجاني بالذنب''· لا شك أن محدودية سياسة العفو في تحقيق العدالة ستطفو إلى السطح، لا سيما في ظل العدد الكبير من الجرائم المرتكبة، كما تقضي سياسة العفو أيضا التقاء أطراف المجتمع من الضحايا والجناة، وهو ما يتعذر تحقيقه بسبب عجز الجناة عن التعرف إلى الضحايا والعكس· لكن حتى في حال إقرار وسائل أخرى لإحقاق العدالة في أوغندا وإرساء السلام، تبقى سياسة العفو التي ينادي بها الأهالي في الشمال عنصراً أسياسياً لإدامة السلام· وفي هذا السياق يتعين على المجتمع الدولي مساعدة أهالي شمال أوغندا في تطبيق نظريتهم الخاصة بالعدالة من خلال الإسهام في تعويض الضحايا· كما يتعين على المجتمع الدولي أيضا تجنب الموقف المؤذي، وإن كان قائما على حسن نية، بأنه يجب ''إنقاذ'' أفريقيا، وهو الموضوع الذي أصبح حاضراً بقوة في مجال التحركات الإنسانية على الصعيد العالمي· على المجتمعات الغربية ألا تتدخل في وضع تعريف للعدالة، أو كيفية تطبيقها بالنسبة للأوغنديين، لأن ذلك سيلحق الضرر بهم ويحرمهم من حقهم في تحقيق السلام كما يرونه· والواقع أن الغرب اليوم أمامه فرصة كبيرة للوقوف إلى جانب الشعب الأوغندي ومساعدته على تحقيق العدالة وفقاً لمعاييره الخاصة، والتأكيد على أن الأوغنديين يملكون مفاتيح مستقبلهم دون غيرهم· مراسلة كريستيان ساينس مونيتور في أوغندا ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©