السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«سوق حلب».. شاهد آخر على الخراب!

10 ابريل 2016 23:50
منذ آلاف السنين، تأخذ مدينة حلب السورية موقعها النشط في ملتقى طرق التجارة العالمية الكبرى، فتربط بين آسيا والشام والهند وأوروبا، حيث كانت التوابل الهندية تجد طريقها من الشرق إلى الغرب عبر طريق الحرير. وتطورت المدينة إلى مركز قوة اقتصادية محلي أيضاً، بإنتاج النسيج والصابون والأصباغ. وأدى ازدهار التجارة إلى إنشاء شبكة من الأسواق المغطاة والمتداخلة في حلب، تمتد نحو ثمانية أميال. لكن المؤسف والمأساوي أنها أضحت شاهداً آخر على كثير من الخسائر الفادحة التي خلفتها الحرب السورية، في المناطق التي تقع على خطوط الجبهة في هذه المدينة المقسمة. وفي رحلة صحفية أخيرة، شاهدت أنا والمصور «لورينزو توجنولي»، الخراب مباشرة. وعند حدود المدينة القديمة في حلب، فحص الجنود السوريون أوراقنا الثبوتية، قبل أن يسمحوا لنا بالدخول إلى المنطقة، والتي تحولت الآن إلى ثكنة عسكرية. فتقف الدبابات عند أركان المباني، ويتطلب عبور الطريق الواسع المؤدي إلى مسجد حلب الكبير، الذي يعود تاريخ إنشائه إلى القرن الحادي عشر، والذي لا يمكن الوصول إليه حالياً، الإسراع والحذر لتفادي نيران القناصة. وبينما دخلنا الأزقة المتعرجة في السوق، شاهدنا آثار الرصاص المنتشرة على الجدران، وهذه المناطق ممتلئة بالأطلال والدمار. وفي عام 2012، اكتسحت النيران تلك الممرات المقوسة لكثير من هذه الأسواق القديمة، بينما خاض مسلحو المعارضة وقوات النظام معارك شرسة للسيطرة على المنطقة. وتكاد لا توجد مظاهر حياة هنا، باستثناء ظهور مجموعة من الجنود من حين لآخر، وصاحب محل واحد فتح أبوابه ليقدم للجنود القهوة. سلكنا طريقنا عبر «خان الخطين»، قبالة مبنى القنصلية البلجيكية المسطح. وهو واحد من 19 سوقاً في حلب تقدر الأمم المتحدة أنها تعرضت لدمار شديد، من 45 سوقاً تم فحصها عبر صور الأقمار الصناعية. ويعتقد المحللون التابعون للأمم المتحدة أن 11 سوقاً آخر تعرض للتدمير. وبعض هذه الأسواق يرجع إلى القرن الثالث عشر، وحتى وقت قريب كان بعضها من أفضل الأمثلة الباقية على نوعها في المنطقة. وكانت الأسواق المغطاة والباحات تتعانق مع المساجد. وفي الشتاء كانت أسقفها المتعرجة توفر ملجأً من مياه الأمطار، بينما تبدو مثل مكيف هواء طبيعي في أشهر الصيف الحارة. وكانت أكثر من مجرد عوامل جذب سياحية، فقد كانت تعيش فيها المجتمعات وتزدهر، وكانت جزءاً من النسيج العمراني وقلب المدينة. ولا يزال المدخل المدهش باللونين الأبيض والأسود لخان الوزير، أحد أشهر الأسواق في حلب، والذي كان مركزاً لتجارة الأقطان، شامخاً، وكذلك «جامع الصاحبية»، لكن الدمار لحق بكل شيء من حولهما. وتم نصب ألواح من الحديد المسنن للحيلولة دون نيران القناصة، على أكوام من الحطام في الشوارع. أما خان الصابون، وهو سوق لتجارة المنظفات، والتي تعتبر من أبرز المنتجات في حلب، فقد تعرض للتشويه. ودمرت متاجر كثيرة بحيث بات من الصعب تمييز ما كانت تبيعه. وفي بعض الأحيان تقدم تماثيل عرض الأزياء، التي تشبه جثث الموتى، بعض الدلالات. وكتب على إحدى لافتات المحلات «حلوى وشيكولاتة» باللغة الإنجليزية. ومن الصعب الآن تخيل أنه قبل خمسة أعوام كان ذلك المكان يعج بالسياح. وتضيق الممرات بينما تنحدر نحو القلعة القديمة، التي أصبحت الآن قاعدة للجيش السوري. ولم يعد فندق «كارلتون القلعة»، الذي تم إنشاؤه قبل 150 عاماً، موجوداً، نتيجة الدمار الذي تعرض له عقب قضاء إحدى الجماعات المتمردة أشهراً في حفر أنفاق من تحته، واستخدام متفجرات من حوله. وتعرضت حلب، المأهولة بالسكان منذ أكثر من سبعة آلاف عام، للسلب والتخريب مرات كثيرة على مر التاريخ. وكان للبيزنطيين والمغوليين نصيباً من ذلك. لكن الحرب الحالية لها الأثر التدميري الأكبر، وربما ضاع كثير من كنوز هذه المدينة إلى الأبد. يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©