الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

في العراق··· التغيير الذي لم يحدث!

في العراق··· التغيير الذي لم يحدث!
20 ابريل 2009 02:54
لا يمكن أن أجد كلمة أصف بها الفرق بين بغداد التي شاهدتها عام ،2006 وتلك التي شاهدتها الشهر الماضي، أفضل من كلمة ''مُعجِز''· لقد شاهدت العائلات وهي تخرج للترويح عن نفسها في المتنزهات المنتشرة على امتداد ضفتي نهر دجلة، كما شاهدت طلاب جامعــة بغداد وهم يرقصــون أثناء حفــل أقيم داخل حرم الجامعة، وشاهدت المطاعم والمحال التجارية وقد غصت بالمتسوقين· بل طفت أرجاء بغداد على متن سيارة غير مدرعة، ونزلت منها، وسرت في شارع تجاري مزدحم، دون أن أرتدي درعاً واقية، وهو شيء كان مجرد التفكير فيه أمرا غير وارد في السابق· وفي عينيّ الغربيتين فقد بدت الحياة في العاصمة التي مزقتها الحرب، طبيعية على نحو سريالي، وكان الأمر مختلفاً بالنسبة للعراقيين الذين تحدثوا مع طاقم برنامجنا التسجيلي، حيث أصروا على تأكيد الطبيعة الهشة والمحدودة للتغيرات الإيجابية التي شاهدناها· وعلى ما يبدو فإن رؤيتهم كانت صحيحة، بدليل أن الشارع التجاري المزدحم الذي سرت فيه مطمئنةً تعرض إلى حادثي تفجير أديا إلى إصابة سبعة عراقيين في اليوم التالي مباشرة· وكما شرح لي طالب جامعي'' لم يعد العراق هو أرض الموت، لكنه لم يصبح بعد أرض الأحياء، حيث نتوقع أن نموت في أي لحظة''· وقد اتضحت لي خلال رحلتي هذه بعض المجالات التي تغير فيها العراقيون للأسوأ، وعلى رأسها مجال الفساد المتفشي· لقد تعرفت على السبب الذي جعل العراق ثاني أكثر دول العالم فساداً، حسب التقرير السنوى لمنظمة الشفافية الدولية حول أحوال الفساد في العالم· فالشخص الذي كان مكلفاً بتسهيل مهمتنا في العراق، كان مضطراً لدفع بقشيش، ليس فقط لتأمين أبسط المواعيد، وإنما أيضاً لتأمين أفراد من الشرطة لمرافقتنا خلال الجولات التي قمنا بها· في إحدى المرات استفسرنا من مرافقنا عن إمكانية زيارة إحدى المدارس في ضاحية صغيرة لبغداد، فكان رده ممزوجاً بنبرة استنكارية: ''لن يكون بمقدوركم أبداً زيارة هذه الضاحية''· وعندما ظهرت على وجوهنا علامات الدهشة، فسر لنا ما يقصده بقوله إن الأمر لن يتطلب فقط، كما كان يحدث في الزيارات السابقة، دفع الرشوة المعتادة للشرطة، وإنما سيتطلب كذلك أن تكون هذه الرشوة أعلى من المبلغ السخي الذي يمكن لمرافقنا الأمني الحصول عليه من الإرهابيين مقابل رؤوسنا! ويمكن القول إن التحول على الجبهة السياسية كان إجرائياً إلى حد كبير· فانتخابات المحافظات الأخيرة، وإن كانت نزيهة نسبياً، فإنها أسفرت عن منح مزيد من السلطة لحزب إسلامي مقابل الأحزاب الأخرى، وأظهرت في الوقت نفسه رغبة العراقيين في وجود رجل قوي يقبض على زمام السلطة في البلاد· فالتصويت الأخير الذي عزز من نفوذ رئيس الوزراء نوري المالكي الذي يزداد ميلا إلى السلطوية وتركيز الأمور في يده، كان رد فعل طبيعيا للحكومة غير الفعالة التي جاءت بها العملية الديمقراطية إلى السلطة، كما يقول السياسيون· عندما ناقشنا ما جلبته الديمقراطية للعراق مع أحد زعماء السنة السياسيين، رد محتدا: ''أية ديمقراطية؟ بالنسبة للشعب، لا تعني الديمقراطية سوى مجرد عملية مشلولة ووضع أمني كارثي''· ثم أضاف: ''بالنسبة للمالكي، فهو يظهر في الوقت الراهن نمطاً من القيادة شبيها بنمط صدام، وهو يغطي على ميوله العشائرية والطائفية بنوع من الخطاب القومي الذي يروم من ورائه كسب قبول شعبي''· مع وجود حكم شبه صدامي، وموقف أمني هش وعرضة للانهيار··· بدأت أتساءل إذا ما كان هناك تغيير حقيقي قد تم في العراق بالفعل؟ كانت الإجابة التي وصلت إليها هي: لم يحدث تغيير ذا شأن، حتى الآن على الأقل· السبب في ذلك، كما قال لي العراقيون، هو أن ''التغيير الحقيقي يأخذ وقتاً، ربما يمتد لأجيال''· فالصدمة التي سببتها إطاحة التحالف الذي تقوده أميركا بنظام صدام حسين، كانت صدمة بمعنى الكلمة، وليست عملية تحويل فوري لنفسية شعب فاقد للعزيمة إلى شعب ديمقراطي· لأول مرة رأيت كيف بالغت الولايات المتحدة في تقدير قدرة العراقيين، عندما قالت إنهم قادرون على تحمل التحول العاصف -خلال أيام فقط- من نظام شمولي إلى فراغ سياسي خطت بداخله أميركا المتخبطة وغير المستعدة كي تبني ديمقراطية· إن الانتقال من نظام يشغل كل شبر في فضاء العراق، إلى نظام من الفراغ الكامل، كان صدمة مزلزلة، وهو ما يفسر اندلاع أعمال السلب والنهب بعد سقوط النظام مباشرة· لقد نجحت أميركا بالفعل في إطاحة الديكتاتور، لكن التغير الاجتماعي الحقيقي الذي كان كفيلا بإزالـــة الديكتاتـــور من قلـــب كل عراقي، ســــوف يحتــــاج إلى وقـــت، وينبغـــي أن يتـــم من قبل العراقيين أنفسهم· إن التغيير الحقيقي، وهم تحقـــق حلم العـــراق كدولة متسامحة، تعددية، منفتحة، وملتزمة بالقانون··· لا يمكن أن يولد من رحم عملية سياسية تتم عبر دمج القوى والمحافظة على المصالح· إن التغيير الحقيقي يتطلب تحولا بخطوات صغيرة، ومتدرجة على المستوى الاجتماعي والفردي، من خلال التعليم المطوَرْ، والبرامج التي تركز على الاحترام وقبول الآخر والتسامح الديني· ورغم أن هذا النوع من الإصلاحات التي تعتمد على القواعد الشعبية، يختلف مع الحلول المؤقتة والسريعة التي تركز عليها السياسة الأميركية عادة، فإنها في نظري تمثل الطريق الوحيد لتحقيق التغيير الدائم والباقي الذي يحتاج إليه العراق· لقد ساعدت الولايات المتحدة في وضع العراق على طريق الإصلاح الذي لا يزال في بدايته، لكن ذلك لا يعني أن العراق سيظل سائراً على نفس الطريق، لأن إمكانية الإنقلاب حقيقية، والعبوات الناسفة والهجمات المسلحة عادت مجدداً وبشكل متزايد، في الوقت الذي يقيد فيه الفساد والبيروقراطية الفوضوية النمو الاقتصادي· وبينما تتأهب الولايات المتحدة لتنفيذ انسحابها المخطط، فإنها يجب أن تدرك أنها سوف تترك وراءها عراقاً ضعيفاً ممزقاً ومجرداً من إنسانيته، وإن كان يسير على الطريق الصحيح، ويجب علينا ضمان بقائه في هذا الطريق· جانيسا جانز مسؤولة أميركية سابقة خدمت في العراق، وتترأس حالياً معهد الفرات ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©