الباعث

الباعث -جل جلاله- من أسماء الله الحسنى التي وردت في حديث النبي صلى الله عليه وسلم· والباعث هو الذي يحيي الخلق يوم النشور، ويبعث من في القبور، ويحصّل ما في الصدور· ويقول د· محمد داود أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة قناة السويس: البعث هو النشأة الآخرة· ومعرفة هذا الاسم موقوفة على معرفة حقيقة البعث، فالحق -عز وجل- له الأمر والحكم يبعث رسله مبشرين ومنذرين ليدعوا الى الإيمان بالله وحده الذي خلقهم ثم يميتهم ثم يبعثهم من قبورهم· ولكن من الناس من أنكر البعث فرد الله عليهم قائلا: (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير) (التغابن: 7)، ثم ذكّر الله عباده بأنه خلقهم من تراب ثم يتوفاهم ثم يبعثهم فقال: (يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء الى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد الى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج· ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير· وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور) (الحج: 5-7)· ويضيف د· داود: والباعث عز وجل هو الذي يبعث الخواطر الخفية في الأسرار، فمن دواع يبعثها الى الحسنات ومن دواع يبعثها الى السيئات والمريد حال سلوكه وسيره الى ملك الملوك تراه يبعث من حال الى حال ومن مقام الى مقام، وكلما ارتقى من مقام الى مقام نجده يستغفر الله من المقام السابق استغفار أغيار، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر الله في اليوم والليلة مئة مرة· والحق عز وجل هو الذي يبعث الرسل الى الخلق ليخرجهم من الظلمات الى النور قال تعالى: (ثم بعثنا من بعده رسلاً الى قومهم) (يونس: 74)، وقال أيضا: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً) (النحل: 36)· والمولى عز وجل هو الذي يبعث الى عباده عند العجز بالمعونة والإغاثة وعند الذنب بقبول التوبة· واعلم أن الموتى إما سعداء وأولئك ليسوا أمواتا لقوله تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون) (آل عمران: 169)، وإما أشقياء وهم ايضا أحياء ولذلك نادى رسول الله قتلى قريش في القليب بعد غزوة بدر فقال: ''إني وجدت ما وعدني ربي حقاً، فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً'' فقيل له: يا رسول الله كيف تخاطب قوما قد جيفوا قال: ''والله ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا''· والله تعالى يبعث أولئك وأولئك ويعطي على قدر العمل الجزاء· ويوضح د· داود أنه لكي يتخلق العبد بهذا الاسم، فعليه أن يبعث في نفسه كما يريدها الله تعالى منه قولاً وفعلاً فيكون باعثا وحاملا لها على ما يقر بها الى الله لترقي في مدارجها وتدنو من الكمال بإذن الله، وكل معرفة تحصل فهي مرقاة الى معرفة الله، والمنزل الاقصى هو معرفة الله تعالى فهو آخر بالاضافة الى ما قبله عن المنازل، فمنه المبدأ أولا واليه المرجع والمصير آخرا·