الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رحلة علمية ترصد مواسم الطيور المهاجرة في الخليج العربي

رحلة علمية ترصد مواسم الطيور المهاجرة في الخليج العربي
16 فبراير 2014 22:32
موزة خميس (دبي) - مع دخول فصل الشتاء بدأت وتيرة الهجرة للطيور العابرة بالتناقص، حيث إن هجرة الطيور الزائرة لمنطقة الخليج العربي تزيد مع الجو الدافئ، لكن هناك طيوراً أخرى تغادر المنطقة بعد أن تنهي موسماً حافلاً خلال تكاثرها في فترة الصيف، ثم رعاية صغارها مع أول أشهر الخريف، ثم تبدأ مرحلة أخرى في حياتها تقضيها متنقلة عبر البحار والمحيطات باحثةً عن الدفء والغذاء، لمدة تزيد على سبعة أشهر قبل أن تعود إلى موطنها، لتبدأ في التعشيش ولتنتج أجيالاً تدربها على هذه الهجرة. مراقبو ومتابعو الطيور يحرصون على مراقبتها خاصة في موسم التكاثر حين تعود إلى المستوطنات، فهي تعود إلى ذات المكان التي خرجت منه لهذه الحياة، وعليه فهي طيور مهاجرة صيفية ومن الدول التي تكثر فيها الطيور للتعشيش المملكة العربية السعودية، وبعد انتهاء الموسم تغادر المنطقة ولا يعود بعضها إلاّ في موسم التكاثر التالي، ومن الباحثين في مجال الطيور الدكتور محمد بن يسلم شبراق، وكيل عمادة البحث العلمي بجامعة الطائف في المملكة، والذي شاركنا بتجربة خاصة عبر رحلة استكشاف وتوثيق، فقال: هذه الطيور تجعل الخبراء والباحثين يشعرون بروعة وجمال هذا الوطن، وما يحمله من مخزون طبيعي، يعطي دروسا وتجارب للمستكشف والخبير كي ينقلها لأبناء الوطن، حيث تكون مشاهداتهم لبعض أنواع الطيور البحرية المعششة في بحر السعودية مشاهدات علمية ينتفع بها، وكانت محطته هي الجزر البحرية بالشمال الغربي من البحر الأحمر، وهي منطقة معروفة بارتفاع درجات الحرارة والرطوبة، وبرفقة الدكتور عبدالهادي العوفي من جامعة تبوك، وأربعة من طلاب البكالوريوس والدراسات العليا بجامعة تبوك والطائف والملك سعود، كانت مدينة الوجه هي محطتهم الأولى لزيارة الجزر. مدينة الوجه الساحلية يقول محمد شبراق: تعد الوجه مدينة ساحلية مطلة على البحر الأحمر، وتقع في الجزء الشمالي الغربي من المملكة وتتبع إدارياً منطقة تبوك وتبعد حوالي 325 كم جنوب المدينة، وتعد منطقة الوجه من الموانئ القديمة على البحر الأحمر، ويشير المؤرِّخون إلى أن أول ميناء بها كان خلال العصر الفرعوني، عرف في ذلك الوقت بميناء إرجا. وفي أوائل القرن الماضي استخدمت البحرية العثمانية الوجه كقاعدة لسفنها، والوجه من أوائل المدن بالمملكة التي بدأ فيها التعليم الحديث، حيث عرفت أول مدرسة مع بداية القرن الماضي في 1914م، سمّيت بمدرسة الوجه الخيرية، ويعشق أهل الوجه البحر ويخرج أكثرهم لصيد السمك لكسب الرزق وللمتعة، فمنهم الموظف والتاجر والعامل حيث يجمعهم عشقهم للبحر الذي توارثوه جيلاً بعد جيل، ليضفوا على البيئة بشكل عام إطاراً متناسقاً وعلى البيئة البحرية صورة من صور الحفاظ على مكوناتها. أما الطيور البحرية، على حد قول محمد شبراق، فهي تلك الطيور التي ترتبط بالبيئة البحرية في معظم شؤون حياتها، حتى أن بعض علماء الطيور يطلقون عليها الطيور البحرية الحقيقية، ويزيدون على ذلك أنها تلعب دوراً مهماً في النظام البيئي البحري، حيث وضعها العلماء على قائمة الهرم الغذائي في البيئات البحرية، فهي تتغذى على الأسماك الصغيرة والقشريات، وهذه الأخيرة تتغذى على الكائنات الأصغر منها من قشريات، وأيضاً على كائنات دقيقة كالبلانكتون والطحالب والنباتات البحرية، مما