السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دوكات البندقية هزمت دنانير المماليك الجراكسة

دوكات البندقية هزمت دنانير المماليك الجراكسة
2 أكتوبر 2007 22:31
تميزت دولة المماليك الاولى بتنوع الاصول العرقية لسلاطينها، فكان منهم المغول والترك من مختلف القبائل، كما اتسمت سنواتها الاخيرة بطابع وراثي انحصر معه الملك في سلالة قلاوون، ولكن الجراكسة أو اتراك الشركس وضعوا نهاية لهذه الدولة وحصروا السلطنة فيهم وتخلوا كليا عن مبدأ التوريث، وعرفت هذه الدولة باسم الدولة الجركسية أو دولة المماليك البرجية؛ لأن المماليك بها كانوا يتربون في ابراج القلعة بينما عرفت الدولة الاولى بالبحرية لتربية المماليك بجزيرة الروضة وسط النيل، ورأس هذه الدولة الجركسية هو الملك الظاهر برقوق الذي حكم مصر والشام على فترتين أولاهما تمتد من 784هـ الى 791هـ واختفى بعدها قرابة عام ثم عاد لينقض على السلطان الطفل حاجي بن قلاوون ويجلس على العرش من عام 792هـ الى سنة 801 هـ· ومهما يكن من أمر السلاطين الذين تعاقبوا على عرش السلطنة، فقد شهد تاريخ التداول النقدي لهذه الدولة تقلبات وتغيرات حاسمة ولا سيما فيما يتصل بسك الدنانير الذهبية، فمن ناحية الشكل أصبحت كتابات الدنانير مركزية ترتب في اسطر متوازية مثلما نرى في دينار من عهد برقوق سجل على وجهه ضرب الاسكندرية سنة اربع/السلطان الملك الظاهر/ سيف الدنيا والدين بوسعيد/ برقوق خلد الله سلطانه/ وتسعين وسبعمائة'' وعلى الظهر ''الله/ وما النصر الا من عند/لا اله الا الله محمد/ رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق''· أما من الناحية النقدية فقد صادف بدء عهد هذه الدولة نهاية حقبة الرخاء العميم التي جنت مصر والشام أرباحها الذهبية بفضل تجارة الترانزيت بين الشرق الآسيوي والقارة الاوروبية، إذ اخذت الممالك الاوروبية في البحث عن طرق تجارية اخرى لتجنب دفع الجمارك الباهظة التي كانت سلطنة الممالك تفرضها على أحمال البهار في موانيها وهو ما قلل من كميات الذهب فضلا عن ان البرتغاليين في معرض محاولاتهم لاكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح، انحدروا مع مصاب نهر السنغال ووصلوا الى مناجم الذهب الافريقي وبدأوا تحويله الى اوروبا وكان هذا هو المصدر الرئيسي لحصول دور الغرب بالقاهرة والاسكندرية على احتياجاتهما من المعدن الثمين· اضطراب نقدي وأدى الاحساس بندرة الذهب الى زيادة الطلب عليه لاكتنازه، وابتداء من عهد الملك الناصر فرج بن برقوق اخذت الحكومة المملوكية تواجه مشكلة امتصاص المكتنزين لكل الذهب المسكوك، وزاد الطين بلة تسرب اعداد كبيرة من الدوكات او النقود الذهبية التي ضربتها جمهورية البندقية لتسهيل نشاطها التجاري في حوض المتوسط الى اسواق مصر والشام· ولما كانت هذه الدوكات تتسم بثبات وزتها 3,49 جرام وكمال استدارتها فقد فضلها المتعاملون لانجاز العمليات التجارية الكبيرة خاصة مع تغير اوزان الدنانير الجركسية ورداءة ضربها· وثمة عامل اضافي ينبغي ان يؤخذ في الحسبان ايضا وهو بريق الدوكات نتيجة لخلطها بنسبة من النحاس ''نصف قيراط مقابل 23,5 قيراط من الذهب'' فقد كان لون الدوكات مائلا للحمرة المحببة وسبيكتها اصلب من الدينار المملوكي المخلوط بالفضة وهو ما كان يجعل لونه اصفر مائلا للاخضرار· وحاول الناصر فرج اعادة الاعتبار للدينار المملوكي بالاسواق في محاولتين اصلاحيتين باءتا بالفشل· الاولى عرفت بالدنانير السالمية لإشراف الامير يلبغا السالمي عليها وصدرت هذه الدنانير بوزن المثقال أي وزن الدرهم الاسلامي 4,25 جرام في عام 804 هـ، واحتوت كتابات هامشية واخرى مركزية يتوسطها اسم فرج، ولكن هذه المحاولة لم يقدر لها النجاح لعدم كفاية كميات الذهب لإصدار عدد كبير منها اضافة الى ان المكتنزين اختزنوا الدنانير السالمية لارتفاع وزنها عن الدوكات· وفي عام 811 هـ حاول الناصر فرج ان يستفيد من تجربة السالمي فأصدر الدنانير الناصرية على اساس وزن الدوقة أو الدوكة البندقية، الا ان الدينار الناصري فشل هو الآخر في مهمة طرد الدوكات من اسواق التداول لقلة الوارد الى دار الضرب من الذهب· الدينار الأشرفي وجاء الأشرف بارسباي ''825-841 هـ'' ليحدث أهم وأخطر التحولات في تاريخ النقد الاسلامي بتخليه نهائيا عن سك الدنانير بوزن المثقال واللجوء الى وزن الدوكة وأصدر دنانيره الجديدة تلك في عام 829 هـ حيث عرفت بالاشرفية ''الدينار الاشرفي'' نسبة اليه وسرعان ما تبنت الدول الاسلامية في الهند وايران والاناضول ايضا ذات الوزن لعملاتها الذهبية التي عرفت ايضا بالاشرفي· وقد نجح الاشرفي في طرد الدوكات نتيجة لسياسة محكمة اتبعها الاشرف بارسباي، فهو من ناحية ضمن موارد ذهبية كافية لدور الضرب بإجبار البنادقة على دفع جمارك سلعهم بالدوكات لاعادة سكها وحث الفقهاء على اصدار فتوى تحرم تداول نقود الكفار المشخصة ''عليها صور'' وكان من حسن حظه ان انتصر في معركة بحرية شهيرة على ملك قبرص الذي حمل اسيرا الى القاهرة ونال الاشرف بارسباي دية ضخمة من النقود الذهبية لقاء الافراج عنه ووفرت له هذه الاحداث ما يكفي لإصدار اعداد من الاشرفيات تغطي احتياجات اسواق التداول النقدي· وأجرى الاشرف تخفيضا طفيفا على وزن وعيار الاشرفي وهو ما حفز المكتنزين على التوجه نحو الدوكات لاكتنازها بينما بقيت الاشرفيات متداولة وفقا لقانون جريشام الشهير ''العملة الرديئة تطرد الجيدة من التداول'' واستقر الاشرفي على طراز يعتمد على كتابة مركزية في اسطر متوازية تفصل بينها ثلاثة صفوف افقية من زخارف الامواج المنكسرة المتجهة الى اليسار وسجل بالوجه ''بالقاهرة/ السلطان الملك الاشرف/ ابوالنصر برسباي عز نصره/ عام تسع وعشرين وثمانمائة'' وبالظهر ''لا إله إلا الله/ محمد رسول الله/ ارسله بالهدى''·
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©