الجمعة 10 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

سفر ممتع في أدب الرحلات والثقافة اليابانية

سفر ممتع في أدب الرحلات والثقافة اليابانية
16 فبراير 2014 00:32
محمد وردي (الاتحاد) ــ إن أدب الرحلات لا يقل غواية عن سحر السفر أو الترحال عينه. هذا ما يخلص إليه قارئ كتاب «السيف والمرأة ـ رحلة في جزر الواق واق» للشاعر والروائي الدكتور علي كنعان، الصادر حديثاً عن منشورات مجلة «دبي الثقافية» عدد فبراير الماضي. يتألف الكتاب من حوالى مئتي صفحة من القطع الوسط. ويضم عشرين فصلاً، الستة الأخيرة منها تتناول موضوعات ثقافية بغاية الأهمية، وهي قريبة إلى حد ما من الدراسات الإنتربولوجية في اللغة والدين والرواية والشعر والمسرح والغناء الموسيقى والأسطورة والعادات والتقاليد في الفنون الشعبية والزواج والمأكل والملبس. وبقية الفصول هي مشاهدات وانطباعات سجلها المؤلف بذاكرته، خلال رحلات قام بها إلى المدن العريقة في بلاد «الواق واق»، خلال اقامته التي دامت ثلاث سنين، عمل خلالها الدكتور كنعان مدرساً للعربية وآدابها في الجامعات اليابانية. الكتاب يشد المتلقي إلى متعته وجاذبيته وأهميته المعرفية من الاستهلال، حيث يبدأ غوايته من خلال المزج البديع بين السرد الجذاب، وتفكيك أسطورة «الواق واق» الراسخة في الثقافة العربية منذ قرون عدة، حيث يقول الكاتب: فاجأتني طوكيو منذ الليلة الأولى، إذ صحوت باكراً والشمس في خدر أمها، كما يقول بشار بن برد. وقد أثارتني أصوات الغربان المعششة في اشجار الحديقة المجاورة، وخُيِّل إليّ أن أجدادنا أطلقوا على الأرخبيل الياباني اسم جزائر الواق واق من وحي تلك الجوقة الصباحية ودلالة عليها. ويواصل الكاتب السرد للإشارة إلى محاولته في تفكيك أصل «الفكرة»، حيث طرح الصفة أو التسمية العربية، خلال جلسة احتفالية بنهاية الأسبوع الأكاديمي بالجامعة، فأجابه رئيس قسم اللغة العربية «المستعرب الرصين» نوتوهارا، بأن الاسم حسب تقديره مأخوذ من كلمة واكو (wako) في اللغة اليابانية القديمة، التي تعني قرصانا أو قراصنة. كان أجدادكم يسافرون في سفن صينية، وحين يلمح البحارة مركباً للقراصنة، كانوا يصيحون «واكو.. واكو»، وقد اختزن أجدادكم الكلمة في ذاكرتهم ونسجوا حولها عديداً من الأساطير. من هنا على ما يبدو جاءت الـ«واق واق». يلاحظ الكاتب في الفصل الأول أن أجمل ما في تلك البلاد، البساطة والطيبة في المعاملة، وهذا التآلف والانسجام السحري بين الأصالة والمعاصرة، بين كنوز التراث وذخائره وقيمه العريقة... وبين الحداثة، وما أنتجته المدنية من ابداعات، وهي تتقدم بسرعة فلكية إلى الأمام. ويدس المعلومات عن طبيعتها الجغرافية بأساليب رشيقة. كما هو الحال بشأن الأفكار المعرفية التي تمر بطريقة «ومضية». فمثلاً عندما يتحدث عن العلاقات الشخصية بين الناس، يتناول اللغة في البيان «في لغتهم أربعة مستويات من الخطاب: مستوى الحوار بين الأصدقاء، مستوى الاحترام والمجاملة بين الطالب وأستاذه وبين الصغير والكبير، مستوى الحديث الدبلوماسي، وحديث التبجيل للإمبراطور. وهناك صيغة فعل لا تقال إلا للطفل والحيوان»، وليست هذه إهانة كما تحمل لغتنا أو حسب مفاهيمنا، لأن «الحيوان والنبات عندهما جزء من الطبيعة المقدسة». يتحدث كنعان في الفصل الثامن تحت عنوان «الأم السماوية» فيقدمها بأسلوب جذاب إلى أبعد الحدود، حيث يلاحظ المكانة العظيمة للمرأة في اللحظة الراهنة سواء على مستوى الإعداد والتعليم، إذ إنها مسؤولة بشكل شخصي ومباشر، من دون سواها عن متابعة تعليم الأطفال حتى بدء المرحلة الجامعية، إلى جانب قيامها بالواجبات المنزلية والوظيفية كاملة. لأن الزوج في هذه المرحلة لا يتدخل لا من قريب أو بعيد، عليه العمل لأكثر من عشر ساعات في اليوم، ومن ثم المرور على المقهى أو «البار» ليشرب كأساً والعودة إلى البيت فالأكل والنوم، وللسخرية من دوره يقولون إنه لا ينطق سوى ثلاث كلمات في البيت «ميشي، أوفرو، نيرو» أي أكل، وحمام، ونوم. عقب ذلك يذهب الكاتب إلى الماضي، وكيف كان ينظر المجتمع إلى المرأة، بلسان أكاديمية مستعربة، فتخبره عن مثل ياباني يقول «السمكة التي تصيدها لا تقدم لها أي طعم»، وعندما يستفهم وجه السوء في المثل تقول «إنه يقول: إذا تزوجتامرأة، فلا تكن لطيفاً معها.. وإياك أن تقبلها، أو تساعدها أو تخصها بأي كلمة حب أو مراعاة أو معاملة حسنة». كذلك يمر الكاتب في هذا الفصل على الأساطير اليابانية، التي تجعل الآلهة من الإناث على الدوام في السهول والجبال، في البر والحر، في الخير والشر، والحب والجمال والحرب والسلم، وفي كل ما يتعلق بالطبيعة وقواها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©