الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإعلام مطالب بالكفّ عن التلاعب بعقول الناس

الإعلام مطالب بالكفّ عن التلاعب بعقول الناس
30 سبتمبر 2007 23:29
الدكتور علي جمعة عالم موسوعي لديه رؤى فكرية وترجيحات فقهية، تجعله علماً بين علماء عصره، فقد أخذ العلم الديني على يد والده في حلقات العلم بنفس الطريقة التي تلقى بها كبار علمائنا السابقين علومهم الدينية، مع ذلك انتظم في مراحل التعليم العام، ثم جمع بينها وبين الدراسة في جامعة الأزهر، ليتعرف على أكثر من منهج، وأكثر من مدرسة فكرية· تتنوع معارفه بين أصول الدين وتقنيات العصر، وتتوزع اهتماماته بين ''علوم الشريعة'' و''علوم الحقيقة''· وفي هذا الحوار نطوف معه حول عدد من القضايا المثارة على الساحة الإسلامية اليوم· ؟ اخترنا أن يبدأ حوارنا معه بما آلت إليه الدعوة التي أطلقتها دار الإفتاء لإطلاق قمر صناعي إسلامي يتولى رصد الهلال· ؟؟ فقال: إن إطلاق القمر الصناعي الإسلامي يحتاج إلى تمويل من مختلف الدول الإسلامية وأهل الخير، وحتى الآن لم يتم جمع إلا جزء من تمويله تبرعت به رابطة العالم الإسلامي وإيران، ونهيب بالدول الإسلامية أن تلتزم بتوصيات مؤتمرات وزراء الخارجية الإسلامية التي أوصت أكثر من مرة بوجوب إطلاق هذا القمر لتوحيد صيام المسلمين وإفطارهم· فوضى الإفتاء ؟ سألت فضيلته حول فوضى الإفتاء على الفضائيات وما تسببه من بلبلة والتباس بين الناس؟ ؟؟ فقال: أجرينا بحثاً في دار الإفتاء المصرية حول هذه القضية فوجدنا أن هناك نحو 20 مسألة أو فتوى مخالفة من بين آلاف الفتاوى المعروضة على الفضائيات، وبعضها اختلافات فقهية معتمدة، فليست هناك فوضى حقيقية للفتاوى، ولكن هناك فوضى في تيارات الخطاب الديني، فقد نجد مثلا أحدهم متشددا وآخر متساهلا، وثالثا يميل إلى السياسة، ورابعا يميل إلى الجزئيات، ومن ثم حدثت الحيرة بين الناس وجاء التساؤل: أين الدين؟ وفي أي مشرب هو من كل ذلك؟ فالحقيقة أن هناك فوضى في الخطاب الديني، أحدثها الذين يتحدثون بغير علم، من ناحية، واختلاف مشاربهم من ناحية أخرى، لأن عدد الفتاوى المخالفة للفقه المعتمد قليلة جدا· وعندما تشاهد أحد البرامج على الشاشة تجد من يحصر الدين في الروحانيات، وآخر يحصر الدين في السياسة وهكذا، فالناس تحيرت وتبلبلت من اختلاف الآراء في الخطاب الديني، فأطلق الناس على هذه الحالة ''فوضى الفتاوى''، لكنها في الحقيقة ليست فوضى في الفتاوى وإنما في آراء من يطلقونها· وطالب فضيلته بضرورة تجديد الخطاب الديني، على أن يكون ذلك التجديد مستمراً لا يتوقف عند حقبة زمنية معينة ولا نقطة محددة، موضحا أن ذلك يعتمد على نشر ثقافة تهتم بتوسيع العلم والإدراك وتكثيف الجهود والأبحاث الرصينة واحترام التخصص في مجال العلوم الشرعية· حديث البول و إرضاع الكبير ؟ ولكن هناك قضايا أثيرت على الساحة مؤخراً، تفتقر إلى ما يمكن أن نطلق عليه فقه الأولويات مثل حديث ''البول'' و''إرضاع الكبير''؟ ؟؟ في إجابته يدعو فضيلة الفتي إلى أهمية التمييز بين المسائل الفقهية، والقضايا التي تهم الأمة· فيقول يوجد نحو مليون و200 ألف مسألة تحدث عنها العلماء في كتب الفقه الإسلامي التي بين أيدينا، فلماذا نتوقف عند مسألة أو اثنتين ونثير ضجة حولهما؟ يضيف الدكتور علي جمعة: من واجبنا كمفتين أن نجيب عن كل الأسئلة التي ترد إلينا، وإذا لم نجب عنها نعتبر مقصرين من قبل الناس· كما أن عدم الإجابة حتى عن الأسئلة غير المهمة يسبب قلقاً وحيرة عند أصحاب هذه الأسئلة، لكن المشكلة تكمن في تحويل المسائل الفقهية العادية إلى قضايا كبرى، يقذف بها إلى قمة أولويات الجماهير، هذه صناعة إعلامية صرفة، مثل تحويل أحكام الطهارة إلى قضايا عامة، ومن ذلك مسألة طهارة بول الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد اتفق الأئمة الأربعة على أنه طاهر، ويقول عن هذا الأمر ابن عابدين في كتاب ''تنقيح الفتاوى الحامدية'' وهو معتمد الفتوى عن الحنفية، يقول وهو يقرر طهارة النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا: ''فصار ذلك كالمجمع عليه''· فلماذا تتحول هذه المسألة وهي موجودة في كتب الفقه منذ مئات السنين إلى قضية رأي عام تثار على صفحات الصحف في هذه الأيام؟ يضيف فضيلته: إن وسائل الإعلام مطالبة بالالتزام بميثاق الشرف الصحفي والإعلامي بما يجعلها تركز على بناء ثقافة الأمة وليس التلاعب بعقول الجماهير·· فقد كتبت على مدى سنين أكثر من 120 مقالاً في صحيفة الأهرام تناولت العديد من القضايا التي أحسبها مهمة مثل قضايا: المنهجية، والمعرفية، وتوليد العلوم، وكيفية جمع شمل الأمة، وبناء جسور مع الآخر، ومفاهيم التعايش وقواعده، ومع ذلك لم يعلق أحد على أي من هذه القضايا، بينما حدث انفجار وشبه هوس على مسألة ''بول النبي'' وهي موجودة أصلاً في كتب الفقه وعليها إجماع· فهذا العبث مسؤولية من؟ أما عن موضوع إرضاع الكبير، فإن الحديث الخاص به موجود في صحيح البخاري، والأئمة الأربعة قالوا إنها حالة خاصة بواقعة الحديث، وإن إرضاع الكبير لا يجوز· فمثل هذه الأحاديث لسنا في حاجة إليها الآن، وإن كنا نحافظ عليها، لعلها بعد مئة سنة تظهر لها فائدة عند غيرنا من المسلمين·· أنا لا أرفعها من البخاري ولا آخذ بها اليوم، لأننا لسنا بحاجة إليها· والحقيقة أن بعض وسائل الإعلام شوهت هذه القضية وكان المقصود هو الهجوم على البخاري، ومن ثم على علماء الدين ثم على الدين ذاته· ؟ نعود مرة أخرى لقضية الفتاوى، فقد علمنا أن هناك جهداً تقوم به دار الإفتاء المصرية لترتيب الفتاوى، نرجو إلقاء الضوء عليه؟ ؟؟ نعم فقد تم ترتيب الفتاوى الصادرة من دار الإفتاء المصرية بشكل جديد وبيان الأهم فالمهم، بحيث تظهر على موقع دار الإفتاء مرتبة ومقسمة إلى الفتاوى التاريخية، والفتاوى الحديثة، وتم استيفاء الأدلة التي تعتمد عليها الفتاوى الحديثة· ؟ مسألة التبرع بالأعضاء لا تزال قضية شائكة وتثير جدلاً بين العلماء· هل توصلتم إلى قول فصل في هذه القضية؟ ؟؟ نعم حيث توجد فتوى مفصلة حول التبرع بالأعضاء من مجمع البحوث الإسلامية ومجمع الفقه بجدة ودار الإفتاء المصرية، الفتوى متاحة بموقع دار الإفتاء على الإنترنت، ومؤيدة بأبحاث المنظمة الإسلامية للطب الإسلامي في الكويت· وتتضمن هذه الفتوى أحكاماً فقهية لجميع الحالات وتراعي كل المقاصد· ؟ يتم اليوم تغذية الطائفية والمذهبية بطرق كثيرة في بقاع عديدة من عالمنا العربي والإسلامي·· ما دور علماء الدين في مواجهة هذه الفتنة؟ ؟؟ لا شك أن كل التوجهات الطائفية مرفوضة في مجتمعاتنا، ولهذا اجتمعنا في عمان بحضور أكثر من 170 عالما، وأصدرنا بياناً اتفقنا فيه على ضرورة احترام جميع المذاهب السائدة والمعمول بها، وقد أصدر الأمير غازي بن محمد كتاباً في الأردن يحتوي هذا العمل بعنوان ''احترام المذاهب''، وعرضنا هذا البيان على اجتماع منظمة المؤتمر الإسلامي بمكة عام 1426هـ، والذي حضره أكثر من 150 عالماً تحت رعاية الملك عبد الله بن عبد العزيز، وقد أيد الاجتماع هذا التوجه تماماً· كما تم عرضه على مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي وأصدر المجمع قراره بهذا الشأن عام 2006م، وعملنـــــا على نشر هذا البيان والعمل به للقضاء على الطائفية بحيث يسير الأئمة في مسار واحد· كما أنني شخصياً حضرت العديد من اللقاءات مع أهل الأديان الأخرى، في الكثير من العواصم، لتصحيح الصورة الذهنية عن الإسلام والمسلمين، ولبناء جسور التواصل والحوار، والتفاهم والتعاون، وليس الذوبان في الآخر· إننا نريد المشاركة الإنسانية مع شركائنا على كوكب الأرض لبناء الحضارة، هذا ما يدعونا إليه ديننا باعتباره دين الدعوة، فالناس بالنسبة للإسلام إما أمة دعوة وهي جميع الناس، وإما أمة إجابة وهم المسلمون أي الذين استجابوا للدعوة وآمنوا بالإسلام، وهكذا نقوم بأدوار عملية لمواجهة الطائفية، وهو أمر يحتاج إلى تعاون الجميع حتى ننزع فتيل الطائفية بكل ألوانها، لنصل إلى العيش والتعايش بسلام ومحبة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©