الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المسألة الدينية... الثوابت والمتغيرات

11 فبراير 2012
بات الحديث عن المسألة الدينية من الأمور التي تتطلب جدية في البحث، على اعتبار أن هذا المكون يعتبر رافداً أساسيّاً في تشكيل عقلية وتصرفات الأفراد داخل المجتمع، والذي ظهر بشكل واضح في نسبة التصويت التي أدت إلى حصول بعض الأحزاب الدينية على نتائج إيجابية في انتخابات ما بعد الثورة في كل من تونس ومصر والمغرب. والخطورة هنا لا تكمن في الدين نفسه كمكون لثقافة المجتمع، فالإسلام جاء ليرتقي بإنسانية البشر، وإنما تكمن في تباين التفسيرات وهيمنة التأويلات المرتبطة بالماضي، بصرف النظر عن مدى صحة مضمونها، وندرة التفسيرات العصرية المدركة لسنن التطور للمجتمع البشري. وقد أسس القرآن الكريم نفسه في آيات كثيرة لهذا المبدأ، وهو مبدأ التعلم من تداول الأيام واستخلاص السنن والعبر والأحكام… وبالتالي فإن احتكار الدين وتوقيف الزمن ورهن عقل المجتمع مما يتنافى مع المبادئ العامة والقيم التي جاء بها الدين الحنيف. وفي هذا الإطار ينبغي التمييز بين المبادئ والقيم التي جاءت بها الأديان، ومنها الدين الإسلامي، وبين الأفكار البشرية وما يستجد فيها من تطورات وتغييرات، حيث إن الأفكار والقيم أمور ترتبط في الأساس بالفطرة البشرية وبالتالي فالقيمة نفسها المرتبطة بفطرة الإنسان قد لا تختلف في مضمونها في الماضي عنها فيما هو موجود الآن. فمثلاً قيمة العدل أو قيمة الحرية والخير والحق كلها قيم مرتبطة بالفطرة، قد تكون تعرضت للتراجع في مراحل زمنية معينة إلا أن الإنسانية دوماً تسعي لتحقيقها مهما كان الابتعاد عنها لظروف مرتبطة بالاستبداد وغياب العدل. ومن هنا فتاريخ القيم الإنسانية ليست له جنسية واحدة تحتكره، فهي ملك لكل البشر، وقد ساهمت في إثرائها ليس فقط الديانات جميعاً، بل كذلك تجارب الحضارات الإنسانية التي تعاقبت على مدار آلاف السنين، بما فيها الحضارات التي سبقت ظهور الديانات السماوية الثلاث (اليهودية، والمسيحية، والإسلام). فالسنن الكونية مرتبطة بعملية التدافع والتفاعل في المجتمعات الإنسانية منذ ظهورها على وجه الأرض. ولذلك كانت السنن الكونية متحققة منذ تلك اللحظة وإلى الآن ونافذة. فمسألة الرزق على سبيل المثال بمنطق الدين، لا تقتصر على فئة دينية دون أخرى، ولا تقتصر على أصحاب الديانات السماوية دون الديانات الأرضية، ولا على المؤمنين دون غيرهم، فهذه السمة تعم الكل، فالله يرزق جميع الناس والدواب وكافة مخلوقاته، سبحانه وتعالى. ومن هنا فإن هذه الوحدة في السنن الكونية تدحض احتكار أي فئة للدين. ولعل أول شيء كانت تؤكد عليه الديانات هو الحرية، ليس فقط من الاستبداد والقهر، وإنما حرية العقل بمعنى أن يؤمن المؤمن عن طريق العقل والاقتناع. لقد أخذ حضور المسألة الدينية في العقود الأخيرة أشكالاً مختلفة سواء داخل المؤسسة الدينية الرسمية أو خارجها عن طريق تفشي ظاهرة الإسلام السياسي في شكل جماعات وفرق تبني رؤيتها على نفس النهج المرتبط باحتكار الدين وبتفسيراته الماضوية، مستغلة في ذلك ضعف شرائح معينة الناتج عن الفقر والجهل وقمع السلطة السياسية، لنشر فكرها، مما أدى إلى أن يصبح التدين لدى العامة وكل ما يرتبط به من ممارسات، بمثابة أداة تعبوية وحشد لأصحاب الأجندة الدينية. إن تاريخ الأفكار يؤكد أن الصالح منها يجد طريقه التلقائي للتطبيق على أرض الواقع بدون فرض أو إجبار. ولعل أظهر الدعوات التي تحملها تلك الجماعات سواء المعتدل منها أو المتطرف هو الدعوة لإقحام الدين في السياسة. وتحت هذا المسمى أفكار كثيرة فضفاضة لا تمت بصلة للواقع الذي تنادى برفضه. فعند النظر إلى فلسفة الحكم في الوقت الحاضر في النظم السياسية الغربية نجد أنها تميز بين جوهر عملية الحكم وتسيير شؤون المجتمع. والثاني مرتبط بشكل هذا النوع من الحكم، حيث في المعنى الأول نجد أنه حدث ما يشبه مأسسة للقيم الإنسانية الصالحة كالعدل والحرية، على سبيل المثال، في سلوكيات وثقافة المجتمع، الأمر الذي جعل من هذه الثقافة وتلك المؤسسات التي تترجم فيها، بمثابة القيّم على شكل عملية الحكم، وبالتالي فإن النظام السياسي الحاكم ما هو إلا تابع لهذا النظام الثقافي العام يتحرك وفقاً له وليس هو المحرك له، ويتضح ذلك على سبيل المثال في نمط اختيار رئيس جمهورية عن طريق الانتخابات لفترة محددة ثم بعد ذلك يترك الحكم لرئيس جمهورية جديد يأتي بانتخابات، وأيضاً ظاهرة محاسبة هذا النظام السياسي وفقاً لنمط مأسسة القيم والثقافة في المجتمع في حالة ما ارتكب خطأ. وليس من المهم مأسسة المجتمع وثقافته بقيم كالعدالة والحرية وإنما المهم في نظر جماعات الإسلام السياسي هو تسكين الشكل سواء في سلطة دينية تستلب هوية الأفراد، وتهتم بالشكل على حساب المضمون وبالفرد على حساب المجموع وبالرأي الواحد على حساب الآراء الأخرى وبالتفسير الواحد للدين على غيره من التفسيرات.. ومن هنا يتأكد جوهر أن تلك المصطلحات الفضفاضة التي تروج لها بعض جماعات الإسلام السياسي ما هي إلا خدعة كبيرة قد لا تحقق العدل والحرية بقدر ما تكون إطاراً تسلب فيه إرادة وحقوق البشر تحت مسمى الدين. عزمي عاشور - كاتب مصري ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©