الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

توفيق عزيز.. رجل من زمن التعليم الصعب

توفيق عزيز.. رجل من زمن التعليم الصعب
21 ابريل 2009 02:18
من يشاهد الصور القديمة لمسيرة التعليم في السلطنة، التي بدأت عام 1970، قد يشاهد في معظمها رجلاً يقف قريباً من سلطان عمان وهو يوزع الجوائز في حفل مدرسي، ذلك هو توفيق عزيز، كان حينها مديراً للمدرسة السعيدية في مسقط، واحدة من 3 مدارس في عمان في أول سنوات مرحلة السبعينات، شاهد على عصر التحولات، ليس في عمان فحسب، بل في المنطقة التي وصلها عام 1956 لاكتشاف المكان كمدرس ليبقى فيها عشرات السنين. ما قبل عمان في لقائنا معه يسترجع ملامح من ذلك التاريخ، قبل وصوله سلطنة عمان، ويقول: «قبل أن أحضر إلى عمان كنت في سوريا، حيث عملت فيها ثماني سنوات، تحديداً في مدرسة على الحدود الأردنية - السورية، كانت هناك مدرسة حديثة ليس فيها لا مدير ولا مدرس ولا فرّاش، فيها أربعة فصول وتلاميذ، درّست في تلك المدرسة، فكنت المدير والمدرس والفراش، وقسّمت التلاميذ الى قسمين، قسم وضعته في غرفة للصفين الأول والثاني الابتدائيين، وقسم آخر في غرفة أخرى للثالث والرابع الابتدائيين، فكنت أدرس جميع المواد لتلك الصفوف الأربعة». ويتابع سرد تفاصيل رحلته التدريسية من سوريا وصولاً إلى عمان، ويقول: «كان لي صديق من مدينة درعا السورية، هو المرحوم علي القاضي الذي كان مدير المدرسة السعيدية في مسقط، وقبل أن يأتي إلى مسقط كان يعمل معنا في سوريا، وكان هناك إعلان عن طريق المعهد الثقافي البريطاني يشير إلى حاجة السلطنة الى مدرسين، فتعاقد معهم الأستاذ علي القاضي، ثم بعد عام كتب إلي في سوريا كي ألحق به مقابلة لي في المعهد الثقافي في بيروت. وعندما سمعت أن هناك حاجة إلى مدرسين في مسقط، قررت الذهاب لأن لدي رسالة حقيقية تتصل بوصول العلم إلى كل بلد عربي، خاصة أنني من أصل فلسطيني وحرمت من الوطن، فكانت كل البلاد العربية أوطاني، فقلت سأذهب ولو لمدة عام، وإذ بالعام يستمر أعواماً طويلة. وصـــدقاً لم تكن هناك إغراءات مادية أبداً، بل على العكس كان الراتب في مسقط أقل من راتبي الذي أتقاضاه في دمشق». يتذكر عزيز زمن مجيئه إلى عمان، ويقول: «وصلت السلطنة سنة 1956، ولا يخفى أنها آنذاك كانت تعيش حياة بدائية، لكن الناس كانوا في حماس شديد للتعليم، وما يؤكد ذاك الحماس هو الفرح الشديد والترحيب بنا يوم عودة المدرسين بعد عطلة الإجازة الصيفية إلى السلطنة. كنا آنذاك خمسة مدرسين يسموننا «من الشمال» أي من بلاد الشام. وهذا العدد لا يزيد أبداً، طيلة مدة وجودي في المدرسة «السعيدية» في مسقط، لم يكن هذا العدد يتغير، إذا ذهب مدرس يأتي آخر بديلاً عنه». كانت الرحلة تمتد من بيروت ودمشق بالحافلة إلى بغداد ثم البصرة بالقطار ثم من البصرة الى مسقط بالباخرة، وتستغرق رحلة الباخرة 8 أيام، المشهد الجميل في تلك الأيام هو الميناء الصغير الموجود في مسقط، وتجمع أولياء الأمور والطلبة لاستقبال المدرسين بما يشبه يوم العيد، فعلاً كان يعتبر ذلك اليوم يوم عيد، ولا أبالغ إن قلت إن حوالي 70% من الأهالي والطلاب يخرجون لاستقبال المدرسين، وكانت