الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شجرة لـ البِيض فقط

25 سبتمبر 2007 23:44
شهدت مدينة ''جينا'' بولاية لويزيانا تظاهرة شعبية عارمة يوم الخميس الماضي، احتجاجاً على إساءة معاملة ستة من الطلاب السود المحتجزين في اتهام يتعلق بضربهم لزميل أبيض لهم في الدراسة· فبينما تقرر إيقاف الطلاب البيض -الذين حذروا زملاءهم السود من الجلوس تحت شجرة خصصها هؤلاء الطلاب للبيض وحدهم-، وجهت لزملائهم السود المحتجزين تهمة ضرب زميلهم الأبيض وارتكاب جريمة محاولة القتل العمد من الدرجة الثانية مبدئياً، بينما أسيئت معاملتهم· ليس ذلك فحسب، بل لا يزال أحد هؤلاء الطلاب السود الستة، محتجزاً داخل السجن، رغم إبطال محاكم الطعن لإدانته غير الصحيحة باعتباره متهماً راشداً· لعل هذا ما أضفى على معظم التغطيات الصحفية للحدث طابع الدهشة والاستغراب، بافتراض أن ما شهدته مدينة ''جينا'' يعود إلى ستينيات العقد الماضي، وأن لا صلة له البتة بقرننا الحادي والعشرين· ومن أفضل النماذج على هذه الدهشة الصحفية، تعليق صحيفة ''نيويورك تايمز'' بقولها: ''تذكّر مسيرة احتجاجات لويزيانا بأصداء فترة حركة الحقوق المدنية''· غير أن ذلك الواقع لم يشهد كل ذاك التغيير الذي يتخيله الناس، والصحيح أن التوترات العرقية وخاصة في الجنوب الأميركي لم تبرح مكانها مطلقاً، فلا يزال العرق أحد أهم معالم السياسات الأميركية، ومن يشكك في صحة ذلك ما عليه إلا أن ينظر إلى ما حدث في انتخابات الكونجرس التي عقدت في العام الماضي· لقد اعترف الرئيس بوش بأن الناخبين قد أداروا ظهورهم إلى مرشحي حزبه الجمهوري في كافة المجموعات الديموغرافية الكبيرة ما عدا المجموعات البيضاء في الجنوب التي صوتت نسبة 62 في المائة منها لصالح مرشحي حزبه لمجلس النواب، ولهذا التصويت علاقة كبيرة بالعرق، بقدر ما له بقضايا القيم الأخلاقية، والدين، ودعم الجيش، وغيرها من التفسيرات الأخرى التي عادة ما تساق· وعلى رغم الجهود التي يبذلها الجمهوريون في تصوير الحركة الأميركية المحافظة على أنها ليست لها صلة بالعنصرية أو العرق، إلا أن التأثير الحزبي على السلوكيات العرقية أضحى أقوى اليوم مما كان عليه من قبل، وهذه هي الحقيقة التي اعترف بها ضمناً وتكتيكاً على الأقل، أولئك الساسة الجمهوريون الذين يدركون جيداً أن النجاح القومي الذي ظل يحرزه الحزب منذ عقد السبعينات، يعود في الغالب الأعم منه إلى نجاحه في إجراء تغيير شعبي داعم له باستمرار بين الكتل البيضاء الناخبة في ولايات الجنوب· فمنذ أيام الحملة الرئاسية لـ''جيرالد فورد'' -الرئيس الأميركي الأسبق- جاءت كل حملة رئاسية وهي مترعة برموز مباركة ''الوجه الإيجابي'' من عنصرية الأيام الخوالي· كحملة الرئيس ''رونالد ريجان'' عام 1980 التي بدأها بحديثه عن ''حقوق الولايات'' لولايتين كان قد قتل فيهما ناشطان لحركة الحقوق المدنية؛ وكذلك السيرة المهنية السياسية لـ''رونالد ريجان'' التي بدأها بمناهضته لحملة ولاية كاليفورنيا التي كانت تدعو إلى كفالة حق السكن المتكافئ للجميع؛ وفي عام 2000 سجّل الرئيس ''جورج بوش'' زيارة تذكاريـة لجامعة ''بوب جونز'' المعروفة بمنعها للعلاقات العاطفية المختلطة بين شتى العرقيات· ثم ماذا يفهم من رفض المرشحين الرئاسيين الأربعة لانتخابات العام المقبل، لدعوة وجهت لمشاركتهم في حوار حول قضايا الأقليات، كان مقرراً أن تبثه قناة ''PBS'' خلال الأسبوع الحالي؟ استناداً الى هذه الخلفية، فحتى إذا ما ذكرتنا أحداث مدينة ''جينا'' بأن أميركا لم تتطهر بعد من تركة العنصرية والعبودية، فإنه سيكون من الخطأ القاتل الاعتقاد أنه لم يحدث أي تقدم نحو هذا التطهير؛ والحقيقة أن هذه التركة تراجعت كثيراً خلال العقود الأخيرة الماضية بشكل خاص، لقد أثبتت استطلاعات الرأي العام وتجربة الحياة اليومية أن المجتمع الأميركي ماض أكثر من ذي قبل باتجاه المزيد من التسامح والانفتاح العرقيين· كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©