الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشيخ شلتوت مات فور استقالته من المشيخة

الشيخ شلتوت مات فور استقالته من المشيخة
26 سبتمبر 2007 22:02
الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت من أهم شيوخ الأزهر الذين سعوا واجتهدوا وحاربوا من أجل إحياء الفكر الاسلامي وتجديده، وكان صاحب مدرسة فكرية رفضت الجمود والتقليد ودعت للإصلاح بمعزل عن النموذج الحضاري الغربي، والتمسك بالوسطية الاسلامية القائمة على أساس الفطرة، وبالعقلانية المؤمنة التي آخت بين العقل والنقل وبين الحكمة والشريعة، كما كان الشيخ شلتوت فقيهاً ومفسراً واسع الاطلاع؛ حارب الجمود والعصبية المذهبية التي جعلت المذاهب أدياناً وفرقت بين المسلمين، وندد بفكرة سد باب الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، واعتبرها حجراً على العقول والأفهام· الشيخ محمود شلتوت ولد في أبريل عام 1893 بقرية منية بني منصور التابعة لمحافظة البحيرة بدلتا مصر، وكان والده فلاحاً، والتحق بكُتاب القرية وحفظ القرآن الكريم وجوّده، ثم التحق بالمعهد الازهري في مدينة الاسكندرية، وطوال سنوات الدراسة كان الاول على أقرانه، وأكثرهم إيمانا ودفاعا عن دعوة الاصلاح التي أطلقها الإمام محمد عبده، ونال عالمية الأزهر سنة ·1918 وفي العام التالي مباشرة عين مدرساً بمعهد الاسكندرية، في ذلك الوقت تفجرت كبرى ثورات الشعب المصري ضد الاحتلال الانجليزي، وانخرط فيها الشيخ محمود بكل حماس وقوة، واندفع في مظاهراتها واجتماعاتها، وفي تلك الفترة ازداد ايماناً بمقولات استاذه الامام محمد عبده وتوثقت علاقته بأبرز العلماء والمشايخ في ذلك الوقت، وذاعت شهرة الشيخ شلتوت وبدأ بنشر مقالاته المطالبة بالإصلاح والتجديد في الصحف، وأصبح يشار اليه باعتباره واحداً من نبهاء مدرسة الأستاذ الإمام محمد عبده· الى القاهرة غير أن الشيخ شلتوت ظل يعمل في معهد الاسكندرية ولم ينتقل للقاهرة إلا في سنة 1928 عندما استدعاه الشيخ المراغي شيخ الازهر للتدريس في جامعة الازهر، وسرعان ما رقي إلى تدريس الفقه بأقسام التخصص بالأزهر وهي أعلى مستويات التدريس، غير ان مسيرته الاكاديمية سرعان ما تعطلت عندما وقعت الازمة الكبيرة بين الازهر والملك فؤاد بسبب إصرار المراغي شيخ الازهر على الاصلاح وتحديد المناهج وتنظيم الكليات وتأكيد الاستقلال، ومعارضة الملك فؤاد لهذا المشروع· وكان الشيخ شلتوت أول المدافعين عن مذكرة المراغي ومشروعه الاصلاحي -بالقلم واللسان- فكتب مقالات بجريدة السياسة اليومية وألقى العديد من الخطب في الاساتذة والطلاب· ولما اضطر المراغي الى الاستقالة من مشيخة الأزهر في أكتوبر سنة 1929 بسبب رفض الملك فؤاد مشروعه الاصلاحي وتولى المشيخة الشيخ محمد الأحمدي الظواهري انخرط طلاب الأزهر وكثرة من شيوخه في ثورة كبرى وشهيرة، مطالبين بعودة المراغي إلى المشيخة، وتنفيذ مشروعه الإصلاحي، واستمرت قلاقل وأحداث وإضرابات هذه الثورة الأزهرية طوال مدة إبعاد المراغي عن المشيخة، وتصاعد قمع الدولة للعلماء والطلاب الثائرين، وخاصة إبان الوزارة المستبدة التي رأسها إسماعيل صدقي باشا، وهي الوزارة التي ألغت دستور 1923م، وزيفت الانتخابات· وفي تلك الفترة فصل الشيخ شلتوت من منصبه، ضمن الذين فصلوا من علماء الأزهر، واشتغل بالمحاماة الشرعية· وعندما اضطر الملك فؤاد إلى الرضوخ لإصرار علماء الأزهر وطلابه على عودة المراغي، والمضي في مشروع إصلاح الأزهر، وسقطت الوزارة المستبدة، أعيد الشيخ محمود شلتوت مدرسا بكلية الشريعة في فبراير 1935م إبان وزارة توفيق نسيم باشا· ثم عين الشيخ شلتوت في لجنة الفتوى بالازهر، واعتمد عليه الشيخ المراغي