السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مالك بن نبي·· رائد الإصلاح رغم المحن

مالك بن نبي·· رائد الإصلاح رغم المحن
30 سبتمبر 2007 23:35
مالك بن نبي من أعلام الفكر الاسلامي في القرن العشرين، وأفكاره ودعواته الاصلاحية أسست لمدرسة فكرية رائدة تعتبر من أكثر المدارس التي كان لها أثر واضح وعميق في تحديد وصنع ملامح الفكر الاسلامي الحديث، وهو مفكر اسلامي من طراز فريد، تميز عن معاصريه ولاحقيه، ووقف حياته على دراسة مشكلات وقضايا الامة الاسلامية والعمل على النهوض بها منطلقاً من رؤية حضارية شاملة نابعة من واقع وتراث الثقافة الاسلامية، والبعض يعتبره أول باحث حدد أبعاد المشكلة الحضارية الاسلامية وحدد العناصر الاساسية في الاصلاح وجاهد طويلا في سبيل العمل بها وترسيخها، ويعتبر اول مفكر اسلامي وضع منهجا محددا في بحث مشكلة المسلمين على اساس من علم النفس والاجتماع، ومن ناحية أخرى كان مالك بن نبي مناضلا وخطيبا مفوها قاوم الاحتلال الفرنسي وساهم في ايقاظ الشعب الجزائري والعربي برمته وزرع فيه معاني التجديد والاصلاح والتحرر، وكان طوال حياته مفكرا وفقيها ملء السمع والبصر، وكان يتنقل بين العواصم والمدن مقاوماً الظلم والاستبداد، ومبشرا بأفكاره الاصلاحية، غير انه مات وحيدا ومعدماً في حادث عارض· تحول فكري مالك بن نبي ولد في مدينة قسنطينة شمال الجزائر عام 1905 لأسرة فقيرة محافظة، وفي طفولته انتقل مع اسرته الى قرية ''تسبة'' حيث نال تعليمه الابتدائي والاعدادي، ونظرا لتفوقه عاد الى قسنطينة في منحة دراسية بمدرستها الثانوية، في ذلك الوقت كانت الحرب العالمية الاولى قد وضعت اوزارها، وكانت مدينة قسنطينة تغلي بالحس الوطني والفكر الاصلاحي، وكانت تشهد معركة حامية بين الوطنيين بقيادة الأمير خالد حفيد الأمير عبدالقادر الجزائري والمستعمرين بقيادة الحاكم الفرنسي للمدينة، ودراسة مالك بن نبي فيها كان لها أثر على نفسه واتجاهه الفكري فيما بعد، فقد تتلمذ على العدوين اللدودين، الاساتذة الوطنيين الذين زرعوا فيه بذرة العمل الوطني والمقاومة، والاساتذة المحتلين الفرنسيين الذين نبهوه مبكرا جدا الى خطورة الاستعمار الفرنسي على الشخصية والثقافة الجزائرية الاسلامية· البحث عن عمل غير انه ما كاد ينهي دراسته الثانوية في قسنطينة حتى دفعته الحاجة للعودة الى قرية ''تسبة'' للبحث عن عمل، وبعد مجهود اشتغل موظفا بسيطا في محكمة جنوب الجزائر، ولكنه لم يستقر فيها طويلا، وتحت قسوة الفقر والحاجة بدأت تراوده فكرة السفر الى فرنسا للعمل، وأيامها كان يقول ''لابد أن نفتح لأنفسنا بابا على العالم طالما كل الابواب موصدة في الجزائر''، واتفق مع زميل له على السفر، وركبا الباخرة من سكيكدة ونزلا في مرسيليا، وهناك ذاقا الأمرين في البحث عن عمل، أي عمل، الأمور وصلت لدرجه انهما جاعا، واضطر مالك بن نبي لبيع معطفه الجديد بثلث ثمنه حتى يستطيع السفر الى مدينة ليون عله يجد عملاً، وبالفعل تجول وتشرد اياما في ليون حتى اشتغل عاملا بمصنع للأسمنت، وكان عمله يتلخص في حمل الآجر وأكياس الاسمنت ذات الخمسين كيلو جراما طوال النهار· وبالطبع لم يصبر على عمله، وانتقل الى باريس واشتغل فترة في مصنع للمشروبات، ولم يصبر عليه ايضا، وقضى اياما صعبة بين الفشل في الحصول على ما يسد الرمق في بلاد الغربة وبين الحنين الجارف للأهل والعشيرة والوطن، وفي النهاية قرر أن يطلب العون من أسرته، وأرسل لهم يطلب مالاً حتى يستطيع العودة أو الفرار من بلاد الجن والملائكة، وفيما بعد قال في مذكراته ''لم أعرف من باريس إلا أرصفة نيكولا الفارغة والمملوءة، وعرفت عن بعد برج إيفل، وعدت الى الجزائر وعاد معي نفس السؤال الذي دفعني للسفر: ما العمل؟''