الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قوَّة الاعتدال (2)

قوَّة الاعتدال (2)
28 سبتمبر 2007 00:16
إذن، فالاعتدال هو الحل ''إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ولا تكونوا كالراكب المنبت، لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع''· والمتطرف هو الذي يقع بين الإفراط والتفريط، ويصبح واحداً من اثنين، إما مستعجل يعجل المؤجل وإما متباطئ أو بطيء يؤجل المعجل· ''ومجتني الثمرة غير وقت إيناعها كالزارع في غير أرضه''· والمؤجلون لخص حالهم في يقظتهم على الفائت بعد فواته، المثلُ العربي البليغ ''الصيف ضيعت اللبن'' وحكاية السلحفاة والأرنب معروفة في أدبنا الشعبي الحكيم· أما المعتدل فإنه يباشر شؤونه ولسان حاله ''من وثق بماء لم يظمأ''· أليس هذا هو معنى الأمة الوسط؟ ومن دون وسطية كيف تتيسر لنا الشهادة على الأمم والتي هي تكليف لنا لا تشريف·· وفي القيام بها شرفنا· والشهادة لها معنيان، أن تعمل وتنجز، فتستحق أن يشهد لك، وأن تشهد هو المعنى الثاني المتفرع عن الأول· وهذا يستلزم أن تكون في مكان معرفي قوي يمكنك أن ترى لتكون راشداً في حركتك وفعلك وبالتالي شاهداً، منتصراً أو شهيداً·· على أن الشهادة هي البديل الطولي للنصر لا العرضي·· أي أن الأولى هي الحياة، حتى إذا انحصرت في الشهادة، كانت الشهادة فعلاً هي الشهادة· إذن أن تعتدل، أن تكون في الوسط، في مركز الدائرة، تطل منه على القطر والأشعة والأكاليل في كل مسافات المحيط·· أي أن تكون نسبياً في معرفة الحق والحقيقة، فهذا لا يتنافى مع اعتقادك بأنك تملك النصاب الأعلى من الحقيقة، لكن ما يتبقى من نصاب لدى الآخرين، لا يجوز لعاقل عامل أن يهمله، لأن في ذلك خسراناً وإحباطاً· إذن أن تعتدل هو أن يكون للآخر، أي آخر، والآخرية نسبية دائماً، والذاتية نسبية أيضاً، إذ ليس كل من تتفق معهم تتطابق معهم·· وليس كل من تختلف معهم تتناقض معهم·· وكما لا يجوز رفع الاتفاق إلى مستوى التطابق لا يجوز حط الاختلاف إلى مستوى التناقض· وبالتالي: ألم يكن التوحيد الإبراهيمي صيغة وسطية للقاء أهل الأديان على التوحيد·· القرآن يعلمنا الاعتدال، وهو قوي، إذن يمكن أن نكون أقوياء بالاعتدال ومعتدلين بالقوة العادلة· من نهج البلاغة ''وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق وأعمها في العدل''·· ومن بليز باسكال: ''من العدل أن يتبع ما هو عادل، من الضروري أن يُتبع الأقوى· العدل من دون القوَّة عجز، القوة من دون العدل مستبدة، العدل من دون قوة يعاكس، لأن الأشرار دائماً بالمرصاد، القوة من دون العدل متهمة، إذن يجب أن نضع العدل والقوة معاً، ولأجل ذلك نعمل لأن يكون العادل قوياً، أو أن يكون القوي عادلاً''· ختاماً·· أؤكد أننا يمكن أن نتفق على أن الاعتدال في كل شيء -حتى العبادة- هو المنهج الأمثل·· من دون أن ننسى التذكير بضرورة أن نؤسس للاعتدال بين جماهيريتنا وعلاقتنا بالدولة، حتى لا نبرر الاستبداد من جهة ولا نذهب مع الذاهبين إلى الشعبوية الفوضوية التي يحركها الانفعال والانتفاء من دون مقاييس أو سلم أولويات· وليست الثورة المجانية مقدمة للعدل والعدالة، كما ذقنا وطعمنا في تاريخنا قديماً وحديثاً·· وإلا فنحن مضطرون إلى إعادة الاعتبار إلى القرامطة والحشاشين، ومن جهة أخرى إعادة الاعتبار إلى كل الطواغيت والجبابرة·· بين هذا وذاك يقع الاعتدال الذي يتفهم الانفعال، لكن يقيده بالعقل فيجنبنا الشطح يميناً ويساراً لتبقى الطريق الوسطى هي الجادة بين الشمال واليمين·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©