الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صواريخ واشنطن تستفز الدب الروسي

صواريخ واشنطن تستفز الدب الروسي
2 أكتوبر 2007 22:32
قليلون هم الأميركيون الذين سمعوا عن''سيرجي بافلوفيتش كوروليف''، رغم أنه الرجل الذي كان سببا في إنشاء وكالة الفضاء الأميركية'' ناسا'' وكان السبب في وصولهم إلى القمر· ولا يقتصــر تأثير هـــــذا الرجـــل الغامــــض -الذي كانت الدولة السوفييتية حريصة على إبقاء هويته الحقيقة سرا، والذي استطاع الخروج حيا من معسكرات الاعتقال الرهيبة في عهد ستالين- على ذلك فقط، فقد كان أيضا السبب في خروج الحزب الجمهوري من البيت الأبيض عام ،1960 وفي نجاح ''لندون جونسون'' في تأمين مكان له في قائمة ''جون فيتز جيرالد كنيدي'' الانتخابية ليصبح الرئيس السادس والثلاثين للولايات المتحدة بعد اغتيال الأخير· كل هذا ليس سوى قليل من كثير من الآثار التي تخلفت عن ''سبوتنيك'' القمر الاصطناعي السوفييتي الصغير الذي نجح ''كوروليف'' وفريقه في إطلاقه منذ خمسين عاما، وتحديدا في الرابع من أكتوبر ،1957 والذي سبب هلعا قوميا في الولايات المتحدة لا تزال أصداؤه تتردد حتى اليوم، ذلك أن الصاروخ الضخم الذي حمل القمر إلى الفضاء الخارجي، كان أول صاروخ باليستي عابر للقارات منح الاتحاد السوفييتي -آنذاك- القدرة على تدمير أي مدينة على وجه الأرض خلال دقائق من إطلاقه، وهو ما كان يعني أن قلب الأراضي الأميركية قد أصبح ولأول مرة منذ تأسيسها، معرضا للهجوم من قبل دولة أجنبية· كانت المفارقة فيما عرف في ذلك الوقت بـ''أزمة سبوتنيك'' أن الأميركيين أدركوا أن الاتحاد السوفييتي قد أصبح يمتلك منظومة سلاح جديدة أكثر تدميرا وفتكا من أي شيء موجود في ترسانة الأسلحة الأميركية، وأن تلك الأزمة أو المأزق في الحقيقة، كانت من صنع واشنطن ذاتها، وهو ما كان يمثل آنذاك -ولا يزال يمثل حتى الآن- دليلا على أن حتى أكثر سياسات الدول حسن نية يمكن أن تخفق وتأتي بمردود عكسي· جذور هذه الأزمة ترجع تحديدا إلى ،1953 عندما جاء ''دوايت أيزنهاور'' إلى البيت الأبيض، على أجندة تأمين البلاد ضد التهديدات الشيوعية، فطورت الولايات المتحدة في ذلك الوقت عقيدة دفاعية جديدة لمواجهة انتشار الخطر الأحمر، تقوم على ''زرع الخوف في قلب العدو إلى درجة تؤدي إلى ردعه عن العدوان''· وفي سبيل ذلك، قامت القيادة الاستراتيجية للقوات الجوية الأميركية، بحملة منظمة ودائمة من المضايقات والترويع للاتحاد السوفييتي، فقد كانت الطائرات الأميركية المقاتلة والقاذفة خلالها تقوم بالإقلاع من قواعد أميركية حول العالم، واختراق المجال الجوي السوفييتي بحثا عن أماكن الضعف في منظومة الدفاع الجوي الموزعة في ذلك البلد المترامي الأطراف، ولكي تظهر للعالم بأسره عجزه عن كشف اختراقات الطائرات الأميركية وعن القيام بعمل مضاد· في إطار تلك الحملة اخترقت الطائرات الأميركية المجال الجوي السوفييتي عشرة آلاف مرة، وأعلنت الدعاية الأميركية في ذلك الوقت أن 60 مليون مواطن سوفييتي معرضون للموت بموجب ''الردع الشامل''، وهي تسمية غير صحيحة بالمناسبة لأن الطائرات السوفييتية في ذلك الوقت لم تكــن تتوافر لديهــا القدرة على الوصــول إلــــى الأراضي الأميركية، ولم تكن قد انتهكت المجال الجوي الأميركي ولا حتى مرة واحدة مما يعني أن الاتحاد السوفييتي لم يكن قد قام بشيء يستوجب الرد· لم يكن أمام موسكو في ذلك الوقت من سبيل سوى البدء في برنامج عاجل ومضغوط في