الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

وما أرسلناك إلا رحمـة للعالميـن

وما أرسلناك إلا رحمـة للعالميـن
10 فبراير 2011 19:30
يحتفل العالم الإسلامي في هذه الأيام المباركة من شهر ربيع الأول بذكرى مولد سيدنا وحبيبنا محمد- صلى الله عليه وسلم-، هذا النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - الذي أرسله ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً. لقد كان ميلاد- صلى الله عليه وسلم- نقطة تحول هائلة في تاريخ الإنسانية، وفاتحة خير على الدنيا بأسرها من شرقها إلى غربها، وحين صافح سناه الوجود، أشرقت الأرض بنور ربها، وتهاوت قلاع الشرك والوثنية، وارتفعت راية التوحيد وانتصر الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا. هذا الرسول الكريم الذي تحمل عناء الدعوة وواجه من الصعاب والمشاق ما تنوء بحمله الجبال، وسار فوق أشواك الوثنية والعبودية، ليحرر الإنسان من الأصفاد، ويعيد صياغة الإنسان السوي الفاضل، فَحُقَّ لهذه البشرية أن تنحني له إجلالاً وتعظيماً وإكباراً. ولم يعرف التاريخ قديمه أو حديثه شخصية أبعد أثراً في النفوس وأعمق تأثيرا في القلوب من محمد- صلى الله عليه وسلم- الذي نال منزلة دونها كل منزلة، واستأثر بحب يتضاءل أمامه كل حب سوى حب الله سبحانه وتعالى. وسنعرض في مقالنا هذا بعض المواقف من سيرته العطرة- صلى الله عليه وسلم: رحمته- صلى الله عليه وسلم - ذكرت كتب الحديث أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يؤم المصلين في مسجده، وإذ به -عليه الصلاة والسلام- يسمع بكاء طفل فيسرع في الصلاة رحمة بهذا الطفل، مع أن الرسول- عليه الصلاة والسلام -كان يناجي ربه في صلاته (أرحنا بالصلاة يا بلال)، ولكن مع ذلك الحب للقاء ربه في الصلاة، إلا أن رحمته بهذا الطفل دعته للإسراع في صلاته. كما روي أنه - صلى الله عليه وسلم- كان جالساً مع أصحابه فجاءهم رجل من الصحراء بجفاوة طبع أهلها وقسوة قلوبهم، فسأل عن الرسول- صلى الله عليه وسلم-، فوجده يقبل أحفاده - الحسن والحسين- رضي الله عنهما-، فسأل رسول الله مستغرباً، يا رسول الله أتقبلون صبيانكم؟! فأجابه الرسول- صلى الله عليه وسلم-: نعم، فقال الأعرابي: يا رسول الله إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم واحداً، فماذا كان جواب الرحمة المهداة، قال له- صلى الله عليه وسلم- : (أو أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك، من لا يرحم لا يرحم)، (أخرجه الترمذي). هذا رد على أولئك الآباء الذين يضيقون بأبنائهم، ويتركون بيوتهم، ولا يستمتعون بالجلوس مع أهليهم، مع أن الرسول-عليه الصلاة والسلام- يقول: (وليسعك بيتك). فأي رحمة هذه؟ إنها رحمة الحبيب -صلى الله عليه وسلم - بأمته، فلماذا لا نتراحم فيما بيننا {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ} (سورة الفتح الآية 29)، لماذا لا يرحم القوي الضعيف، والغني الفقير، ونكون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى؟ لعل الله يخرج من أصلابهم من يعبد الله أخرج الإمام البخاري في صحيحه أن أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- قالت للنبي- صلى الله عليه وسلم - : هل أتي عليك يوم كان أشدّ من يوم أحد؟ قال: «لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشدّ ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي ، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردّوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلّم عليّ، ثم قال: يا محمد، فقال: ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً « (أخرجه البخاري). لقد بدأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم دعوته بالحكمة والموعظة الحسنة، فها هو - صلى الله عليه وسلم - يذهب إلى الطائف لعله يجد الأنيس والنصير، فسبوه وشتموه ورجموه، فجاءه الملك يعرض عليه أن يطبق عليهم الأخشبين، فقال عليه الصلاة والسلام « اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون، لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحد الله»، لم يشتمهم ولم يلعنهم، بل دعا الله أن يهديهم، وفعلا استجاب الله دعاءه، وخرج- الصحابي الجليل عكرمة، وخرج من صلب أمية بن خلف- الكافر- الصحابي الجليل صفوان، وخرج من صلب الوليد بن المغيرة- الكافر- سيف الله خالد. فعلى الداعية أن يعامل الناس بلطف، وأن يرغبهم في دين الله، بالكلمة الطيبة والقدوة الصالحة، والنية الخالصة، حتى يوفقه الله ويشرح صدور الناس لقبول دعوته بفضله سبحانه وتعالى، فليس المؤمن بطعان ولا لعان، ولا فاحش ولا بذيء. توقيره- صلى الله عليه وسلم - للجميع كان رسولنا- صلى الله عليه وسلم- يزور عجائز المدينة، ولعل أحداً يسأل، لماذا لم يرسل- عليه الصلاة والسلام- أحداً من أصحابه- رضي الله عنهم أجمعين- ويبقى هو في بيته؟ فنقول: إن زيارته- صلى الله عليه وسلم- لعجوز في طرف المدينة خير من ألف محاضرة، وألف كتاب، وألف تصريح، وألف خطبة، وألف موعظة. فقد ورد أنه- صلى الله عليه وسلم - كان يزور العجوز فيسألها عن حالها، ويمسكه الإعرابي في الطريق فيوقفه حتى ينتهي من حاجته، ويحمل الأطفال ويداعبهم، وكان الفقير والمسكين والضعيف يأخذ بيديه- صلى الله عليه وسلم - فينطلق به حيث شاء، فزكاه ربه بتاج من الوقار والمديح والثناء لا يعدله شيء، {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (سورة القلم الآية 4). إن القلوب القاسية ترفض هذا السلوك وتسمية تنازلات وتدميرا للشخصية، وبعضهم يزعم بأنه إذا زار الفقراء أو وقف مع المساكين، سقطت هيبته وانهار كبرياؤه، ولذلك تجده يضيف على نفسه هالة من الكبر والعبوس والغلظة، فيمقته الله، ويسقطه من العيون، فلا تحبه القلوب .. ولا تدعو له الألسنة، ولا تعشقه الأرواح، ولا يجد قبولا في الأرض، بل بُغضاً ومقتا وكرها، وقد ورد أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: (إن المتكبرين يحشرون يوم القيامة في صورة الذر يطؤهم الناس بأقدامهم (أخرجه الترمذي). معجزات أكرم الله بها رسولنا- صلى الله عليه وسلم- تروي كتب الحديث والسيرة وقوع كثير من المعجزات الحسية التي أظهرها الله لمحمد- صلى الله عليه وسلم- وأكرمه بها، إضافة إلى المعجزة المعنوية الخالدة إلى يوم الدين، ألا وهي معجزة القرآن الكريم. ومن المعلوم أن أكثر المعجزات كانت تقع أمام جمع غفير من أصحابه الكرام - رضي الله عنهم أجمعين-، وغيرهم من غير المسلمين ممن يشهدون الواقعة، وقد يشاركون فيها كنبع الماء من بين أصابعه الشريفة، فقد شربوا منه حتى ارتووا، وملؤوا أوعيتهم، وإن كانت طعاماً فقد أكلوا منه حتى شبعوا وزاد بقية، وإن كانت أصواتٍ فقد سمعوها، وإن كانت أحوالاً للناس أو مخلوقات أخرى شاهدوها بأعينهم، فلا مجال للشك والريبة، فيما يرون ويسمعون ويحسون، وهم كثر لا يختلط الأمر عليهم، ولا يجدون إلا الإيمان والتصديق والتسليم بما جاء به الحبيب- صلى الله عليه وسلم- من الحق المبين. وكانت بركات رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تحل في الماء والطعام فتزيده إلى حد الكفاية وزيادة، وإذا وضع يده الشريفة على مريض نشط من عقال، وإذا وضعها في عدو ارتد خاسراً مهزوماً، وقد روى عنه أنه دعا بقدح فيه ماء، فوضع كفه فيه فجعل ينبع من بين أصابعه، فتوضأ جميع أصحابه وكانوا زهاء الثلاثمائة- رضي الله عنهم أجمعين. الشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك www.yousefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©