الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

آرتو باسيلينا: لا مشكلة أن أشبه الدب حتى في قلبه

آرتو باسيلينا: لا مشكلة أن أشبه الدب حتى في قلبه
26 سبتمبر 2007 22:11
الكاتب الروائي الفنلندي ''آرتو باسيلينا'' الذي كان صحافياً وزار الشرق الأوسط ليلاحظ كما يقول: ''انّ الناس هنا يخترعون أزماتهم لأنها الحلّ السحري لأزماتهم''· يعد من اهم الروائيين في فنلندا ويقبل القراء على كتبه حتى الكلمة الاخيرة، حيث تباع أربعة ملايين نسخة من كل من رواياته في بلده فنلندا التي لا يتجاوز عدد سكانها خمسة ملايين وهو الامر الذي لا يحدث في أي مكان في العالم· آخر رواياته التي أحدثت صدى في الغرب هي: '' الخادم الحيواني للقس هوسكوني'' تتحدث عن قس جرّد من ثوب الكهنوت وراح يطوف مع خادمه الدب الصغير، بأسلوب ساخر ومثير، حيث يعيش القس الذي خلع ثوبه الكهنوتي محنته المضحكة مع الدب الصغير ''بلزيبوث''، متنقلاً معه من يالطا إلى اوديسا مروراً بساوثمبتون، مع حصول أحداث مثيرة تتفاعل مع الحسّ الثقافي وأيضاً مع اللحظة الساخرة التي يرى ''باسيلينا'' انها ضرورية داخل ذلك الظلام الذي يفرضه السياق الراهن للثقافة المعاصرة· التالي رصد لحياة الرواي وللرواية وماذا قيل فيهما: لا ينزعج الكاتب الفنلندي ''آرتو باسيلينا'' حتى عندما يقول النقاد انه ''يرقص'' فوق الورق تماماً كما الدببة المجنونة، ويقولك:لا مشكلة في أن أشبه الدب في كل شيء، حتى في قلبي· وها هو في روايته الأخيرة يرصد ذلك المسار المرح، وغير المعقول للدب ''بلزيبوث'' بعدما ترجمت روايته السابقة ''عنزة فاتانين'' إلى لغات شتى· لكن ''باسيلينا'' الذي يعيش على تخوم القطب المتجمّد يلاحظ ان الحرارة ترتفع في الطبيعة، وتكاد تذيب الجبال، فيما تنخفض في الإنسان الذي يزداد قسوة، وانغلاقاً، على الرغم من مصطلح ''القرية الكونية'' الذي يصفه بالمصطلح الكوميدي لأنّ سكان هذه القرية إما أنهم يعيشون في الخنادق، بسبب ''صدام الحضارات'' على الأقل، أو في الأقبية لأسباب عدّة· قلة قليلة هي التي تعيش في الضوء، وتتعاطى مع الحياة، على أنها فرصة للجميع، وليست مجرد اختبار· الجد والطفولة والكتابة ''باسيلينا'' يلاحظ أن الثقافة المعاصرة، وعلى الرغم من الدور الفذ الذي يضطلع به الإعلام، تقطع الطريق على أولئك الذين يعتبرون ان الحضارة، أي حضارة، هي ''مزرعة للأمل'' لا ترسانة للكراهية، ليلاحظ أن الثقافة إياها هي التي أنتجت الإرهاب لأن ''كمّية الإنسان'' في هذا العالم تتضاءل باستمرار· كان عمره أحد عشر عاماً حين وضع روايته الأولى· وكما كل الروائيين في فنلنده فإنه تأثر كثيراً بالايقاع الفولكلوري للقصص والحكايات التي تروى في كل مناسبة· هناك مجتمع القصص التي لا تنتهي وكان جدّه حكواتياً هائلاً، ولعل هذا ناتج عن تركيبته الخاصة· كان يعتبر ان لديه قوة سحرية، وكان يمارس السحر لبعض الشيء· لكن المثير أنه كان يقتل الدببة بيديه العاريتين· الآن، عندما تتأمل في يدي الكاتب الفنلندي تستعيد، في الحال، قبضة جدّه· لكن الأصابع هنا اتجهت، إلى شيء آخر، أي إلى الكتابة· ''باسيلينا'' يعزو القبضة القويّة إلى المهن التي مارسها· عمل حطاباً ''والآن أشعر بالهلع لأنني كنت أمزق الاشجار، لعلها تطاردني حتى الآن· بالكتابة أحاول أن أثبت أنني لست قاتلاً قديماً للطبيعة''· على كل، لم يترك مهنة إلا وعمل بها، صبي حلاق، هذه مهنة أخاذة ''أليس كذلك؟''