السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عبء التصنيف

عبء التصنيف
27 مارس 2008 03:00
بعض الروائيين يترفعون عن قراءة الشعر· أسوة بمفكرين عرب، لا يرون في الشعر أو في المُتخَيل الأدبي بصورة عامة، الا ضربا من أوهام وانفصامات و··· الخ ضد صعود ''الأمة'' وبلوغها الحتمي ركب الحضارة، وكأن الوهم والخيال والانفصام والحلم والاستيهام، ليست حقلا خصبا لاشتغال الفكر، في هذا النوع من العقلانية المبسطة· بمعنى آخر مارس أهل دنيا السرد انتقاما مشروعا ولا واعيا ربما من التهميش الذي ساد الوعي العربي في دفعه الشعر، أي المقفى والموزون الى مرتبة المقدس وحط من قدر النثر العربي الخلاق بتجلياته المختلفة· وهذا ما فعله على نحو آخر شعراء قصيدة النثر· تابع السجال المحفوظي (الذي أشرنا له الأسبوع الماضي) آخرون نقادا وروائيين، أبرزهم جابر عصفور الذي أصدر بداية توليه مجلة ''فصول'' الرائدة في طرح هذه المسألة على نحو منهجي، عددا خاصا عن ''زمن الرواية'' أعقبه بعد ذلك بكتاب واف يحمل العنوان نفسه، حيث الرواية التي تدشن عصرا جديدا، وهي انبثاق عقلية الاستنارة والوعي المدني ضد القمع والتعصب والاستلاب وهي التصور الذي انبنى عليه المشروع النهضوي· وهي ملحمة الطبقة الوسطى على هدي الأطروحة اللوكاتشية المعروفة، والعقل الذي يواجه النقل، والابتداع الذي يواجه الاتباع· يستقصي الدكتور جابر الجذور في السرديات الأدبية الكلاسيكية، أي يوصل الرواية الحديثة بما انقطع من إرثها التنويري النازع نحو الحرية والمعمورة الفاضلة! من محاكمة الحيوان للانسان عند اخوان الصفا حتى الفارابي وابن سينا وابن طفيل و''تدبير المتوحد'' الهامشي في مواجهة قمع التيارات الاتباعية السائدة في تلك المراحل كما هي سائدة الآن· ويواصل الناقد بحثه في مسار الرواية عربيا وعالميا وعلامات تفوقها التي ليس أقلها حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل وكونيتها التي أجبرت القادة السياسيين وأرباب الحكم على تكريم الكاتب مما لا يضاهيه حدث أدبي في مصر والأقطار العربية، الا حدث تنصيب أحمد شوقي أميرا للشعراء في العام 1927 تحت رعاية الديوان الملكي· وهو اعتراف انقلب من الشعر الى الرواية وقفز من بعده المحلي الى آفاق العالمية· يمضي الدكتور في سرد استقصائه لمعالم هذا التفوق الروائي عربيا وعالميا ويورد جدولا احصائيا بالأسماء التي حظيت بتكريم الجائزة الأولى في العالم، لكن قراءة هذا الجدول الاحصائي ليست بالضرورة لصالح تفوق الرواية، باعتبار التكريم النوبلي معيارا، وهو كذلك، لكن بداهة ليس المعيار الوحيد· هناك سبعة عشر شاعرا يكتبون الشعر فقط في مواجهة أربعة وعشرين روائيا، لكن مما له دلالة خاصة أن ثمانية وثلاثين كاتبا منحوا هذه الجائزة وهم لا ينتمون الى جنس أدبي محدد المعالم والصفات أي متعددي الاهتمام، كتبوا في أجناس شتى وربما غامت الحدود والمقاييس لديهم بين الأجناس· أليست هذه علامة فارقة تعفينا نسبيا من عبء التصنيف وثنائيات الأجناس؟
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©