(عصر الاضطراب) يثير شهية القراء الأميركان

عبّر هواة شراء الكتب الثمينة في الولايات المتحدة خلال الأسبوع الماضي عن (حيوية لاعقلانية) من خلال إقبالهـــم الكبير على شراء كتاب الاقتصادي المالي الداهية آلن جرينسبان الذي طرح في الأسواق للمرة الأولى تحت عنوان (عصر الاضطراب) The Age of Turbulence· ومصطلح (الحيوية اللاعقلانية) من ابتداع جرينسبان نفسه؛ حيث استخدمه في العديد من المرات للإشارة إلى النشاط المحموم الذي تشهده أسواق الأسهم أو بعض الشركات المدرجة فيها دون أن يجد ما يبرره· يقول جرينسبان في مقدمة كتابه بأن الناس كثيراً ما كانوا عبر التاريخ يعتقدون بأن في الإمكان التبنؤ بأحداث المستقبل· فلقد كان القادة العسكريون اليونانيون يستعينون بالعرّافين والكهنة قبل القيام بغزواتهم ومغامراتهم العسكرية· وتوظف وول ستريت جماعات من أكثر الناس ذكاء لاستقراء التوجهات المستقبلية للأسواق واستشراف مستوى أدائها ووضع توقع لأسعار الأسهم· ويتساءل جرينسبان: (إلى أي حد يمكننا أن نتنبأ بما هو آت في المستقبل؟)، ثم يجيب عن ذلك بالإشارة إلى أن من حسن حظ صنّاع القرار السياسي أن هناك نوعاً من التواصل التاريخي في طريقة عمل وأداء المجتمعات والأسواق في الدول الديموقراطية· وهناك أيضاً الكثير مما يمكن أن يقال حول استشراف وضع الاقتصاد الأميركي والعالمي خلال العقود القليلة المقبلة وخاصة إذا نحن أخذنا بعين الاعتبار مقولة ونستون تشرشل: (بقدر ما تتمكن من النظر بشكل أبعد إلى الماضي، بقدر ما يمكنك النظر أبعد إلى المستقبل)· وخلال الأسبوع الأول لعرض الكتاب بيعت منه 129 ألف نسخة وفقاً لإحصائية رسمية نشرتها مؤسسة (نييلسن بوك سكان) التي تتحرّى معدل مبيعات 75 بالمئة من الكتب المهمة التي تصدر في الولايات المتحدة· وبالرغم من أن مبيعاته ما زالت بعيدة جداً عن تلك التي حققها كتاب الرئيس السابق بيل كلينتون تحت عنوان (حياتي) خلال الأسبوع الأول من شهر يونيو من عام 2004 وحيث بيع منه 606 آلاف نسخة وفقاً لإحصائيات (بوك سكان) أيضاً، إلا أن هذا الإقبال يضعه في قائمة أكثر الكتب مبيعاً في الولايات المتحدة· ونقل تقرير نشرته صحيفة (ذي وول ستريت جورنال) عن أنطوانيت إركولانو نائبة رئيس شركة بارنس أند نوبل المتخصصة بتجارة الكتب في الولايات المتحدة قولها: (لقد تجاوزت مبيعات كتاب ''عصر الاضطراب'' توقعاتنا التي كانت مرتفعة أصلاً· ولا شك أن سبب ذلك يعود لأن القراء يريدون أن يعرفوا ماذا يحدث في أسواق الأسهم والإسكان· وهم يتشوقون لسماع إجابات مقنعة عن الكثير من الأسئلة المهمة· ومعظم الناس يتذكرون الآن أنه عندما كان جرينسبان يتحمل المسؤولية عن الشؤون المالية في الولايات المتحدة، كانت الأمور تسير بشكل أفضل مما هي عليه الآن)· وكانت شركة (بانجوان بريس) للنشر دفعت لجرينسبان مبلغاً مسبقاً لنشر كتابه بلغ 8 ملايين دولار· ويسمح العقد المبرم بين الطرفين لشركة بانجوان ببيع حقوق إعادة نشر الكتاب لأي طرف ثالث خارج الولايات المتحدة؛ ويمكن للشركة أن تستعيد التكاليف والكثير من الأرباح من هذا الشرط وحده بالنظر للانتشار الكبير لقراء الإنجليزية في العالم وخاصة في كندا وأستراليا ونيوزيلاندا والهند وجنوب أفريقيا والكثير من الدول الآسيوية· وكان جرينسبان تسلم زمام إدارة الاقتصاد الأميركي في فترة غير عادية تميزت بنهاية الحرب الباردة وبروز ظاهرة العولمة وظهور الصين كلاعب كبير في الاقتصاد العالمي· وفيها أيضاً، شهد العالم طفرة هائلة في تكنولوجيا المعلومات وتطبيقاتها؛ وهي الظروف التي أسهمت في استهلال حقبة طويلة من النمو الاقتصادي السريع رافقتها زيادة متسارعة في الإنتاجية وطفرة كبيرة غير مسبوقة في الأسواق العالمية· وقبل أن يحكم الخزينة الفيدرالية الأميركية، عمل جرينسبان مستشاراً لأربعة رؤساء أميركيين حيث لعب دوراً كبيراً في تجنيب الاقتصاد الأميركي هزّات كبرى بالرغم من أنه نشأ نشأة لا توحي على الإطلاق بالولع بالاقتصاد ولا بالتجارة الدولية بل كان مولعاً بالموسيقى وعازفاً على آلة الساكسافون في إحدى فرق الجاز· وكتاب (عصر الاضطراب) عامر بالمواد المهمة التي تشرح حالة الاقتصاد العالمي في فترة الازدهار التي يشهدها منذ عشر سنوات ويتنبأ بالحال الذي سيكون عليه من الآن وحتى عام 2030 من خلال دراسات تنبؤية تعتمد على مفاهيم الدورات الاقتصادية المتكررة التي يشهدها العالم·