فرحة أن نلتقي بهؤلاء الناس المتحمسين للعلم والمعرفة ودخول المدرسة. ظاهرتان إيجابيتان يشير عزيز إلى ظاهرتين لافتتين في تلك الفترة، يقول: «يلاحظ في تلك الفترة ظاهرة تتعلق بشوق الطلبة لتلقي التعليم والحفاوة التي نجدها من أهاليهم بما يدل على رغبتهم الكبيرة في تعليم أبنائهم، والظاهرة الثانية هي القائمة الطويلة للانتظار الموجودة لدى المدرسة، كانت المدرسة تأخذ الطلاب الأكبر سناً وليس الأصغر، وكنا نعد الطلاب الأصغر بأن حظهم سيكون بعد عام أو عامين حسب سن الطالب، فكان يدخل الطالب في الصف التمهيدي في تلك الأيام وعمره 8 سنوات، ويعود ذلك إلى عدم وجود أماكن في المدرسة، وفي المدرسة السعيدية اضطررنا إلى فتح فصلين دراسيين تحت ظل شجرة من أجل استيعاب أكبر عدد ممكن من الطلبة. وكنا نلم بالمواد الأساسية إلماماً كافياً لتدريس أي مادة من المواد سواء الرياضيات أو العلوم أو اللغة العربية أو اللغة الانجليزية، حتى الفن والرسم كان بإمكان المدرس في ذلك الوقت أن يقوم بتدريسه، إضافة إلى تدريس التربية الإسلامية والتربية الرياضية، فكانت كلها مجتمعة يقوم بتدريسها معلم واحد». مستوى التعليم يضيف: «في تلك الأثناء المدرسة كانت ابتدائية، ولكن مستوى التعليم فيها أعلى، بدليل أنه من ينتهي من مدرسة مسقط الابتدائية يذهب إلى دول الخليج الأخرى للدراسة في الصف الثامن أو التاسع، لأن منهاجنا كان عالي المستوى، وكما لا يخفى على أحد لم يكن يوجد تلفزيون أو غيره من وسائل اللهو عن الدراسة، كما حاصل في الوقت الحاضر، فالتلميذ كان همه الدراسة في الصباح، والرياضة في المساء، ويومياً بعد الظهر كانت حصص الرياضة موجودة، ليست إجبارية ولكنها أنشطة اختيارية، وكنا نحن المدرسين نشارك الطلبة في أنشطتهم الرياضية». مناهج دراسية المنهج الدراسي في تلك المرحلة من بدايات السبعينات، يقول انه كان مزيجاً، القراءة العربية كتاب من لبنان، اللغة العربية (قواعد اللغة العربية) كتاب من مصر، كتاب المروج من الكتب التي تدرس في لبنان، والاجتماعيات أي التاريخ والجغرافيا كانت من فلسطين لسعيد الصباب، الرياضيات كتب لبنانية، والتربية الاسلامية كانت كتباً عمانية (تلقين الصبيان) للشيخ السالمي، وبالنسبة لتاريخ عمان وجغرافية عمان فهما للشاعر المعروف السيد هلال بن بدر البوسعيدي وكان يكتب التاريخ هذا حسب اطلاعه وحسب الوثائق الموجودة عنده ويعرضها على الحكومة أولاً توافق عليها ثم تدرس للتلاميذ في ذلك الوقت. وأما عن زيارات جلالة السلطان قابوس للمدرسة السعيدية، فكانت تحقق لهم السعادة وتنحفر ذكراها في أفئدتهم وضمائرهم، يقول: «كان جلالة السلطان يزور المدرسة مرتين كل أسبوع، وكان ذلك يحفزنا ويشجعنا. وقد أقامت المدرسة أول مهرجان رياضي في عمان خلال أول عام دراسي بعد انطلاق نهضة عمان المعاصرة عام 1971 ورعاه جلالة السلطان قابوس، ولأنه لا توجد مدارس أخرى للاشتراك في المهرجان قسمنا الطلاب جميعاً الى أربع فرق، وبدأت مباريات ألعاب القوى بين الفرق الأربعة». ويهز عزيز رأسه ويقول: «إنها ذكريات كثيرة لا تكفيها المجلدات».
المصدر: مسقط
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©