الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قراءة حرة جمال السواد

قراءة حرة جمال السواد
27 مارس 2008 03:02
لايفوتنا ونحن نقرأ آيات الجمال الأنثوي في فلذات الشعر القديم أن نشير إلى أن الجمال بطبيعته نسق متكامل من الملامح والصفات، وأن التركيز على بعضها لايغني عن بقيتها، وأنه ليس نموذجا مثاليا واحدا يرضي جميع الأذواق، ويشبع كل حاجات الإنسان المادية والمعنوية· فالتعدد خصيصة لازمة في الطبيعة والثقافة، وأبرز مظاهره الجمالية اختلاف الأجناس والألوان والأشكال· ومع أن الثقافات التقليدية عند كل الشعوب تقريبا كانت تمارس نوعا من التمييز العنصري، قاومته الأديان حينا والآداب والفنون حينا آخر، في محاولات دائبة لتجاوز العصبية واستشراف أفق إنساني رحب، فإن منظومة القيم المعاصرة المتمثلة في مواثيق حقوق الإنسان والطفل والمرأة هي البلورة المصفاة لكل هذا الجهد الإنساني النبيل، والآن ماذا كان موقف الشعر العربي من مشكلة اللون؟· يورد السرىّ الرفاء في كتابه الطريف ''المحب والمحبوب والمشموم والمشروب'' عدة نصوص في امتداح السواد في بشرة النساء، وهي لاتضاهي في كثرتها بطبيعة الحال ماورد في امتداح البياض والحمرة، وهي فى جملتها تخيلية لابرهانية، منها مايقوله مثلا أبو الحفص الشطرنجي مولى المهدي: أشْبَهكِ المسكُ وأشبهتِهِ قائمة في لونها قاعدة لاشك إذ لونكما واحد أنكما من طينة واحدة ومثله قول ''الصنوبري'' الذي يتقدم خطوة للحديث عن الحب ومنطوق القلب، فيقول: حُبيَّك من قلبي مكان الذي أشبهته من حبة القلب يل غصنا من سَبَجٍ رطب أصبح منك الدر في كرب غير أن شاعرا آخر يقوم بنوع من التمويه في التدليل على حبه للسواد، فهو يربطه بمحبوب آخر للإنسان هو الشباب فيقول: أهوى الشباب لأن رأسي أشيبُ يدني الفنا وأحب لون شبابي لولا سواد البدر لم يك محسنا ودعوا لمن يطربه بالكذاب وبه تكَحَّلُ عين كل خريدة وبه تتم فضيلة الكتّاب وكذلك الكافور برد طيب والمسك أزكى طيب الأطياب غير أن تلك الحجج العقلية في امتداح السواد بالتماس تشابهات لايشير بدقة إلى موطن الإثارة الحقيقية في السواد، وربما كان ابن الرومي خارجا عن أدب الخطاب في تعبيره عن ذلك بقطعة تعبر عن صميم ميزة هذا السواد، نستعين على ذكرها بما أكده الأقدمون من أنه لاحياء في الدين أو الأدب، ونتركها دون تعليق· إذ يقول: أكسبها الحب أنها صبغت صبغة حب القلوب والحدقِ فأقبلت نحوها الضمائر والأبصار يعنقن إيّما عَنَقِ لها ''هنٌ'' تستعير وقدته من قلب صَبٍّ وصدر ذي خنَقِ يزداد ضيقا على المراس كما تزداد ضيقا أنشوطة الوهنِ كأنما حِرُّهُ لخابره وما التهبت في حشاه من حُرَقِ
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©