الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سعاد جواد

سعاد جواد
20 ابريل 2009 00:34
كنت في المستشفى لزيارة والدتي المريضة، هناك شاهدتها، فتاة جميلة بشكل عجيب.. سبحان الخالق، شدني جمالها للتواجد اليومي ولساعات طويلة في المستشفى، كانت أمي مستغربة لهذا الإخلاص من جانبي، فأنا الذي لا أكترث لشيء وقد غمست نفسي في حياة اللامبالاة والأصدقاء، فجأة أتحول إلى ابن بار يحرص على زيارة والدته والبقاء معها كل ذلك الوقت!! بالطبع كان الأمر غريباً على الجميع، ولكن إحدى أخواتي كانت ذكية جداً فعرفت الهدف الأساسي من مجيئي اليومي وحرصي الشديد على البقاء لفترات طويلة، غمزتني بعينها وهي تقول: كشفتك!! أعجبتك الفتاة وسلبت عقلك.. وأنت تأتي من أجلها.. أليس كذلك أيها الابن البار؟ يالها من مكارة، لم أستطع إخفاء اضطرابي، فعلاً لقد كشفتني، حسناً لا يوجد حل آخر، الأفضل أن استعين بهذه الأخت المكارة لأعرف شيئاً عن تلك الفتاة. كما توقعت فقد بدأت أختي بسلسلة من المساومات بدأتها بوجبة من المطعم وحلويات ومثلجات، لكني أوقفتها عند حدها، قائلاً: أخبريني ابنة من هذه؟ وما هي حكايتها؟ وما سبب تواجدها في المستشفى؟ بعد أن تناولت وجبتها جلست أمامي وقالت بمنتهى البرود: إنها لا تفيدك.. صدقني.. فقد تعرضت للاغتصاب وهي تمر بحالة نفسية صعبة، وحالياً تتم معالجتها من قبل الطبيب النفسي. صدمة شديدة لم أكن أتوقعها، ياله من أمر قاسٍ، هذه الشابة الرائعة تداس كرامتها وتسحق أنوثتها بهذا الشكل؟ صحيح أن الدنيا مليئة بالذئاب، لعنهم الله، قتلني القهر، ولم أعرف كيف أبعد هذا الموضوع عن نفسي، حاولت أن أنسى ولكني لم أستطع، ظلت تمثيلية اغتصاب الفتاة تلاحقني بصورها البشعة حتى جافاني النوم وأتعبني التفكير، انقطعت لفترة عن زيارة والدتي، ولكني اضطررت للعودة بعد إلحاح منها على رؤيتي، وما أن سنحت الفرصة للحديث مع أختي حتى فتحت ذلك الموضوع وصارت تتكلم عن تلك الفتاة قائلة: إنها إنسانة رائعة بمعنى الكلمة، جميلة ورقيقة المشاعر، الكل يحبها، وقد تعاطف معها الجميع، إنها مظلومة ولا ذنب لها فيما حدث، كانت في بيتها، وقد دخل عليهم ذلك الحيوان بهدف الاعتداء عليها بعد أن رفضت الارتباط به، أراد أن يكسرها ويمرغ أنفها في التراب حتى ترضى به زوجاً وهي ذليلة، فيا له من مجرم حقير. القرار المفاجئ أنا سأتزوجها، بهذا القرار واجهت إعصاراً من الرفض والنصح والوعظ، ولكني تمسكت بقراري ولم أتراجع عنه حتى تحقق لي ما أردت، فتزوجتها وأقمت لها عرساً كبيراً حضره عدد كبير من الناس، أردت لها أن تتأكد من أنها مجرد إنسانة مظلومة وأنها لن تتحمل وزر ما جرى لها، لأنها ليست مخطئة، وأنها مجرد ضحية لمجرم حقير. للأسف، لم تدرك زوجتي هذا الشيء وبقيت حبيسة تلك العقدة بشكل لا يمكن تصديقه، ظلت تعاني من أوضاع نفسية عجيبة وغريبة بسبب تلك الحادثة، حاولت أن أجعلها تفهم بأنني أحبها وأريد