الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العهـــد

العهـــد
28 سبتمبر 2007 00:14
قال الأصمعي: قال لي الرّشيد: امض إلى بادية البصرة فخذ من تحف كلامهم وطرف حديثهم· فانحدرت، فنزلت على صديقٍ لي بالبصرة، ثمّ بكّرت أنا وهو على المقابر، فلمّا صرت إليها إذا بجاريةٍ نادى إلينا ريح عطرها قبل الدّنو منها، عليها ثياب مصبغات وحلي، وهي تبكي أحر بكاء· فقلت: يا جارية ما شأنك؟ فأنشأت تقول: فإن تسألاني فيم حزني؟ فإنّــني رهينــــة هذا القـبـر يا فـتـيان أهابك إجلالاً، وإن كنت في الثّرى مخافة يومٍ أن يسؤك مـكـانــي وإنّي لأستحييـك والتّـرب بيننـا كما كنت أستحييك حين تـرانـي فقلنا لها: ما رأينا أكثر من التّفاوت بين زيّك وحزنك فأخبري بشأنك؟ فأنشأت تقول: يا صحب القبر يا من كان يؤنسني حيـاً ويكثر في الدّنيـا مواساتي أزور قبرك في حليٍّ وفي حلـل كأنني لست من أهــــل المصيبــات فمن رآني رأى عبرى مفجـعـــة مشهورة الزّيّ تبكي بين أمواتي فقلنا لها وما الرجل منك: قالت: بعلي، وكان يجب أن يراني في مثل هذا الزي، فآليت على نفسي ألا أغشى قبره إلا في مثل هذا الزي لأنه كان يحبه أيام حياته، وأنكرتماه أنتما عليّ· قال الأصمعي: فسألتها عن خبرها ومنزلها· وأتيت الرشيد فحدثته بما سمعت ورأيت، حتى حدثته حديث الجارية· فقال: لا بد أن ترجع حتى تخطبها إليّ من وليها، وتحملها إليّ، ولا يكون من ذلك بد· ووجه معي خادماً ومالاً كثيراً· فرجعت إلى قومها فأخبرتهم الخبر، فأجابوا وزوّجوها من أمير المؤمنين وحملوها معنا وهي لا تعلم· فلما صرنا إلى المدائن نما إليها الخبر، فشهقت شهقة فماتت، فدفناها هنالك· وسرت إلى الرشيد فأخبرته الخبر، فما ذكرها وقتاً من الأوقات إلا بكى أسفاً عليها· ؟؟؟ قال إسحق خرجت امرأة من قريش من بني زهرة إلى المدينة تقضي حقاً لبعض القرشيين· وكانت ظريفة جميلة، فرآها من بني أمية رجل فأعجبته، وتأملها فأخذت بقلبه، وسأل عنها فقيل له: هذه حميدة بنت عمر بن عبد الله بن حمزة· ووصفت له بما زاد فيها كلفة، فخطبها إلى أهلها فزوجوه إياها على كره منها، وأهديت إليه فرأت من كرمه وأدبه وحسن عشرته ما وجدت به، فلم تقم عنده إلا قليلاً حتى أخرج أهل المدينة بني أمية إلى الشام، فنزل بها أمر ما ابتليت بمثله، فاشتد بكاؤها على زوجها وبكاؤه عليها، وخيرت بين أن تجمع معه مفارقة الأهل والولد والأقارب والوطن أو تتخلف عنه مع ما تجد به، فلم تجد أخف عندها من الخروج معه مختارةً له على الدنيا وما فيها· فلما صارت بالشام صارت تبكي ليلها ونهارها ولا تتهنّأ طعاماً ولا شراباً شوقاً إلى أهلها ووطنها، فخرجت يوماً بدمشق مع نسوةٍ تقضي حقاً لبعض القرشيين فمرت بفتى جالس على باب منزله، وهو يتمثل بهذه الأبيات: ألا ليت شعري هل تغيّر بعـدنـا صحون المصلّى أم كعهدي القرائن؟ وهل أدور حول البـلاط عـوامـر من الحي أم هل بالمدينة سـاكـن؟ إذا لمعت نحو الحـجـاز سـحـابة دعا الشوق مني برقها المـتـيامـن وما أشخصتنا رغبة عـن بـلادنـا ولكـنـــــــه مـا قــــــــدر الـلــــــه كــائن فلما سمعت المرأة ذكر بلدها وعرفت المواضع، تنفست نفساً صدع فؤادها فوقعت ميتة· فحملت إلى أهلها وجاء زوجها، وقد عرف الخبر، فانكب عليها فوقع عنها ميتاً· فغسلا جميعاً وكفنا ودفنا في قبر واحد·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©