الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تزييف العملة في دولة بني تغلق

تزييف العملة في دولة بني تغلق
30 سبتمبر 2007 23:38
كانت قبائل جغتاي المقاتلة في السهوب الآسيوية حجر عثرة في سبيل محاولات المغول فرض سيطرتهم على هذه الانحاء، ولذا تقاسموا النفوذ معهم، وظلت جغتاي تمثل تلك الصلة والقرابة القريبة بين أبناء العمومة من المغول والاتراك باشتغال ابنائها بالجندية اينما حلوا، ومن جغتاي جاء غازي ملك تغلق الذي أسس لاسرته ملكاً عريضاً في شبه القارة الهندية لقرابة مائة عام· بدأ غازي ملك تغلق حياته جندياً في خدمة الخلجيين حكام الهند وافغانستان، وسرعان ما علا نجمه في الحروب التي خاضها السلطان علاء الدين الخلجي لدفع خطر المغول عن بلاده ووجد ضالته في قتل خسرو قائد الجيش، فبعد نجاح الاخير في قتل قطب الدين مبارك شاه آخر حكام الخلجيين قام غازي ملك بتصفية خسرو الضعيف، واستولى على عرش دهلي في شعبان سنة 721 هـ/1321م، ونجح ابنه السلطان محمد تغلق في توسيع حدود سلطنته لتمتد من الهملايا شمالاً الى بلاد الدكن جنوباً، ومن البنغال الى ارض الافغان شرقاً، فكان اعظم سلاطين بن تغلق، وبعد وفاته تقلص نفوذ ملوك هذه الاسرة قبل ان يغزو التيموريون ممتلكاتهم ويضعوا نهاية لدولة بني تغلق بوفاة السلطان محمود تغلق سنة 814هـ 1412م· النحاس بدلاً من الذهب والتاريخ النقدي لهذه الدولة حافل بالمتغيرات والاحداث ولاسيما من زاوية الحرص على الاشارة للخليفة العباسي مع علم سلاطين هذه الدولة بأن خلافة العباسيين قد انهارت على ايدي أعدائهم من المغول، وأن الخليفة العباسي القابع في القاهرة تحت سيطرة المماليك ليس سوى اسم بلا معنى· ففي الدنانير التي اصدرها السلطان غياث الدين تغلق في دهلي سنة 723هـ تمت الإشارة الى أن السلطان هو ناصر امير المؤمنين دون تعريف باسم الخليفة الذي لم يكن معروفاً لبلاط السلطنة في دهلي· وعندما جاء محمد تغلق شاه الى السلطنة في عام 725هـ 1325م شرع في اجراء تعديل جوهري على النقد المتداول بالتخلي عن القيمة السلعية للنقود الذهبية والفضية، وهي التي حفرت للمعدنين الثمينين مكانهما التليد وسط النقود المعدنية منذ العصور الحديثة باستخدام عملات النيكل، ثم العملات الورقية كوسيط للتبادل السلعي بمعزل عن قيمتها السلعية او الجوهرية· ووفقاً لهذا الاجراء الريادي قام محمد تغلق في بداية عهده بضرب عملة نحاسية جديدة واعتبرها في مقام الدنانير الذهبية والدراهم الفضية، وذلك بضمان بيت المال، ولكن التجار في الاسواق رفضوا التعامل بهذا النقد الجديد، وصاروا يتعاملون به على اساس قيمته المعدنية الحقيقية كنحاس· وانضم التجار الاجانب لصفوف الرافضين لهذه النقود التي عرفت آنذاك بالاجبارية، لإجبار الدولة الناس كي يتعاملوا بها، وصاروا يبيعون وارداتهم بالذهب، ويشترون صادراتهم بالنحاس، ووقع ما لم يكن في حسبان محمد تغلق اذ نشأت دور سرية أهلية لسك عملات مزيفة من النحاس تقلد عملة الدولة، وأمام ذلك اضطر تغلق شاه الى سحب العملة النحاسية المزيفة من التداول، ودفع لاصحابها ما يعادل قيمها الاسمية ذهباً وفضة ولما لم تكن لدى ادارته القدرة على تمييز اصدارات الدولة عن غيرها من النقود المزيفة فقد منيت الحكومة بخسائر فادحة خلال هذه العمليات كلها التي استمرت عامين 730- 732هـ· وعاد محمد تغلق الى إصدار النقود الذهبية، فضرب بعضها باسم والده غياث الدين فقط بمناسبة الاحتفال بذكرى وفاته، وسجل بها في مركز الوجه ''السلطان/السعيد الشهيد/ الغازي غياث الدنيا/ والدين''، وفي مركز الظهر ''ابوالمظفر/ تغلق شاه السلطان/ أنار الله برهانه''· كتابات مركزية في إصدار آخر سجل محمد تغلق الذي كان يحب الخلفاء العباسيين اسم الخليفة العباسي المقيم بالقاهرة، وكان ذلك في دنانير من ضرب دولت أباد عام 745هـ، وسجل في مركز الوجه ''ضرب هذا الدينار/ الخليفتي في الدولت أباد شهور/سنة خمس وسبعمائة/ واربعين'' أما مركز الظهر فقد نقش به ''في زمان الامام/المستكفي بالله امير المؤمنين ابوالربيع/ سليمان/ خلد الله خلافته''· ولمحمد تغلق طراز ثالث من الدنانير الذهبية يختلف كلياً عن الطرازين السابقين من حيث الشكل، حيث احتوى على كتابات مركزية وهامشية في كل وجه، وايضاً من حيث المضمون، فعلى مركز الوجه ''لا اله الاالله/ محمد رسول الله''، وفي هامشه ضربت هذه السكة بحضرت دهلي في سنة خمس وعشرين وسبعمائة، أما على الظهر فنجد في المركز ''المجاهد في سبيل الله/محمد بن تغلق شاه'' وفي الهامش ''ابوبكر/عمر/عثمان/علي''· وعاد السلطان ليسجل في بعض الدنانير شهادة التوحيد بصيغة غير سبوقة في نقوش النقود الاسلامية، ونصها ''أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله''، وكأنه يشير الى بدايات أذان الصلاة· وقد حافظ سلاطين بني تغلق من أمثال فيروز شاه الثالث 52-790هـ، وتغلق شاه الثاني 90-791هـ، وحتى آخرهم محمود شاه 795-814هـ، على تسجيل اسم الخليفة العباسي على نقودهم، سواء عرفوا اسمه أمير المؤمنين ابو الفتح او لم يعرفوا اسمه، وفي الحالة الاخيرة كان يشار اليه باعتباره امير المؤمنين خلدت خلافته، وكان في ذلك التقليد وفاء لدولة الخلافة العباسية، ربما لأن آخر خلفائها كان قد قتل على يد المغول الاعداء الالداء للجغتاي·وضرب سلاطين بني تغلق أيضاً أنواعاً شتى من النقود الفضية والنحاسية، وإن جاءت اقل شأناً من دنانيرهم الذهبية·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©