يجعلها في أعلى الهرم الغذائي، وعليه فقد استخدمت كأداة أو كمؤشر حيوي لمعرفة التغيرات في البيئات البحرية، ويؤكد ذلك نتائج دراسة لباحثين كنديين، حيث تمكنوا من متابعة التغيرات في المعادن الثقيلة بمنطقة ألاسكا لمدة 150 سنة، وذلك عن طريق تحليل بعض أجزاء من بقايا الطيور البحرية الموجودة بالمتاحف. النورس أبيض العين ويضيف محمد شبراق: هناك أنواع من الطيور توجد بالبحر الأحمر، وهي محصورة في مناطق وبيئات معينة ضمن نطاق جغرافي محدود، ولا توجد في مناطق أخرى في العالم إلا في هذه المناطق، ومن هذه الأنواع التي تتواجد وتعشش في البحر الأحمر، وخليج عدن، والخليج العربي، النورس أبيض العين والغاق السقطري، بالإضافة إلى هذين النوعين فهناك سلالات لأنواع أخرى تعتبر متوطنة للمنطقة، منها سلالة الطائر الاستوائي أحمر المنقار وسلالة الأطيش البني، وهناك أيضاً سلالات متوطنة لمنطقة شمال غرب المحيط الهندي، والتي تشكّل منطقة البحر الأحمر وخليج عدن الجزء الأكبر لتواجد هذه الطيور، ومنها النورس الأسحم والخرشنة المتوجة الكبيرة، ولا تقتصر أهمية المنطقة للطيور البحرية على هذا فحسب، فهُناك أنواع بالرغم من انتشارها في مناطق أخرى من العالم، إلا أن أعدادها بالبحر الأحمر والخليج العربي عال جداً مقارنة بالمناطق الأخرى، ومن هذه الأنواع الخرشنة بيضاء الخد، والخرشنة المتوجة، وقد وضع الاتحاد العالمي لصون الطبيعة، هذه الأنواع ضمن قائمة الطيور المهددة بالانقراض أو القريبة من مرحلة التهديد بالانقراض على المستوى العالمي، خاصة الخرشنة ساندرس الصغيرة والغاق السقطري والنورس أبيض العين. ويوضح محمد شبراق: يرجع تكاثر هذه الطيور في فترة الصيف إلى وفرة الغذاء، حيث تشير عدد من الدراسات المتعلقة بالطيور، إلى أن معظم الطيور تتناسل في الوقت الذي يتوفر فيه الغذاء، وعليه، فإن الله جعل لهذه الطيور فسيولوجية، وعلمها سلوكيات تساعدها في تخفيف درجات الحرارة العالية، وتختلف الطيور البحرية عن طيور اليابسة في شكلها وخصائص دورة حياتها، فهي تعشش بمستعمرات بأعداد كبيرة، وتستخدم نفس الموقع للتعشيش لسنوات عديدة، فهي تتميز بطول أعمار أنواعها وقلة إنتاجها، فأعمارها تتراوح بين 12 و60 سنة، وفترة النضوج الجنسي عندها أكبر من رتب أخرى من الطيور، حيث تبدأ التزاوج وعمرها أكثر من ثلاث سنوات، وعدد البيض في معظمه لا يزيد على 1 - 2 بيضة. طيور الخرشنة وقد ارتبطت الطيور البحرية، حسبما يرى محمد شبراق، بسكان المدن الساحلية والجزر حول العالم، فقد عرفت بأنها ترشد صيادي الأسماك بمواقع صيد الأسماك الجيدة، ففي الخليج العربي عرف الغاق السقطري بأنه يرشد الصيادين لمناطق الصيد الجيدة، فهي طيور تقوم بالصيد الجماعي مما يمكن الصيادين من مشاهدتها من مسافات بعيدة خلال غطسها بالماء وخروجها منه، وكذلك هناك طيور الخرشنة والتي أشار عدد من صيادي الأسماك بالبحر الأحمر، إلى أنها كانت تدلهم على مواقع صيد الأسماك، فالطيور البحرية تقوم بمتابعة مجموعات الأسماك الصغيرة، والتي يصعب على الصيادين التنبؤ بأماكن وجودها، وهذه المجموعات من الأسماك الصغيرة يتبعها أيضاً أسماك كبيرة، لذا، فإن اكتشاف هذه الطيور لهذه التجمعات للأسماك، يدل الصيادين على مواقع الصيد الجيدة. ويكمل يسلم محمد شبراق: أيضاً وفرت الطيور البحرية مصدراً من مصادر البروتين خلال مواسم معينة من العام، حيث عرف تغذي السكان المحليين على بيض وصغار الطيور البحرية، كما أن مخلفات الطيور البحرية استخدمها