الآن ذاته لبناء منظومة صواريخ باليستية عابرة للقارات، فقامت القيادة السوفييتية في ذلك الحين بمنح اعتماد مفتوح لـ''كوروليف'' الذي أقدم على خطوة عبقرية، ففي الوقت الذي أجرت فيه الولايات خفضا كبيرا في ميزانية الصواريخ المحدودة في الأصل الخاصة بها من أجل التركيز على بناء المزيد من القاذفات الاستراتيجية الكبيرة الحجم، قام كوروليف بإطلاق القمر ''سبوتنيك'' من أجل صرف انتباه ''خروشوف'' في الأساس عن المشكلات المتكررة التي كان يواجهها في سبيل تطوير درع حراري تتوافر فيه القدرة على حماية الصاروخ الحربي النووي من تأثيرات القوى التي تواجهه عند دخوله جو الأرض من جديد بعد رحلته في الفضاء الخارجي· وبعد أن نجح كوروليف في التغلب على تلك المشكلة أجاز المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفييتي سلاح الجديد للدمار الشامل كـ'' سلاح ردع حيوي''· دشن اختراع هذا الصاروخ الباليستي العابر للقارات في ذلك الوقت، عهدا جديدا بدأ فيه الاتحاد السوفييتي في استعراض تفوقه الجوي، خصوصا وأن هذا الصاروخ كان أقوى بعشر مرات من أي صاروخ عملياتي أميركي معروف آنذاك، فقد أعاد تعديل الميزان الاستراتيجي المختل مع الولايات المتحدة، ورفع الاتحاد السوفييتي إلى منزلة القوة العظمى القادرة على مواجهة الولايات المتحدة في المجال التكنولوجي· لقد كانت سياســات إدارة ''أيزنهاور'' التي يصفها بعض المؤرخين الآن بـ''الطائشة''، هي التي أدت دون قصد إلى تسريع وتيرة الجهود السوفييتية الساعية للحصول على تقنية الصواريخ المتقدمة، وهو درس يجب على شاغلي البيت الأبيض الحاليين أن يتمعنوا فيه جيدا· فاليوم، وكما كان الحال منذ نصف قرن من الزمان، تتفوق الولايات المتحدة بمراحل على أقرب منافسيها العسكريين، ولكنها أيضا تفعل الآن ما فعلته منذ نصف قرن وهو استعراض قوتها العسكرية وعلى حساب روسيا للمرة الثانية· فعلى الرغم من أن لا أحد من سكان موسكو -المدينة التي تنتشر بها الآن مطاعم ''السوشي'' وتعج بالمليونيرات وبارونات النفط والمعادن الثمينة- يشغل باله في التفكير في الحرب، إلا أن إقدام الولايات المتحدة على نصب منظومة دفاع صاروخي في بعض الدول التي كانت عضوا في حلف وارسو السابق يغذي من بارانويا موسكو التقليدية تجاه الغرب، خصوصا مع إصرار واشنطن على وضع تلك الصواريخ في بولندا وتشيكيا -القريبتين من حدود روسيا- بدلا من وضعها في دولة من دول آسيا الوسطى حيث تكون أقرب إلى الدول المارقة التي تقول واشنطن أنها نصبت تلك الصواريخ لردعها· وردا على الخطوة الأميركية الخاصة بنصب الصواريخ، عمدت روسيا إلى استئناف الدوريات الجوية التي كان يقوم بها أسطولها من القاذفات النووية حول العالم، والتي كانت قد توقفت منذ تفكك الاتحاد السوفييتي عام ،1991 كما أجرت موسكو اختبارا نوويا أطلقت عليه'' أبو الاختبارات'' وعملت على تسريع تطوير جيل جديد من الصواريخ الباليستية القادرة على تلافي الدروع الاعتراضية الأميركية· إن روسيا التي تفيض خزائنها الآن بالبترودولارات، والتي تنتج حقولها السيبيرية من البترول والغاز الطبيعي، أكثر مما تنتجه الحقول السعودية، ليست في مزاج يجعلها تسمح للولايات المتحدة بممارسة البلطجة ضدها أو الاستهانة بشأنها· وهنا لا بد لتجربة ''سبوتنيك'' أن تذكرنا بما يحدث عندما يقدم أحد على استفزاز الدب الروسي· المراسل السابق لصحيفة وول ستريت جورنال في موسكو ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©