· ووصل مالك بن نبي الجزائر عام ،1927 واشتغل موظفا في محكمة ''آفلو'' عاماً والتف حوله الناس وبدأت افكاره الاصلاحية تذيع وتنتشر وترسخت معرفته وإيمانه بفضائل الشعب الجزائري التي يهددها الاستعمار الفرنسي، غير انه سرعان ما غادر ''آفلو'' وعاد الى ''تسبة'' وشارك زوج أخته في مشروع تجاري انتهى سريعا بخسارة كبيرة وخيبة طاحنة، وتحت تأثير الصدمة تجدد تفكيره في السفر كمنقذ من أزمته الكبيرة، ولكن هذه المرة بتمهل وإعداد جيد، ووقف معه والداه وقالت له أمه: سافر الى باريس وتابع دراستك· وقال أبوه: سوف نرسل لك ما تحتاج اليه كل شهر· ولم تمر ثلاثة اشهر حتى كان مالك بن نبي مستقلا الباخرة من مدينة عنابة الى مرسيليا مرة اخرى، ومن هناك استقل القطار الى باريس ونزل في محطة ليون، مصمماً على عدم العودة مرة اخرى ومواصلة المشوار حتى نهايته، وطمح الى الدراسة في معهد الدراسات الشرقية على أمل أن يتخرج محامياً حسب وصية والده، وذاكر وقرأ وهيأ نفسه لامتحان الدخول، واجتازه وكله ثقة بالنجاح والالتحاق بالمعهد، ولكن النتيجة جاءت مخيبة للآمال، ليس لأنه أخفق في الامتحان، ولكن لأن عنصرية المحتل الفرنسي كانت تحول دون دخول الطلبة الجزائريين المسلمين معهد الدراسات الشرقية، وقد أثر هذا الرفض في نفسه طويلا وكاد يحبط آماله في التحصيل والدرس، وروى وقائعه بمرارة قائلاً ''لقد طلبني مدير المعهد، وفي هدوء مكتبه الوقور شرع يقنعني بعدم جدوى الدخول لمعهده، فكان الموقف يجلي أمامي بكل وضوح هذه الحقيقة: أن الدخول لمعهد الدراسات الشرقية لا يخضع بالنسبة لمسلم جزائري لمقياس علمي وإنما لمقياس سياسي، ونزلت كلمات المدير علي نزول سكين مقصلة على عنق معدوم، ففي ذلك اليوم لم يتحطم أملي فقط ، بل شعرت ايضا بأن حلم والدي ووالدتي تحطم على ضخرة الارادة المقررة في خبايا الاستعمار في فرنسا كما في الجزائر''· وأمام هذا الرفض المتعنت اضطر مالك بن نبي لتعديل مساره التعليمي، والتحق بمدرسة ''اللاسلكي'' القريبة من معهد الدراسات الشرقية، وتخرج مساعد مهندس على غير حلمه وحلم والده في دراسة القضاء والسياسة، ولكن تشاء الأقدار أن دراسته التقنية الصرفة في مدرسة اللاسلكي تكون مدخله لعالم الفكر والسياسة وبالتالي دعوته المدوية للإصلاح والتجديد، فعمله التقني رفع لديه الحس الوطني، وأشعره بالمسؤولية تجاه مجتمعه وضرورة إخراجه من ويلات التخلف للأخذ بأسباب الحضارة والثقافة الحديثة· وانغمس في الدراسة والحياة الفكرية وأخذ اسمه يبرز كمفكر اسلامي مستنير يسعى للاصلاح والتجديد، وتزوج فرنسية وأقام في فرنسا، وكان يتردد احيانا على الجزائر· العودة بعد إعلان الثورة المسلحة في الجزائر سنة 1954 انتقل الى القاهرة وقوبل بترحيب كبير من مفكريها ومثقفيها، وتنوعت مؤلفاته في الفكر والاصلاح والحضارة، وفي سنة 1956 عاد الى الجزائر وعين مديراً للتعليم العالي، وظل يشغل هذا المنصب حتى استقال سنة 1967 ليتفرغ نهائياً للكتابة والفكر والدعوة للاصلاح والتجديد، غير أنه في آخر أيامه عانى العزلة والفقر، ورحل وحيداً ومعدماً في حادث عارض عام ·1973
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©