الإنسان بجنوب البحر الأحمر كسماد للزراعة يُعرف بالجوانو، وقد عرف استخدام هذه المادة بشكل أكبر في خليج عدن، وبالتحديد على الجزر الصومالية كجزيرة سعد الدين وجزيرة مايت، ولكن للأسف في الآونة الأخيرة ومع استخدام القوارب ذات المحركات القوية وتوفر الأسمدة الصناعية الزهيدة الثمن، زاد استنزاف الصيادين لبيض الطيور، وعوضا عن أن تكون جزءاً من التعايش ضمن تقاليد متوارثة، تقودها الحاجة تحت شعار الاستخدام الأمثل لهذا المصدر، وأصبح سكان بعض الجزر والسواحل يتنقلون بين الجزر بأوقات قياسية، ويعملون على جمع أكبر كمية من البيض، وهذا بالطبع أدى إلى تأثر الطيور البحرية ونقصانها ليس على المستوى المحلي، ولكن أيضاً على المستوى العالمي. مناطق التعشيش ومع بزوغ فجر اليوم التالي من وصولنا للوجه، كما يقول محمد شبراق، تحركنا لمرسى القوارب، وكان بانتظارنا كابتن رحلتنا الأستاذ محمد الرشيدي صاحب القارب، وبعد أن أخذ الكابتن أوراقنا الثبوتية لإنهاء إجراءات الرحلة مع حرس الحدود، صعدنا للقارب وأصوات الطيور البحرية حولنا، وكان الوقت حاراً في هذا الشهر «مايو». وكانت الرحلة فرصة كي يتعرف الشباب على بعض المعلومات عن الطيور البحرية قبل الوصول إلى مناطق تعشيشها، فكان هناك عدد من البلاشين الخضراء الظهر، وخمسة من بلاشين الصخور على قوارب الصيادين المنتشرة بالمرسى. وكانت الطيور منها الغارق في سباته، والبعض يصفصف ريشه، وقليل منهم يتنقلون بين القوارب بحركات وقفزات بطيئة، علها تجد بعض بقايا من الأسماك والحشرات على القوارب المصطفة بالمرسى، ومن فوقنا كثر هرج ومرج النوارس منها الأسحم وأبيض العين، وكانت فرصة لتوضيح الفرق بين الطائرين، وإن كان معظمها طيور يافعة، لكن الحجم وسماكة المنقار ولون الأرجل والبياض حول العين، يمكن أن يدلنا على الفرق بين الطائرين، وتحرك القارب شمالاً لجزيرة النبقية، وهي جزيرة رملية صغيرة لا يزيد طولها على 200م، وعرضها من 30 إلى 40 متر فقط، لكنها وبالرغم صغرها إلا أن فيها أنواعاً عدة من الطيور البحرية تعشش وبأعداد كبيرة، وما إن اقتربنا من الجزيرة حتى خف صوت المحرك، وتباطأت بعدها حركة القارب حتى توقفت تلك النسمات وبدأنا نشعر بحرارة ورطوبة الجو. ونزل الفريق على أرض الجزيرة بحذر حتى لا تفزع الطيور وتبتعد لفترة طويلة عن أعشاشها، مما يؤدي لفساد البيضة أو موت الفراخ نتيجة لتعرض البيض والفراخ لحرارة الشمس العالية في هذا الوقت من العام، لِذا كان علينا الحذر والنظر عن بعد والابتعاد سريعا من مواقع البيض. فرخ الخرشنة المقنعة الخرشنة المقنعة.. من الطيور البحرية التي تتميز بلونها الأسود المائل للرمادي، والجبهة البيضاء والمنقار والأرجل السوداء والذيل الشوكي، والجزء الخارجي للذيل أبيض، وهي تضع بيضها تحت الشجيرات والصخور، وقد كانت تقف على الشجيرات بالقرب منا، والحقيقة أن كل واحد من هذه الطيور يقف فوق هذه الشجيرات، يؤكد لنا أن لديه عشاً تحت هذه الشجيرة، فنزلنا من القارب واقتربنا من تلك الشجيرات، حيث وجدنا فرخاً يبذل قصارى جهده للخروج من البيضة، والمعروف أن هذه الطيور تعشش دائماً في الظل على الجزر بالمناطق الرملية ذات الغطاء النباتي الجيد، أو تحت الشجيرات أو الصخور، والعجيب في هذه الطيور أنها تعود لنفس منطقة العش ولنفس الشجيرة في كل عام للتعشيش، ويصل عددها أحياناً بالمستعمرة إلى أكثر من 2000 زوج، وتصل أعمارها لأكثر من 17 سنة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©