الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإصلاح بين الناس

2 أكتوبر 2007 22:27
من أعظم الحقوق وأجلها وأرفعها منزلة عند الله تبارك وتعالى الإصلاح بين الناس، ولما له من أجر عظيم في الدنيا والآخرة، ففي حديث للنبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه: ''ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصدقة والصلاة؟'' أي درجة الصيام النافلة وصدقة النافلة والصلاة النافلة، فقال أبو الدرداء: قلنا: بلى يا رسول الله، قال: ''إصلاح ذات البين''· ومن يسعى لهذا الأمر لابد أن يكون مدركاً لمدى الأجر والثواب الذى سوف يحصل عليه من رب الأرض والسموات، وعلى قدر الأجر يكون العمل· ولذلك فالمصلح يبذل جهده وماله وكل ما يملك من أجل أن يوفق بين متخاصمين أو يصلح بين متشاحنين، وبالتالي فلابد أن يكون قلبه طاهرا ونفسه تواقة لفعل الخير، وتشتاق إليه ولا يضيق صدره عندما يقع في حرج مع الآخرين فى سبيل تخفيف هموم إخوانه· براءة من النار ولو تأملنا في الحديث الذى صدرنا به كلامنا لأدركنا أن ديننا دين عظيم، يتشوق إلى الصلح، ويسعى إليه، وينادي به، ويحبّب عباده فيه· فقال سبحانه وتعالى معالجا الشقاق والخصام (فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير)، وعن أنس -رضي الله عنه: ''من أصلح بين اثنين أعطاه الله بكل كلمة عتق رقبة''· وقال الأوزاعي: ما خطوة أحب إلى الله -عز وجل- من خطوة في إصلاح ذات البين، ومن أصلح بين اثنين كتب الله له براءة من النار· ولذلك أجاز الإسلام الكذب في مواضع محددة ومنها الإصلاح بين أهل الخصومة، فقال عليه الصلاة والسلام: ''ليس الكذّاب الذي يصلح بين الناس ويقول وينمي خيراً''، وقال ابن بابويه: إن الله أحب الكذب في الإصلاح وأبغض الصدق في الإفساد· فتنبهوا لذلك· ولابد أن ندرك جميعاً أن الخلاف أمر طبيعي، ولا يسلم منه أحد من البشر، فخيرة البشر حصل بينهم الخلاف فكيف بغيرهم، فالخلاف أمر طبيعي وأصيل فى الإنسان الذي يعتريه الشيطان والهوى قال تعالى: (ولا يزالون مختلفين· إلا من رحم ربك)· وها هم أهل قباء، صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أنزل الله فيهم قوله (فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) هؤلاء القوم حصل بينهم خلاف· حتى رمى بعضهم بعضاً بالحجارة· فذهب إليهم النبي ليصلح بينهم· وقد وقع خلاف بين صديق الأمة وفاروقها ولكن لم يزد عن كونه خلافا ولم يلبث إلا يسيرا، فالاختلاف لا يفسد للود قضية والخلاف وارد، لكن العيب هو الاستمرار والاستسلام للأخطاء· فلنأخذ من هذا الحق والواجب دافعا لنتحرر من الخصام والهجران والقطيعة بالصلح والمصافحة والمصالحة والتنازل والمحبة والأخوة حتى تعود الأمور إلى طبيعتها· وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: ''تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس فيُغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال: انظروا هذين حتى يصطلحا، انظروا هذين حتى يصطلحا، انظروا هذين حتى يصطلحا''· ولقد وجهنا النبى صلى الله عليه وسلم إلى أن نذهب إلى من قطعنا، ولو تكلم علينا، نذهب إليه المرة الأولى والثانية والثالثة ونسارع إليه بالهدية ونبتسم في وجهه ونتلطّف معه· وما أجمل قول النبى ''وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً''· فأنت إذا عفوت زادك الله عزا·· وإذا أصلحت زادك الله عزا·· وإن طردك ولم يفتح لك الباب رجعت وهذا من شيم الكرام·· قال الشاعر: وصل الكرام وإن رموك بجفوة فالصفح عنهم والتجاوز أصوب فلنجرب الصلح بين الناس، وليكن هذا العمل خالصا لوجه الله تعالى، فلا قيمة لعمل أو فعل قصد به غير وجه الله، ولنعلم أن الصلح سبب -بعد رحمة الله- لمغفرة الذنوب، قال تعالى: (ألا تحبون أن يغفر الله لكم)· آداب الإصلاح ومن الآداب التى يجب أن يتبعها المصلح لتحقيق هذا الواجب، أن يخلص النية لله، فلا يبتغي بصلحه مالا أو جاها أو رياء أو سمعة وإنما يقصد بعمله وجه الله (ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً)، وأن يتحرّى العدل ويحذر كل الحذر من الظلم (فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين)، وأن يكون الصلح مبنياً على علم شرعي وحبذا أن تشاور العلماء في ذلك وأن تدرس الموضوع من جميع جوانبه وأن تسمع كلام كل واحد منهما، ولا تتعجل في حكمك وتريّث فى الأمر، فالعجلة قد يُفسد بها المصلح أكثر مما يصلح، وعليه أن يختار الوقت المناسب للصلح بين المتخاصمين، بمعنى أنه لا يأتي للإصلاح حتى يهدأ الأمر وتزول نار الغضب؛ لأن الصلح وقت الغضب قد يترتب عليه ما لا يحمد عقباه، ثم بعد ذلك يكون الصلح· ومن أهم الآداب أيضا التلطّف فى الكلام، فالعداوة والبغضاء لا خير فيهما والنبي عليه الصلاة والسلام قال: ''لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام''· وليعلم من يقوم بالصلح أن الصلح بين الناس صدقة يقدمها العبد عن بدنه عملا بحديث النبي الذي يقول فيه: ''كل سلامى من الناس عليه صدقة·· وتعدل بين اثنين صدقة'' متفق عليه·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©