الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شم النسيم .. تاريخ ومعتقدات وطقوس خاصة جداً

شم النسيم .. تاريخ ومعتقدات وطقوس خاصة جداً
20 ابريل 2009 00:36
يحتل «شم النسيم» مكانة خاصة في قلوب المصريين منذ القدم، واحتفل به الفراعنة لأول مرة عام 2700 قبل الميلاد، وتتميز مظاهر الاحتفال به بنكهة خاصة، وفعاليات ومظاهر مختلفة عن كل الأعياد والمناسبات الأخرى سواء كانت أعيادا دينية أو وطنية، ربما لارتباط هذااليوم بالظواهر الفلكية وعلاقتها بالطبيعة، وعلاقة المعتقد الديني الفرعوني القديم بالطبيعة والفلك والبعث بعد الممات، والاحتفال بعيد «شم النسيم»يبدأ مع إشراقة شمس اليوم الجديد - ويتخذ شكلاً متميزاً كمهرجان شعبي، تشترك فيه طوائف الشعب المختلفة، فيخرج الناس إلى الحدائق والحقول والمتنزهات، حاملين معهم أنواعا معينة من الأطعمة ترتبط بذلك اليوم مثل:البيض الملون، والفسيخ «السمك المملح»، والخَس، والبصل، والملانة «الحُمُّص الأخضر». وهي أطعمة مصرية ذات طابع خاص ارتبطت بمدلول الاحتفال بذلك اليوم – عند الفراعنة - بما يمثله عندهم من الخلق والخصب والحياة. واحتفل المصريون القدماء بعيد الربيع»شم النسيم» في اليوم الذي يتساوى فيه الليل والنهار وقت حلول الشمس في برج الحمل، وهو اليوم الخامس والعشرون من شهر «برمهات» من التقويم القبطي، واعتقادهم بأن هذا اليوم هو أول الزمان. وأطلق عليه اسم «عيد شموش» أي بعث الحياة، وحُرِّف الاسم في العصر القبطي إلى»شم» وأضيفت إليه كلمة «النسيم» نسبة إلى نسمة الربيع. ومن ثم نقل بنو إسرائيل عيد شم النسيم عن الفراعنة عندما خرجوا من مصر، واحتفلوا به يوم خروجهم ونجاتهم، وأطلقوا عليه اسم»عيد الفصح»، وهي كلمة عبرية معناها»الخروج» أو»العبور». كما اعتبروا ذلك اليوم رأساً لسنتهم الدينية العبرية تيمناً بنجاتهم، وبدء حياتهم الجديدة. ثم انتقل «عيد الفصح» من اليهود إلى المسيحيين وجعلوه موافقاً لما يزعمونه «قيامة المسيح»ويصادف دائما يوم الأحد الذي يسبقه، ولما دخلت النصرانية مصر أصبح عيدهم يصادف عيد المصريين القدماء –الفراعنة- ويقع دائماً في اليوم التالي لعيد الفصح أو عيد القيامة، ويصادف بذلك يوم الاثنين دائماً. مظاهرالاحتفال يخرج الناس مبكراً في يوم شم النسيم إلى الحدائق والحقول والمتنـزهات العامة، ليستمتعوا باستقبال الشمس عند شروقها، وقد اعتادوا أن يحملوا معهم طعامهم وشرابهم، ويقضوا يومهم في مرح وسعادة من شروق الشمس حتى غروبها، يحملون معهم أدوات اللعب، ومعدات اللهو والتسلية، والآلات الموسيقية، فتتزين الفتيات بعقود الياسمين ، ويحمل الأطفال سعف النخيل المزين بالألوان والزهور، فتقام حفلات الرقص الجماعي على أنغام الناي والمزمار والقيثار والدفوف، وتصاحبها الأغاني والأناشيد الخاصة بعيد الربيع، كما تجري المباريات الرياضية والحفلات التمثيلية. ولشم النسيم أطعمته التقليدية المفضلة التي ارتبطت بالعادات والتقاليد، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من الاحتفال بالعيد نفسه، والطابع المميز له والتي انتقلت من الفراعنة عبر العصور الطويلة إلى عصرنا الحاضر. وفي مقدمتها البيض والفسيخ والبصل والخس والحمص الأخضر»الملانة». ويعتبر «البيض الملون» مظهراً من مظاهر عيد شم النسيم، ومختلف أعياد الفصح والربيع في العالم أجمع، واصطلح الغربيون على تسمية البيض «بيضة الشرق»، ويعرف أن ظهور البيض على مائدة أعياد الربيع –شم النسيم- مع بداية العيد الفرعوني نفسه أو ما عرف «بعيد الخلق» حيث كان البيض يرمز إلى خلق الحياة، ومن ثم بدأ الاحتفال بأكل البيض كأحد الشعائر المقدسة التي ترمز لعيد الخلق، أو عيد شم النسيم عند الفراعنة. أما فكرة نقش البيض وزخرفته، فقد ارتبطت بنقش الفراعنة دعواتهم وأمنياتهم على البيض ، ومن ثم يجمعونه أو يعلقونه في أشجار الحدائق حتى تتلقى بركات نور الإله عند شروقه –حسب عقيدتهم- ويبدأون العيد بتبادل التحية «بدقة البيض»، وهي العادات التي ما زال أكثرها متوارثاً