الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

صالح بلعيد: لا بد للغات أن تعيش متجاورة

صالح بلعيد: لا بد للغات أن تعيش متجاورة
29 سبتمبر 2007 01:38
الدكتور صالح بلعيد، أستاذ في جامعة مولود معمري بتيزي وزو(منطقة القبائل الأمازيغية)، قسم اللغة العربية وآدابها، باحث في اللغويات، له أكثر من عشرين مؤلفاً في قضايا اللغة العربية، وبعض المؤلفات في الأمازيغية، عضو مجمعي اللغة العربية في دمشق وطرابلس· وفي هذا الحوار يتطرق بلعيد إلى أهمية القرار الذي اتخذته الحكومة الجزائرية مؤخراً بإنشاء ''مجلس أعلى للغة الأمازيغية'' و''أكاديمية'' لترقية هذه اللغة، ويؤكِّد أنها خطوة هامة نحو إنهاء التوظيف السياسي لها ونزع بؤرة التوتر في منطقة القبائل الأمازيغية، وهذا نص الحوار: المؤسّسات الثقافية ü قررت الجزائر مؤخّراً تأسيس أكاديمية للُّغة الأمازيغية ومجلس أعلى لها، هل تعتقدون أنّها خطوة نهائية لإخراج الأمازيغية من دائرة التوظيف السياسي؟ üü في اعتقادي إنّ إقامة المؤسّسات الثقافية واللغوية خطوة مهمة في حلّ المشاكل اللغوية أو الثقافية العالقة، فبقدر تأسيس المؤسّسات بقدر ما تترقى اللغة أو الثقافة على وجه العموم· ونحن نعد من المتأخّرين في هذا المجال، نعرف أنّ فرنسا وضعت أرمادة كبيرة من أجل الحفاظ على اللغة الفرنسية وحمايتها، ولها مؤسّسات كثيرة تعمل فقط على نشرها خارج فرنسا، وهي تنفق عليها بسخاء، بل إلى حدّ الإغداق، وفي وقت ما تأتي ميزانية وزارة الفرانكفونية في الرتبة الثانية بعد وزارة الدفاع· ويبدو لي أنّ هاتين المؤسّستين ستعملان على التخفيف من التعصّب اللهجي اللغوي، وربّما إخراج الأمازيغية من عنق الزجاجة، أو من دائرة المتاجرة بها، أو باسم استعادة الهوية اللغوية لبعض المناطق التي يقع أحياناً الغليان والهيجان الشعبي فيها· وعلى العموم فهو شيء إيجابي، ونبارك للجزائر هذا الفعل النبيل والعلمي· ü وما الذي يمكن أن تقدِّمه الهيئتان للغة الأمازيغية برأيكم؟ üü لا شكّ أنّ الأكاديمية لها عمل تنظيري ومعجمي وبحثي، يتعلّق بقضايا فقه اللغة ووضع المعاجم، والعمل على وضع القواعد، وإجراء التحريات اللغوية، ووضع الأطالس اللغوية· وأما المجلس الأعلى فيتابع قضايا تعميم الأمازيغية، والعمل بالتنسيق مع الهيئات الأخرى، العلمية والسياسية، وعلى مستوى الإدارة والمحيط والإعلام· إضافة إلى بعض التداخلات أحياناً في قضايا طرائق تعميم الأمازيغية في الكتاب المدرسي، أي على مستوى المحيط· طرائق الاشتقاق ü من الناحية اللغوية اللسانية، هل تملك الأمازيغية مرونة وثراءً وقابلية للاشتقاق والتطور كالعربية؟ وهل تملك مختصين أكفاء في اللسانيات قادرين على تطويرها؟ üü بالطبع هي لغة حامية، تملك طرائق الاشتقاق مثل العربية، وسهلة جداً، ويبقى أنّ بعض الأصوات صعبة التلفّظ، ولذا يُنصح أن تُتعلّم الأمازيغية في الصغر، فكلما كبر الإنسان يصعب عليه التلفّظ ببعض الأصوات الخاصة بها· وأما إذا كانت تملك الباحثين المختصين، هناك قليلٌ منهم، وكبار الباحثين يوجدون في فرنسا حالياً، ويتشيّعون للحرف اللاتيني، فهم من الفرانكفونيين، وتدخُّلهم في الأمازيغية نصرٌ للفرنسية، ونقصٌ للهوية الأمازيغية، وضعفٌ للعربية في الجزائر· ولكن تملك الجزائر بعض الباحثين الوطنيين المعتدلين، وهم يتواجدون في مختلف الجامعات ومراكز البحوث، ولا شكّ أنّ بعضهم يشكل مدرسة معقولة جداً، وأتمنّى أن يكونوا في تشكيلة الأكاديمية ليفيدوا الأمازيغية والوطن كذلك· ü بتقديركم، كم سنة يتطلبها بعث الأمازيغية كلغة متكاملة على جميع المستويات المعرفية، وكذا تعميمها ونشرها تمهيداً لترسيمها مستقبلاً؟ üü إنّ المسائل اللغوية لا تُقاس بعمر الإنسان، فالعربية ولها 17 قرناً من التواجد، لا زلنا نبحث في فقه لغتها، وفي نحوها، الفرنسية لها عمر يتجاوز أربعة قرون، ومع ذلك هناك أبحاث يومية تظهر في مجال ترقيتها، وفي الاتفاق على المصطلح··· إذن المسألة تُقاس بجدية البحث الذي يعمل على تطويرها، وخاصة في عصرنا الذي نملك فيه الوسائل التكنولوجية الجبّارة، والتي عن طريقها يمكن اختصار الوقت، وربح الزمن· ثمّ يأتي الجانب النفسي، وكذلك جانب الاستعمال· كلّ هذه العوامل إذا اجتمعت تتطلّب نفَساً وجهداً ومالاً وعزيمة، ولكن تهون الأمور إذا شُدّت العزائم من أجل إحياء لغة من اللغات· ü كيف تتصوّرون علاقتها باللغة العربية مستقبلاً بعد تطويرها وتأهيلها؟ üü الأمازيغية أختُ العربية، خذ قاموس الأمازيغية ستجد فيه 60 % من ألفاظها عربية، وإذا أجرينا دراسات تقابلية مُقارِنة، نجد تشابهاً في البنية الصَّرفية والدلالية، كما نجد قواسم مشتركة كثيرة، ولذا يجب أن لا نخلق الفروق بين اللغتين، بقدر من يجب البحث في العلاقات اللغوية الكائنة بينهما، وهي علاقات كثيرة وطبيعية، بحكم الأصول الواحدة، وإنّ المعجم العربي الذي وُجد له امتداداتٌ في الأمازيغية ليس ناتجاً عن الآثار العربية المرافقة للفتوحات الإسلامية، بل إلى تلك التأثيرات والتواشجات العائلية القديمة، وهذه البنيات اللغوية أقدم، وظهرت قبل الفتوحات؛ إنّ عدداً كبيراً من جذور الكلمات مشتركة بين اللغتين، كذلك الحال بالنسبة إلى الطوارقية، والحال أنّها اللغة الأقلّ تأثراً بالغزو اللغوي العربي، ولا يتعلّق الأمر هنا بالاقتراض المتحقّق في عصر متأخر، إذ إنّ الكثير من هذه الجذور تمّ استعمالها في نفائس تعود إلى أكثر من ثمانية قرون قبل الغزو العربي''· وأما كيف تكون العلاقة السياسية أو الإدارية بعد تطويرها، فأرى أنّ لكل لغة مجالاً خاصاً، فالعربية مجالها لغة علمية عالية والأمازيغية لها وظائفها اليومية الخاصة كوسيلة اتصال على مستوى قضاء المصالح، وعلى مستوى الإعلام· وفي الحقيقة وقع تقسيم مجال اللغتين منذ دخول العربية الأوطان المغاربية، وما اشتكت الأمازيغية من العربية· منطق الفرنسة لم تقصّر العربية في حقّ الأمازيغية، لكنّ الشكوى والظلم لحق اللغتين من الفرنسية التي عملت على إقصائهما من الاستعمال، وبالزجِّ بكل من لا يقبل منطق الفَرْنَسَة·
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©