· الطريف أن صاحب صالون الحلاقة كان يدعوه أيضاً بـ''الدب''· المهنة لم تكن تليق به، لأنه يريد أن يتعامل مع ما في داخل الرؤوس· في روايته الأخيرة يبدو الدب جذلاً، ويتعاطى ببساطة، وبشيء من التأمل مع التعقيدات التي فرضتها الحياة الحديثة· إنه يحلم بالعودة إلى العصر الحجري، ليس من أجله، فما زال هو أقل تضرراً بالأفكار، وبالهذيان الاقتصادي، وبالصراع الاستراتيجي، وإنما من أجل ''عمنا الكائن البشري'' الذي يحاول حتى تحويل سطح القمر إلى قاعدة عسكرية مهمتها، بطبيعة الحال، صناعة الموت أو صناعة الشقاق· البيات الشتوي أحياناً يكون للدب رأس فيلسوف: يظهر الوهن، أو الترهل، أو القلق، على وجهه· للتو يتخلى عن ذلك الرأس ليستعيد توازنه، ومرحه، وشغفه بالحياة· الدب يتأمل، يناقش الأشياء، يخرج، في معظم الأحيان، بحلول مضحكة، ولكن لدى تحليلها تبدو منطقية جداً، إذ ما الجدوى مثلاً من أن نصنع قاذفة قنابل تصل إلى أي مكان في العالم، وأين الجديد هنا ما دام الموت نفسه يصل إلى أي مكان في العالم· على نحو ساخر يجري نقاش بين الدب والموت· هكذا تقول احدى القصص الفنلندية· الموت لا يستطيع أن يرد على الأسئلة الساذجة التي طرحها الدب· يغادر ويركض الدب وراءه لأنه لا يريد أن يبقى هكذا إلى الأبد، إذ كلما كانت الحياة قصيرة أو محددة كلما كانت أكثر إثارة· ''باسيلينا'' عمل في الصحافة ويقول عن ذلك: ''وهذا ما أعطاني التوتر الذي يحتاج إليه الروائي''· بدأ عاملاً في الصحيفة، حتى إذا ما أصبح في الرابعة والعشرين كان أول رئيس تحرير في هذا السن في الصحافة الفنلندية· أسلوبه الساخر، في بلد قلما يشكو منه الناس من شيء، جعل القرّاء يقبلون عليه· وقيل انه ''الصحافي الذي يجرّك وراءه وأنت تضحك، وتضحك، حتى ولو كان يقودك إلى هيروشيما''· ''باسيلينا'' أصبح صحافياً كبيراً، وتحقيقاته كانت تنتشر عالمياً، وهو الذي طاف الكرة الأرضية، وعرّج على ذلك الشرق الأوسط ''حيث الناس يخترعون أزماتهم لأنها الحل السحري لأزماتهم''· الأزمات الأخرى، بطبيعة الحال، وإن كان في نهاية المطاف يصل إلى ذلك الاستنتاج القائل ''إن الشرق الأوسط وُجِدَ ليتعذب''· وكان هذا عنواناً لأحد تحقيقاته الصحفية· ( اورينت برس) تقليد الدببة يقلد الكاتب الروائي باسيلينا الدببة في بياتها الشتوي· من أول سبتمبر يدخل إلى ''مغارته''· يكتب حتى عيد الميلاد، ثم يخرج لبضعة أيام ليطلع ناشره على المسودة الأولية لروايته، قبل أن يعاود البيات، وحيث قد يضطر لإعادة صياغة الرواية مرة أو مرتين· حين يحلّ شهر يونيو تولد الرواية، بشكلها النهائي ويقول : ''في تلك اللحظة، أشعر أن أحاسيسي باتت أقرب ما تكون إلى المفرقعات النارية''· على كل، هو الذي تساءل: ''لماذا لا نحوّل الحياة إلى مهرجان''· الكاتب الفنلندي ينتقده بحدّة أصحاب الإيقاع الجنائزي في الأدب وفي الشعر: ''كيف يمكن للرواية، للقصيدة، أن تجرّ عربة الموتى؟''· يأخذ على الكتّاب في أوروبا الغربية، بوجه خاص، انهم يستخدمون لغة باهرة لتسويق التيه، أو الاستلاب، أو العدم·· يسأل: ''لماذا ترانا نلقي الحجارة الميتة، بدل اللآلئ، في تلك البحيرة التي تدعى الحياة؟''· وجوابه: لا أدري كيف يتواطأ الأدب، أحياناً، مع كل ''تلك الأبواب الموصدة''!·
المصدر: الاتحاد
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©