إلى الآن دون فهم لأصولها لدى معظم الناس. الفسيخ والبصل ظهر الفسيخ، أو السمك المملح من بين الأطعمة التقليدية في شم النسيم في الأسرة الفرعونية الخامسة عندما بدأ الاهتمام بتقديس النيل لاعتباره نهر الحياة، الذي ورد في متونه المقدسة عندهم أن الحياة في الأرض بدأت في الماء ، ويعبر عنها بالسمك الذي تحمله مياه النيل من الجنة حيث ينبع –حسب زعمهم- وقد كان للفراعنة عناية فائقة في حفظ الأسماك وتجفيفها وتمليحها وصناعة الفسيخ والملوحة، وتحتفظ بصلاحيتها للأكل لمدة طويلة جدا» –كما ذكر هيرودوث وهو مؤرخ إغريقي اعتنى بتواريخ الفراعنة والفرس، وتوفي عام 425 قبل الميلاد فقال عنهم:»إنهم كانوا يأكلون السمك المملح في أعيادهم، ويرون أن أكله مفيد في وقت معين من السنة، وكانوا يفضلون نوعاً معيناً لتمليحه وحفظه للعيد، وأطلقوا عليه اسم «بور» وهو الاسم الذي حور في اللغة القبطية وما زال يطلق عليه حتى الآن باسم «السمك البوري» ويعد أنسب أنواع الأسماك للتمليح و»الفسيخ». أما البصل فقد ارتبط ظهوره بما ورد في إحدى أساطير منف القديمة التي تروى أن أحد ملوك الفراعنة كان له طفل وحيد، وكان محبوباً من الشعب، وقد أصيب الأمير الصغير بمرض غامض عجز الأطباء والكهنة والسحرة عن علاجه، وأقعد الأمير الصغير عن الحركة، ولازم الفراش عدة سنوات، امتُنِع خلالها عن إقامة الأفراح والاحتفال بالعيد مشاركة للملك في أحزانه.وكان أطفال المدينة يقدمون القرابين للإله في المعابد في مختلف المناسبات ليشفى أميرهم، واستدعى الملك الكاهن الأكبر لمعبد آمون، فنسب مرض الأمير الطفل إلى وجود أرواح شريرة تسيطر عليه، وتشل حركته بفعل السحر. وأمر الكاهن بوضع ثمرة ناضجة من ثمار البصل تحت رأس الأمير في فراش نومه عند غروب الشمس بعد أن قرأ عليها بعض التعاويذ، ثم شقها عند شروق الشمس في الفجر ووضعها فوق أنفه ليستنشق عصيرها. كما طلب منهم تعليق حزم من أعواد البصل الطازج فوق السرير وعلى أبواب الغرفة وبوابات القصر لطرد الأرواح الشريرة. وتحققت المعجزة وغادر الطفل الفراش، وشفى من مرضه الذي يئس الطب من علاجه، فأقام الملك الأفراح في القصر لأطفال المدينة بأكملها، وشارك الشعب في القصر في أفراحه، ولما حل عيد شم النسيم بعد أفراح القصر بعدة أيام قام الملك وعائلته، وكبار رجال الدولة بمشاركة الناس في العيد، كما قام الناس –إعلاناً منهم للتهنئة بشفاء الأمير- بتعليق حزم البصل على أبواب دورهم، لذا احتل البصل الأخضر مكانه على مائدة شم النسيم بجانب البيض والفسيخ. وارتبطت هذه العادات بتلك الأسطورة القديمة سواء من عادة وضع البصل تحت وسادة الأطفال، وتنشقهم لعصيره، أو تعليق حزم البصل على أبواب المساكن أو الغرف أو أكل البصل الأخضر نفسه مع البيض والفسيخ، وما زالت من العادات والتقاليد المتبعة إلى الآن في مصر وفي بعض الدول التي تحتفل بعيد شم النسيم أو أعياد الربيع. الخس والحمص الخس من النباتات التي تعلن عن حلول الربيع باكتمال نموها ونضجها، وقد عرف ابتداء من الأسرة الفرعونية الرابعة حيث ظهرت صوره من سلال القرابين التي يقربونها لآلتهم من دون الله – تعالى- بورقه الأخضر الطويل وعلى موائد الاحتفال بالعيد، وكان يسمى الهيروغليفية «حب» كما اعتبره الفراعنة من النباتات المقدسة الخاصة بالمعبود «من» إله التناسل، ووجد رسمه منقوشاً دائماً تحت أقدام الآلهه في معابدهم القديمة. أما الحمص الأخضر، فقد أطلق عليه الفراعنة اسم «حور – بيك» أي «رأس الصقر» لشكل الثمرة التي تشبه رأس حور الصقر المقدس عندهم.وكان للحمص –كما للخس- الكثير من الفوائد والمزايا التي ورد ذكرها في بردياتهم الطبية. وكانوا يعتبرون نضج الثمرة وامتلاءها إعلاناً عن ميلاد الربيع، وهو ما أخذ منه اسم الملانة أو الملآنة. وكانت الفتيات يصنعن من حبات الملانة الخضراء عقوداً، وأساور يتزين بها في الاحتفالات بالعيد، كما يقمن باستعمالها في زينة الحوائط ونوافذ المنازل في الحفلات المنـزلية.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©