الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دنانير الدولة الغورية في الهند

دنانير الدولة الغورية في الهند
28 سبتمبر 2007 23:11
بعد الفتوحات الإسلامية الأولى شهدت شبه القارة الهندية بعض الاضطرابات التي أثرت على استقرار الحكم الاسلامي لبعض أجزائها، الى أن نجحت الدولة الغزنوية في اواسط القرن الثالث الهجري ''9 م'' في فرض سيطرتها على الأجزاء الجنوبية والوسطى من شبه القارة الهندية فضلا عن أفغانستان، ولكن ما إن انهارت الدولة الغزنوية على أيدي الاتراك السلاجقة بعيد منتصف القرن الخامس الهجري ''11 م'' حتى اجتاحت الفتن ممتلكات الغزنويين وباتت الولايات الاسلامية هناك على وشك الضياع· وعند هذه اللحظة التاريخية الحاسمة ظهر أمراء إقليم الغور الافغان يقودهم معز الدين محمد بن سام المعروف باسم محمد الغوري، وبفضل كفاءتهم الحربية سيطروا على مدينة ''غزنة'' وما حولها ثم دخلوا الهند من أجل استعادة مدنها التي استولى عليها أمراء الهند البراجبوتيون· وخاض محمد بن سام حربا ضروسا ضد الهنادكة لتثبيت الحكم الاسلامي في شمال الهند ورغم ضخامة حشودهم الحربية واستعانتهم بالفيلة إلا ان القوات الغورية كانت تنجح في نهاية المطاف في هزيمتهم· كرّ وفرّ وحروب الغوري لم تكن كلها سهلة حافلة بالانتصارات فقد لقي هزائم منكرة ولكنه كان شديد المراس كالجواد ينهض من كبوته ليواصل سيره، ففي عام 591 هـ ''1194 م'' التقى بجيشه المحدود مع تحالف الهندوس قرب سرهند وأصيب السلطان في المعركة وكاد يلقى حتفه لولا أن أدركه أحد القادة، ولكن قواته سرعان ما استردت مبادرتها الدفاعية بعد انسحاب طويل وصمدت مدافعة عن مراكزها على بعد اربعين ميلا من ارض المعركة· وعاد الغوري في العام التالي بجيش جرار قوامه 120 الفا من المقاتلين الأشداء من أتراك وأفغان وغيرهم· وفي هذه المعركة الفاصلة اتبع محمد الغوري تكتيكا حربيا بارعا أخذ يهاجم قوات العدو من الجهات الاربع كراً وفراً، ولما بلغ الارهاق مداه بالهنادكة انطلق الغوري يقود اثني عشر الفا من فرسانه وراحوا يشيعون الموت والدمار في صفوف اعدائهم الذين انهزموا أو أبيدوا ودخل الغوري مدن شمال الهند محطما الأوثان والمعابد ليعيد استخدام أعمدتها في اقامة مساجد ومدارس المسلمين· وعهد الغوري إلى قائده قطب الدين ايبك بإكمال الفتوحات التي وصلت الى دهلي التي اتخذها الغوري عاصمة له عوضا عن غزنة، وبفتوحاته استقر الحكم الاسلامي في شمال الهند· وقد مُني محمد الغوري بهزيمة فادحة عندما حاول غزو بلاد ما وراء النهر وايران إذ انهزم عند خوارزم عام 601 هـ ''1204 م'' وكادت أملاكه في غزنة والهند تضيع ولكنه عاود الكرة على الذين اغتصبوا هذه الاقاليم واستعادها منهم· وقد مات الغوري في عام 602هـ ''1206م'' تاركا ملكه العريض للمماليك الاتراك من تلاميذه، وعلي أيدي رجال الغوري بدأ الحكم الحقيقي للمسلمين في الهند· تذكارية وقد ضرب الغوريون عملاتهم من مضاعفات الدينار الذهبي بفضل الغنائم الذهبية التي جنوها من فتوحاتهم بشمال الهند، ولدينا قطعة ثقيلة من الذهب وزنها حوالي 45 جراما أي انها تعدل عشرة دنانير وهي باسم معز الدين محمد بن سام وباسم أخيه غياث الدين محمد بن سام· واللافت للنظر أن هذه القطعة لم يسجل عليها اسم دار الضرب وربما كانت من العملات التذكارية إذ انها سكت بعد عشر سنوات من انتصار معز الدين على الراجبوتيين في معركة بانيبات الحاسمة في تاريخ المسلمين بشمال الهند· ونجد في كتابات مركز الوجه اربعة اسطر متوازية ''لا إله الا الله/محمد رسول الله/ الناصر لدين الله/ أمير المؤمنين'' ويحيط بالمركز من ثلاث جهات عبارة ''الله أعلى'' ويبدو من كتابات المركز ان الغوريين كانوا يقرون بتبعيتهم الدينية وولائهم للخليفة العباسي في بغداد الناصر لدين الله· وفي هامش الوجه الاقتباس القرآني التقليدي والذي كان يسجل على النقود الاسلامية منذ تعريبها في عهد عبدالملك بن مروان ''محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون''· أما مركز الظهر ففيه اربعة اسطر تضم اسم وألقاب غياث الدين وهو أخو معز الدين الأكبر ''السلطان الأعظم/ غياث الدنيا و/الدين أبو الفتح/ محمد بن سام'' مع عبارة ''الله أعلى'' الواردة على وجه القطعة· وفي الهامش تم تسجيل اسم وألقاب محمد الغوري ''السلطان المعظم معز الدنيا والدين أبوالمظفر محمد بن سام في سنة ثمان وتسعين وخمسمائة''· الفارس ومن نقود الغوريين النادرة نقود ذهبية تزن 11,15 جرام لم يصلنا منها سوى قطعتين فقط· ويبدو أن محمد الغوري قد سك هذه النقود الذهبية بعد نجاحه في استرداد غزنة وغيرها من المدن التي تمردت عليه عقب هزيمته في خوارزم، وعلى وجه القطع من هذا النوع نجد صورة ربما تمثل محمد معز الدين ذاته في إحدى حروبه الطويلة وقد نقشت لتصوره على هيئة فارس يمتطي صهوة جواده مندفعا به في اتجاه اليسار وهو يرفع الدبوس بيده اليمنى، وعلى هامش الوجه عبارة السك التي تشير الى ضرب هذه النقود في شهر رمضان عام 601 هـ، أما الظهر ففيه كتابة مركزية من اربعة اسطر نصها ''السلطان المعظم معز/ الدنيا والدين/ أبوالمظفر محمد بن سام''· لعلها المرة الاولى التي تصادفنا فيها دولة اسلامية تحقق كل هذه الانجازات الحربية دون أن يمتد عمرها لأكثر من عمر مؤسسها محمد الغوري الذي مات دون أن يعقب ولدا يرث ملكه العريض، فآلت دولته الى المماليك الأتراك من بعده·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©