مساعدتها، ولكن مرضها النفسي كان صعباً ومتجذراً بداخلها، فبقيت حبيسة في عالمها القاتم الحزين المليء بالخوف والفزع، كانت تمر بمراحل من الهلوسة، يصعب عليها النوم فتبقى متيقظة ومتحفزة، تتخيل أنها إن أغمضت عينيها فسيأتي ذلك الرجل ويغتصبها من جديد، أحاول أن أطمئنها، فتأخذ بالبكاء لفترة طويلة، ثم تبدأ بالأنين المتواصل المزعج حتى تحطم أعصابي فأصرخ بها لتسكت، فتفقد رغبتها بالكلام وتسكت لأيام متتالية. بعد أن أدركت ما أوقعت نفسي فيه، لم أخبر أهلي ليشمتوا بي وقررت أن أتركها لفترة فلربما تحسن وضعها، شغلت وقتي كله بالعمل في فترة الصباح، وفي المساء دخلت إحدى الجامعات الخاصة للدراسة، وفي الليل كنت ألتقي الأصدقاء حتى ساعة متأخرة، فأعود لأجدها جالسة على السرير وهي منكمشة وخائفة كقطة مذعورة، تهز جسدها بشكل مستمر وتطلق ذلك الأنين المدمر للأعصاب، فأتركها لحالها وأذهب للنوم في مكان آخر، لقد ندمت ندماً شديداً لأنني تزوجتها قبل أن تتم معالجتها النفسية وتعود لحالتها الطبيعية، كنت أشعر بحسرة وخيبة على مثل هذا الزواج الكئيب، فقادني ذلك الشعور إلى تعاطي الخمر، للأسف فقد أصبحت مدمناً بعد أشهر قليلة من ذلك الزواج التعيس. كلما شربت الخمر أجدني أتحدث أمام الآخرين عن مشكلتي، حتى كشفت عن كل خصوصياتي وأنا أهذي كالمجنون، أسأل هذا وذاك عما يجب أن أفعله مع زوجتي كي لا تبقى أسيرة لما حدث لها، وكي لا تعيش على ذكرى اغتصابها، لأن ذلك الشيء يدمرني. كان في ذلك التصرف الخاطئ ما جعل الناس تتحدث عني في كل مكان، فبمجرد أن أصحو من سكري أجد الآخرين وهم يناقشون مشكلتي بشكل علني، فأثور وأغضب وأتقاتل مع هذا وذاك حتى فقدت جميع الأصدقاء. السقوط المستمر بدأت بالتعرف على نساء من الشارع، كل يوم صديقة جديدة، أسهر معها وأحدثها عن مشكلتي، وفي الصباح أطردها ولا أعود أراها، فكان في تلك الطريقة ضمان في أن أهذي طوال سكري ولا أخشى الفضيحة، فلا شيء يذكرني بمشكلتي عند صحوي، كل ذلك كان يكلفني الكثير من المال، فلم يعد بمقدوري دفع إيجار الشقة التي خصصتها لتلك السهرات، عندها لم أتردد في إحضار الفتيات الرخيصات إلى بيتي، ماذا يهمني إن تضايقت زوجتي أو تأثرت؟ فلربما كان من صالحي أن أستفزها بتلك الأفعال، ولربما تصحو على نفسها، أليست الغيرة مدمرة لأعصاب المرأة؟ أليست هي كباقي النساء؟ الشيء الذي لم أكن أتوقعه أبداًَ هو أنها لم تكترث لشيء، وتجاهلتني، فمت من القهر والغم، يا إلهي!! كم كنت أتمنى أن تغضب مني، أن تسبني وتلعني، أن تطرد تلك المرأة الوسخة من بيتها، لم يحدث أي شيء من ذلك، وكأن الأمر لا يعنيها، فكان في ذلك الأمر ما جعلني أتمادى وأحضر واحدة كل ليلة لنسهر حتى الصباح. لا أدري كيف وصل الأمر لأهلي، فجاءني أخي الكبير وجلس معي جلسة طويلة، ثم نصحني قبل أن أنتهي إلى الهاوية أن أستعيد نفسي وأن لا أخسرها بسبب امرأة، ذكرني بأنني صرت عاصياً لربي وأنني إذا مت