الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تقاليد الصحافة المقدسة

27 مارس 2008 02:35
إن الحملات الإعلامية والفكرية المتجنية على المسلمين في صحافة بعض بلدان الغرب، لن تتوقف مهما حاول بعض عقلاء المسلمين أن يبذلوا من جهد ليوضحوا للآخرين أن المسلمين لا يسعون إلى صدام مع حضارتهم المسيحية، ومهما قدموا من الأدلة والحجج الفكرية عن رغبتهم في التعايش السلمي والتفاعل الإنساني الإيجابي معهم؛ فنظرية صراع الحضارات ليست مجرد فكرة عابرة قال بها كاتب ما، فهي فكرة ونظرية راسخة ومتجذرة في العقل الباطن لكثير من مثقفي الغرب الذين لم تشذب تجارب التاريخ ولا التقدم الثقافي عقولهم، ولم تحصنهم ضد غرائز العنصرية البدائية الموروثة من حقب نحسب نحن أن الزمن قد تجاوزها· ربما كانت هذه المقدمة تتحدث عن مسألة قديمة متجددة يتكرر الحديث عنها كلما وقعت هجمة من الهجمات الدورية على الإسلام والمسلمين في بعض صحف الغرب، لكن مناسبتها اليوم هي الدعوى التي رفعها طلبة حقوقيون مسلمون أمام اللجنة الكندية لحقوق الإنسان (وهي جهة دستورية منشأة بقرار من البرلمان وتختص بالنظر في شكاوى الأفراد والجماعات التي ترى أن حقوقها قد جرى انتهاكها)، ضد مجلة ''ماكلين'' والتي تصدر عن امبراطورية ''روجرز'' الإعلامية الكندية الواسعة النفوذ· نشرت ''ماكلين'' مقتطفات من كتاب للمؤلف ''مارك ستين'' محور فكرته الأساسية أن المسلمين ومن بينهم مسلمو كندا أصبحوا يشكلون تهديداً وخطراً على الغرب من الناحية البشرية (السكانية) والأيديولوجية والأمنية، وفي عبارات منتقاة بعناية نقلت المجلة عن المؤلف قوله: صحيح أن المسلمين جميعهم ليسوا أعضاء في الجماعات الإرهابية، لكن قلة جهادية منهم تدعمها شبكة المساجد الممتدة من ''فيينا'' إلى ''استوكهولم'' إلى ''تورنتو'' إلى ''سياتل''··· إلخ، تكفي لتمثيل هذا الخطر الإسلامي الداهم على التركيبة البشرية والثقافية والأمن القومي لأوروبا والولايات المتحدة وكندا، وأن غالبية المسلمين في الغرب من مؤيدي إقامة دول الشرعية الإسلامية في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا، وعلى هذا النحو وبتعبيرات تدعو لإثارة الكراهية والتحريض ضد مسلمي الغرب -ومن بينهم مسلمو كندا- راح المؤلف يكرر فكرته المشحونة بالكراهية وتخويف المواطنين من خطر المسلمين على حياتهم وحضارتهم· أثار ما نشرته المجلة من ترهات وادعاءات باطلة، ثائرة الجماعات الإسلامية الكندية، لكن المسلمين الكنديين لم يسيروا مواكب الاحتجاجات الصاخبة ولم يقوموا بمهاجمة مكاتب المجلة وإحراقها، بل بادرت هذه المجموعة المستنيرة من طلبة الحقوق في ''اوقوز هول'' -كلية القانون الأشهر في تورنتو- وأعدت ردا موضوعيا على افتراءات الكاتب وسلكت الطريق الحضاري السليم، وحملته إلى رئيس تحرير المجلة وطلبت منه نشره في نفس المكان الذي نشر فيه المقال المثير عملاً بالقانون والعرف الصحفي المستقر في الديمقراطية الليبرالية، منبهة إلى أن التحريض وإثارة الكراهية ضد قطاع من المواطنين الكنديين أمر مخالف للدستور والقانون، ويرقى إلى مستوى المحاسبة الجنائية مستشهدة بسوابق قانونية قضت بها المحكمة الدستورية ضد صحف وصحفيين اتهموا بإثارة الكراهية ضد السامية والتحريض ضد معتنقي الديانة اليهودية، لكن رئيس التحرير رفض نشر الرد الموضوعي محتجاً بحرية الرأي والنشر التي تسمح لمن يشاء أن (ينتقد) من يشاء، وأن المسألة في رأيه ليست تحريضاً ولا إثارة للكراهية، إنما هي مسألة رأي حر لكاتب حر! أمام هذا الموقف الذي لا يشبه ولا يليق بأعراف وتقاليد الصحافة الكندية، حمل أصحاب الدعوى دعواهم إلى اللجنة الكندية لحقوق الإنسان في ''أونتاريو'' واللجنة الكندية في كولومبيا البريطانية، والتي حددت اليوم الثاني من يونيو القادم موعداً للنظر في عريضة الدعوى، وبرغم أن الدعوى ما تزال معروضة، سرعان ما خرجت أقلام وأصوات من بينها صوت نائب ليبرالي تستنكر على لجنة حقوق الإنسان أن تصبح رقيباً على الصحف -كما زعموا- وأن تتدخل في قضايا تتصل بحرية الرأي المقدسة، لكن الأمر أن ما هو معروض على لجنة حقوق الإنسان هو ''تظلم'' من جماعة من المواطنين من مجلة كندية نشرت وبشكل واسع ما رأوا فيه تحريضاً وإثارة للكراهية ضدهم، وذلك ما فات على النائب المحترم وجعل حزبه يقف بمنأى عنه· في انتظار ما ستتوصل إليه اللجنة الموقرة من رأي، يبقى هنالك سؤال بريء··· ترى لو أن كاتباً قد كتب ونشر نفس المقال واستبدل فقط كلمتي الإسلام والمسلمين بكلمتي الصهيونية الاستعمارية، ماذا سيكون مصيره؟! عبدالله عبيد حسن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©