الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بركة مولود

بركة مولود
3 أكتوبر 2007 22:58
قال أبوالقاسم بن حبيش بالموصل: لقد جرت في هذه الدار -وأشار إلى دار هناك- قصة عجيبة : فقد كان يسكن هذه الدار رجل من التجار ممن يسافر إلى الكوفة في تجارة الخز، فاتفق أنه جعل جميع ما معه من الخز في خرج وحمله على حماره وسار مع القافلة، فلما نزلت القافلة أراد إنزال الخرج عن الحمار، فثقل عليه، فأمر إنساناً هناك فأعانه على إنزاله، ثم جلس يأكل، فاستدعى ذلك الرجل ليأكل معه، فسأله عن أمره، فأخبره أنه من أهل الكوفة وأنه خرج لحاجة عرضت له بغير نفقة ولا زاد، فقال له الرجل: كن رفيقي آنس بك وتعينني على سفري ونفقتك ومؤنتك عليّ، فقال له الرجل: وأنا أيضاً أختار صحبتك وأرغب في مرافقتك، فسار معه في سفره وخدمه أحسن خدمة إلى أن وصلا إلى تكريت، فنزل الرفقة خارج المدينة ودخل الناس إلى قضاء حوائجهم، فقال التاجر لذلك الرجل: احفظ حوائجنا حتى أدخل المدينة وأشتري ما نحتاج إليه· ثم دخل المدينة وقضى جميع حوائجه ورجع فلم يجد القافلة ولا صاحبه، ورحلت الرفقة، فظن أنه لما رحلت الرفقة رحل ذلك الخادم معهم، فلم يزل يسير ويجدّ في السير الى أن أدرك القافلة بعد جهد عظيم وتعب شديد، فسألهم عن صاحبه فقالوا: ما رأيناه ولا جاء معنا ولكنه ارتحل على أثرنا فظننا أنك أمرته· فكرّ الرجل راجعا إلى تكريت وسأل عن الرجل فلم يجد له أثراً ولا سمع له خبرّا، فيئس منه ورجع إلى الموصل مسلوب المال فوصلها نهارّا فقيرّا جائعاً عرياناً مجهوداً فاستحى أن يدخلها نهاراً فتشمت به الأعداء -نعوذ بالله من شماتتهم- وخشي أن يحزن الصديق إذا رآه على تلك الحالة، فاستخفى إلى الليل ثم عاد إلى داره فطرق الباب فقيل له: من هذا؟ قال: فلان -يعني نفسه، فأظهروا له سروراً عظيماً وحاجة إليه وقالوا: الحمد لله الذي جاء بك في هذا الوقت على ما نحن فيه من الضرورة والحاجة، فإنك أخذت مالك معك وما تركت لنا نفقة كافية، وأطلت سفرك واحتجنا وقد وضعت زوجتك اليوم، والله ما وجدنا ما نشتري به شيئاً للنفساء، فأتنا بدقيق ودهن نسرج به علينا فلا سراج عندنا· فلما سمع ذلك ازداد غماً على غمه وكره أن يخبرهم بحاله فيحزنهم بذلك، فأخذ وعاء للدهن ووعاء للدقيق وخرج إلى حانوت أمام داره وكان فيه رجل يبيع الدقيق والزيت والعسل ونحو ذلك، وكان البياع أطفأ سراجه وأغلق حانوته ونام، فناداه فعرفه، فأجابه، وشكر الله على سلامته، فقال له: افتح حانوتك وأعطنا ما نحتاج إليه من دقيق وعسل ودهن، فنزل البياع إلى حانوته وأوقد المصباح ووقف يزن له ما طلب، فبينما هو كذلك إذ حانت من التاجر التفاتة إلى قعر الحانوت فرأى خرجه الذي هرب به صاحبه فلم يملك نفسه أن وثب إليه والتزمه، وقال: يا عدو الله ائتني بمالي، فقال له البياع: ما هذا يا فلان؟ والله ما علمتك متعدياً وأنا أبداً ما جنيت عليك ولا على غيرك فما هذا الكلام؟ قال: هذا خرجي هرب به خادم كان يخدمني وأخذ حماري وجميع مالي، فقال البياع: والله ما لي علم غير أن رجلاً ورد عليّ بعد العشاء واشترى مني عشاءه وأعطاني هذا الخرج فجعلته في حانوتي وديعة إلى حين يصبح، والحمار في دار جارنا والرجل في المسجد نائم، قال له: احمل معي الخرج وامض بنا إلى الرجل، فرفع الخرج على عاتقه ومضى معه إلى المسجد فإذا الرجل نائم في المسجد فوكزه برجله فقام الرجل مرعوباً، فقال: ما لك؟ قال: أين مالي يا خائن؟ قال: ها هو في خرجك فوالله ما أخذت منه ذرة، قال: فأين الحمار وآلته؟ قال: هو عند هذا الرجل الذي معك، فعفا عنه وخلى سبيله ومضى بخرجه إلى داره فوجد متاعه سالماً فوسع على أهله وأخبرهم بقصته فازداد سرورهم وفرحهم وتبركوا بذلك المولود·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©