الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الملك والطير

الملك والطير
26 سبتمبر 2007 22:04
قصد المنصورَ بن عامر رجلٌ جوهري من تجار المشرق من مدينة عدن، بجوهر كثير وأحجار نفيسة، فأخذ المنصور من ذلك ما استحسنه؛ ودفع إلى التاجر الجوهري صرته - وكانت قطعة يمانية - فأخذ التاجر في انصرافه طريق الرملة على شط النهر، فلما توسطها واليوم قائظ؛ وعرقه منصب، دعته نفسه إلى التبرد في النهر، فوضع ثيابه وتلك الصرة على الشط، فمرت حدأة فاختطفت الصرة، تحسبها لحما، وطارت في الأفق ذاهبة بها· فقامت قيامة التاجر؛ وعلم أنه لا يقدر أن يستدفع ذلك بحيلة، فأسرَّ الحزن في نفسه، ولحقه لأجل ذلك علة اضطرب فيها، واستبان للمنصور ما بالرجل من المهانة والكآبة، وفقد ما كان عنده من النشاط وشدة العارضة، فسأله المنصور عن شأنه، فأعلمه بقصته، فقال له: هلا أتيت إلينا حين وقوع الأمر فكنا نستظهر على ذلك بالحيلة! فهل هديت إلى الناحية التي أخذ الطائر إليها! قال: مر شرقاً على سمت هذا الجبل الذي يلي قصرك - يعني الرملة· فدعا المنصور شرطيه الخاص به، فقال: جئني بمشيخة أهل الرملة الساعة؛ فمضى وجاء بهم سريعاً· فأمرهم بالبحث عمن غير حال الإقلال منهم سريعاً وانتقل عن الإضافة دون تدريج، فتناظروا في ذلك، ثم قالوا: يا مولانا؛ ما نعلم إلا رجلا من ضعفائنا كان يعمل هو وأولاده بأيديهم، ويتناولون السبق بأقدامهم؛ عجزا عن شراء دابة، فابتاع اليوم دابة واكتسى هو وولده كسوة متوسطة· فأمر بإحضاره من الغد، وأمر التاجر بالعدو إلى الباب فحضر الرجل بين يدي المنصور، والتاجر حاضر· وقال له: سبب ضاع منا وسقط إليك، ما فعلت به؟ قال: ها هو ذا يا مولاي - وضرب بيده إلى حجزة سراويله، فأخرج الصرة بعينها - فصاح التاجر طرباً، وكاد يطير فرحاً· فقال له المنصور: صف لي حديثها· فقال: بينا أنا أعمل تحت نخلة إذ سقطت أمامي فأخذتها، وراقني منظرها، فقلت: إن الطائر اختلسها من قصرك لقرب الجوار، فاجتزت بها، ودعتني فاقتي إلى أخذ عشرة مثاقيل كانت معها مصرورة، وقلت: أقل ما يكون في كرم مولاي أن يسمح لي بها· فأعجب المنصور ما كان منه، وقال للتاجر: خذ صرتك، وانظرها، واصدقني عن عددها· ففعل، وقال: وحقك يا مولاي، ما ضاع منها شيء، سوى الدنانير التي ذكرها وقد وهبتها له· فقال له المنصور: نحن أولى بذلك منك ولا ننغص عليك فرحك، ثم أمر للتاجر بعشرة دنانير عوضاً عن دنانيره، وللرجل بعشرة دنانير ثواباً له، وقال: لو بدأنا بالاعتراف قبل البحت لأوسعناه جزاء! فأخذ التاجر في الثناء على المنصور، وقد عاوده نشاطه· وقال: لأبثن في الأقطار عظم ملكك، ولأبينن أنك تملك الطير، فلا تعتصم منك، ولا تؤذي جارك! فضحك المنصور، وقال: أقصد في قولك يغفر الله لك! فعجب الناس من تلطف المنصور في أمره وحيلته في تفريج كربته!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©