وأنا على هذا الحال فسأخسر آخرتي كما خسرت دنياي، ثم اقترح علي أن أتماسك وأترك كل تلك الآثام التي اقترفتها، وأن أساعد زوجتي على الشفاء والتخلص مما هي فيه، فإن استطعت فكان بها، وإن لم أستطع فالأفضل أن أطلقها وأبدأ حياتي من جديد مع غيرها، المهم هو أنني أبدأ بإصلاح نفسي أولاً قبل أن أفكر بإصلاحها أو التخلص منها. العودة كانت زيارة أخي نقطة تحول جديدة في حياتي، أفقت بعدها على نفسي، وعدت لطاعة ربي، وتركت كل المعاصي التي أغرقت فيها نفسي، كان الأمر صعباً علي في البداية ولكني استطعت أن أتماسك وأن أستعيد قدراتي بالتدريج. بعد أن تعافيت تماماً، قررت مساعدة زوجتي، حاولت التقرب إليها، حدثتها عن أشياء كثيرة، شجعتها لتتحدث معي، أخذت تقص علي حكايتها المملة مرات ومرات حتى مللت من سماعها، ثم بدأت تقص علي كوابيسها المرعبة، حتى شعرت بأنها ستجرني إلى عالمها المليء بالخوف والفزع، لذلك أسكتها وصرت أكلمها عن الحياة وعن الجمال فيها، وعن إرادة الله في أن يكون الإنسان سيداً لهذه الأرض يتمتع ويعمر ويفعل الخير فيها، ولكن الشيطان يقف حائلاً دون سعادة الإنسان، فيؤثر على البعض منهم ويستخدمه للتخريب والأذى. كنت أحكي لها تلك الحكاية وكانت تنظر إلي باهتمام ثم ينصرف عقلها وقلبها إلى مكان آخر، ثم تبدأ بالبكاء من جديد. على الرغم من كل محاولاتي، لم أستطع التأثير عليها، ولم أستطع إدخال السعادة إلى نفسها، وبقيت تحت تأثير تلك الحادثة اللعينة.كنت أنظر إليها ولا أصدق نفسي، شابة جميلة ورائعة، من نظرة واحدة أوقعتني في حبها، وقد تصورت بأنني سأكون أسعد الناس عندما أتزوجها، كيف تجعلني أندم ندماً كبيراً على الارتباط بها؟ أظلمت الدنيا أمامي من جديد وتمنيت أن أعود لشرب الخمر لأنتقم من نفسي وأعاقبها على هذا الزواج، ولكني في اللحظة الأخيرة تماسكت، تذكرت خوفي من عقاب ربي، تذكرت أهلي والناس الذين يحبونني ويثقون بي، تذكرت وضعي الاجتماعي الذي بدأ بالانهيار نتيجة لكل ما حدث، عندها توقفت عن تلك الأفكار وقررت أن أبدأ معها من جديد. لم أكن أتوقع أن زوجتي كانت تشعر بمعاناتي، كنت أعتقد أنها فاقدة للإحساس بالآخرين، ولكني كنت مخطئاً، لأنني استيقظت يوماً فلم أجدها. بحثت عنها في كل مكان، عند أهلها، في المستشفيات، في الشرطة، فلم أجدها، كدت أجن، خطر لي أن أذهب إلى البحر، فلربما ذهبت إليه، فهي تحب البحر كثيراً، ودائماً تطلب مني أن آخذها إليه. مشيت على ساحل البحر حتى وجدتها، كانت تجلس قريباً من الموجات التي تضرب الرمل بشكل خفيف، ناديتها فلم تجبني، ففقدت أعصابي وصرت أصرخ بها: اللعنة على اليوم الذي تزوجتك فيه، أنت مجنونة، تريدين قتلي وتحطيمي، ماذا أفعل معك؟ نظرت إلي والدموع تملأ عينيها وقالت: أردت أن أخلصك مني فلم أستطع، الخوف منعني من الموت.يا إلهي!! هل هذا معقول؟ تفكرين بالانتحار لتخلصيني من عبئك، أنت تفكرين بي أليس كذلك؟ أنت تحبين زوجك، تحبيني أليس كذلك؟ من بين دموعها الغزيرة أجابتني: نعم أحبك، ولا أريد إيذاءك، ولكن ليس بيدي. القرار الصائب بعد تلك الحادثة قررت الاستماع لنصيحة الأهل بعرض زوجتي على طبيب نفسي، كنت أقاوم تلك الفكرة، وقد ظننت أنني أستطيع الاعتماد على نفسي في مساعدتها ولكن في الحقيقة فإنها إنسانة مريضة ومحتاجة لتدخل الأطباء المتخصصين. سنة واحدة من العلاج، بعدها عادت زوجتي إلى وضعها الطبيعي، وقد حرصت على تعويضي بحبها وحنانها عن تلك الأيام التعيسة التي عشتها في السنة الأولى من زواجنا. بعد أن استقرت الأمور في حياتي الزوجية، حدث أمر لم أكن أتوقعه أبداً، فبعد أن بشرتني زوجتي بأنها حامل، وشكرت ربي على كل تلك النعم التي غمرني بها، خصوصاً وأن زوجتي أصبحت في أفضل حال من الصحة والعافية، فوجئت بحادث رهيب لم يخطر لي على بال. خرج ذلك المجرم الذي قام بالاعتداء على زوجتي من سجنه، وقرر الانتقام منها لأنها تزوجت غيره، بعد كل ما فعله بها، ولم يتنازل أهلها عن القضية ولم يطالبوه بالزواج منها كما يحدث غالباً في مثل هذه الحالات، لقد فشلت كل مخططاته في الحصول عليها، فقرر أن يحطم حياتها بشكل نهائي كي يشفي غليله بعد شعوره بالفشل الفظيع. صار يراقب البيت لفترات طويلة، وفي أحد الأيام وعندما تأكد من خروجي من البيت، ضرب جرس المنزل ففتحت له الخادمة فدفعها بقوة نحو الحائط فتحطمت جمجمتها وماتت في الحال، فدخل إلى البيت وصار يبحث عن زوجتي، كانت في الحمام وقد أغلقت على نفسها القفل كما تعودت دائماً، وعندما شعرت بأن أحداً ما يحاول فتح الباب، تملكها الخوف الشديد فلم تفتح الباب، فحاول المجرم كسر الباب برفسها بقوة وعنف، ولحسن الحظ، فقد أدخلت زوجتي الهاتف النقال معها إلى الحمام، لأن هواجسها وخوفها من المجهول جعلها في حيطة دائمة، يدها لا تفارق الهاتف، وهي تخفي سكاكين وعصي حديدية في أماكن كثيرة حولها، وقد كانت محقة في ذلك، هذا ما أدركته، اتصلت بي وكانت تصرخ بفزع، دون أن أعرف سبب صراخها استدرت بسيارتي وعدت للبيت مسرعاً، وما أن دخلت وشاهدت جثة الخادمة حتى أدركت أن هناك خطرا كبيرا يهدد حياة زوجتي، دخلت إلى غرفة النوم دون أن أفكر بأخذ أي سلاح يدوي معي، فوجدت ذلك الثور الهائج وهو يدفع الباب بقدمه، وقد أحدث فيه شروخاً كبيرة، ما أن شاهدني حتى استدار نحوي وصار يلكمني بوحشية، فدخلنا في مصارعة عنيفة حتى قلبني على الأرض ووضع يديه على رقبتي محاولاً خنقي، كدت أصل إلى الموت بعد أن انقطع نفسي، ولم أستعد وعيي إلا بعد أن تراخت يدي المجرم عن رقبتي، عندها أدركت أن زوجتي قد ضربت المجرم بحديدة على رأسه ثم قامت بطعنه طعنات عديدة حتى قتلته. كنت مستغرباً وأنا أجدها قوية وغير خائفة وهي ترى الدماء من حولها، أمسكت بها محاولاً الاطمئنان عليها، ابتسمت بتشفي وبرود وهي تقول: «لا تخف علي، لقد شفيت تماماً بعد أن أخذت ثأري بيدي».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©