ووضعه في المواقع التي تمكنه من دفع مسيرة الإصلاح والتجديد، وعندما رقي الشيخ شلتوت من مدرس بكلية الشريعة إلى مفتش بالمعاهد الدينية أعاده المراغي إلى القسم العالي -الجامعة- وكيلا لكلية الشريعة، ليشرف على خطة الإصلاح فيها· بعد الثورة وبعدما قامت ثورة يوليو عام 1952 اختاره الرئيس السادات مستشارا لمنظمة العمل الاسلامي، ثم عين وكيلا للازهر، وسعت اليه الهيئات والمنظمات للاستفادة من علمه وتوجيهاته وخبراته واجتهاداته ونشاطه الجم، فأصبح عضوا باللجنة العليا للعلاقات الثقافية الخارجية وعضوا في مجلس الإذاعة الأعلى وعضوا باللجنة العليا لمعونة الشتاء ورئيسا للجنة العادات والتقاليد بوزارة الشؤون الاجتماعية وعضوا مؤسساً لدار التقريب بين المذاهب الإسلامية وواحدا من أبرز كتاب مجلتها ''رسالة الإسلام''· وكانت فتواه الشهيرة بجواز التعبد على فقه المذهب الجعفري كواحد من المذاهب الفقهية الثمانية الموثقة -المالكي، والشافعي، والحنفي، والحنبلي، والجعفري، والزيدي، والإباضي، والظاهري- من إنجازاته المتميزة في ميدان التقريب بين السنة والشيعة وترتب عليها احتضان الأزهر لجميع المذاهب في التدريس والإفتاء· لم يهنأ الشيخ شلتوت بإصلاحاته، بل كان اول ضحاياها، فقد انتهت حياته بما يشبه مأساة صنعتها البيروقراطية، فقد أدت الاصلاحات الادارية والتعليمية التي طالب بها هو نفسه الى هيمنة ''وزير الاوقاف'' على كل السلطات وتقليص سلطات شيخ الازهر تماما، فخاض الشيخ شلتوت معركة صامتة، تحلى فيها بالصبر والشجاعة، ضد هذا الأمر، وكتب مذكرة شجاعة إلى الرئيس جمال عبدالناصر وإلى رئيس مجلس الوزراء علي صبري مثلت -ولاتزال- صفحات في كتاب الشجاعة والكرامة والشموخ· وعندما فقد الأمل في اصلاح الأمر قدم استقالته من مشيخة الأزهر في شهر اغسطس سنة 1963 للرئيس جمال عبد الناصر وجاء في هذه الاستقالة: أسندت وزارة شؤون الأزهر إلى السيد الدكتور محمد البهي، فسار بها في طريق لا يتفق مع رسالة الأزهر، وما يبتغيه طلاب الإصلاح له، حتى مس كيانه، وصدّع بنيانه، وفي هذه الفترة الأخيرة، التي جاوزت العشرة شهور، ظللت من جانبي أحاول علاج ما ترتب على الطريق من مشكلات، وأدافع بقدر المستطاع عن حرمة الأزهر وحماه، ولم أدع فرصة إلا التجأت فيها إلى المختصين عسى أن يهيئ الله من الظروف ما يستقيم معه المعوج وينصلح به الفاسد· ولكن الأمور أفلت زمامها من يدي، وانتقلت من سيئ إلى أسوأ، حتى تحول الأزهر فعلا عن رسالته، ولم يصبح لمشيخة الأزهر وجود أو كيان· وإزاء هذه الظروف السابقة المتجمعة، أتقدم آسفا بطلب إعفائي من حمل هذه الأمانة، التي أعتقد عن يقين أنكم تشاركونني المسؤولية فيها أمام الله والتاريخ· ولذلك، فليس أمامي إلا أن أضع استقالتي من مشيخة الأزهر بين أيديكم، بعد أن حيل بيني وبين القيام بأمانتها· وفور تقديمه للاستقالة داهمه المرض، وتوفي الشيخ محمود شلتوت سنة ،1963 في ذكرى الإسراء والمعراج بعد عمر امتد سبعين عاما، كان فيه نموذجا للاستنارة والإصلاح والاجتهاد والتجديد· في سنة 1957 تولى الشيخ محمود شلتوت مشيخة الازهر الشريف، وعلى الفور بدأ تحقيق افكاره ومشاريعه الإصلاحية والتجديدية التي طمح إليها ولم يتمكن من تحقيقها حتى ذلك التاريخ، ومنها مشروع إنشاء ''مجمع البحوث الإسلامية''، الذي جعل منه الهيئة العلمية العليا الجامعة لكبار علماء الأمة الإسلامية على اختلاف أقطارهم ومذاهبهم، كما صاغ ونفذ قانون الازهر وجعل منه مؤسسة الإسلام العالمية الكبرى، وجعل جامعته -بكلياتها الشرعية والمدنية- المنبع الذي يلبي احتياجات المسلمين في علوم الدين والدنيا·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©