الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فلوس العثمانيين.. من الشريفي إلى المصاري والمقصوص

فلوس العثمانيين.. من الشريفي إلى المصاري والمقصوص
3 أكتوبر 2007 23:00
قبل أن ينجح محمد الفاتح في تحقيق أحلام الأمويين الأولى بافتتاح القسطنطينية، لم تكن للدولة العثمانية الناشئة من النقود سوى تلك القطع الفضية الصغيرة المعروفة باسم ''الإخشا'' وهي كلمة تركية تعني ''المبيضة''· ويعتبر استيلاء سليم الأول على مصر في عام 923هـ بداية لظهور النقد الذهبي العثماني بشخصيته المستقلة والتي فرضت نفسها على أرجاء الخلافة العثمانية المترامية الاطراف بين قارات العالم القديم الثلاث، آسيا وأفريقيا وأوربا· فقد عرفت الدنانير الذهبية العثمانية من وقتها باسم الشريفيات، واستمد الدينار الشريفي تسميته تلك من نقود السلطان المملوكي الأشرف بارسباي التي ضربها على وزن الدوكات الذهبية البندقية وعيارها، حيث عرف دينار بارسباي بالأشرفي· ويعني ذلك أن الخلافة العثمانية قد سايرت الاصلاح النقدي للأشرف بارسباي والذي أصبح وزن الدينار الاسلامي بمقتضاه يدور حول 3,45 جرام عوضا من وزن المثقال التقليدي ''4,25 جرام'' الذي ظل مرعيا منذ تعريب عبدالملك بن مروان للنقد الاسلامي في عام 77هـ· وفيما عدا ذلك فقد تفردت النقود العثمانية عن سواها من نقود المسلمين بالامتناع عن تسجيل لفظ الجلالة ''الله'' عليها أو حتى نقش العبارات المقتبسة من القرآن الكريم بل ولا شهادة التوحيد· نقود السلاطين وقد أعطى العثمانيون نقودهم، وخاصة الذهبية منها، طابعا موحدا تمت مراعاته بصرامة في كل ولايات الدولة وكان التقليد السائد عند تولي سلطان جديد في الأستانة أن يرسل خطابا الى الولاة في كل انحاء الدولة بإعلان السرور بتوليه عن طريق طلقات المدفعية والألعاب النارية أو ما يعرف ''بالشنك'' ثم الأمر بضرب النقود وفقا لطراز محدد ترسل قوالب السك الخاصة به الى دور السك في الولايات كلها· أما مسميات النقود العثمانية فقد تعددت ومازال بعضها عالقا بالأذهان في المنطقة العربية ليومنا هذا ومن أشهر أنواع النقود الذهبية، الشريفي والزر محبوب أي الذهب المحبوب والسلطاني، وكلها مسميات لطراز واحد ضربه معظم سلاطين الدولة العلية، ويتميز هذا الطراز بأنه يحتوي اسم السلطان وكذا اسم أبيه مع العبارة الدعائية عز نصره وسنة ومكان السك على أحد الوجهين، أما على الوجه الآخر فنجد العبارات التالية ''ضارب النضر صاحب العز والنصر في البر والبحر''· والنضر في العربية هو الذهب، أما صاحب العز والنصر في البر والبحر فقد كان من الألقاب التي اشتهر بها السلاطين الأتراك الأول بعد نجاح محمد الفاتح في دخول القسطنطينية بعد حصار بري وبحري· وفي عهد السلطان مراد بن سليم ظهر طراز جديد من النقود الذهبية وهو الذهب الخاقاني وذلك بعد أن قام هذا السلطان بإصدار دنانير في عام 982هـ، استبدلت فيها عبارة ضارب النضر بعبارة جديدة هي ''سلطان البرين وخاقان البحرين السلطان بن السلطان''· ووفقا للمصطلحات العثمانية فإن البرين هما بر آسيا وبر أوروبا، أما البحران فهما البحر الأبيض والبحر الأسود، وذلك من زاوية الصراع العثماني مع أوروبا، رغم أن السلطان العثماني هو في حقيقة الأمر سلطان البرر الثلاثة ''آسيا وأفريقيا وأوروبا'' والبحار الثلاثة ''الأبيض والأسود والأحمر''· وفي عهد السلطان مصطفى الثاني وبالتحديد في عام 1109هـ ظهر طراز جديد للنقود الذهبية عرف باسم الطغرالي أو الدينار أبو طرة، وذلك لتسجيل اسم السلطان باستخدام خط الطغراء وهو نوع من الخطوط كان يستخدم في توقيع السلطان الأوراق الرسمية للدولة العثمانية· إصلاحات أما السلطان أحمد الثالث فقد أصدر خلال سلطنته طرازين من النقود الذهبية الجديدة بغرض ادخال اصلاحات نقدية وعرف الطراز الأول الذي أصدره فور توليه في عام 1115هـ باسم الجنزرلي أو البندقي ذي السلسلة، وكان الجنزرلي قريبا في وزنه من وزن دوكات البندقية الشهيرة وقد نقش على أحد وجهي الدينار طغراء السلطان وعلى الوجه الثاني تاريخ جلوس السلطان ومكان السك· وتسميته بالجنزرلي جاءت من حبيبات متماسة زخرفية تشبه السلسلة أو الجنزير ''يحرفها العامة الى زنجير''· وما لبثت دور الضرب في الولايات أن تلاعبت في أوزان الجنزرلي مما اضطر أحمد الثالث في عام 1137هـ الى اصدار نقد جديد يشبه من حيث الشكل طغرالي مصطفى الثاني ولكنه قريب في وزنه وعياره من دوكات البندقية ولذا عرف هذا الطراز الجديد بالفندقلي· ومنذ اصدار الفندقليات صارت الدنانير التي يقل وزنها عن 3 جرامات تعرف بالشريفيات بينما يطلق على القطع الذهبية الأعلى وزنا اسم الفندقلي· مصرية من المعروف أن الدولة العثمانية كانت تصدر انواعا مختلفة من النقود الفضية لمقتضيات التداول المحلي مثل البارة أو نصف الفضة ''1,28 جرام'' وهي مملوكية الأصل وعندما دخل العثمانيون مصر والشام احتفظوا بعادة اصدار هذا النقد الفضي الذي عرف باسم نصف فضة مصرية أو مصرية على سبيل الاختصار، وكانت تجمع على ''مصاري'' الذي هو اسم علم على النقود في الشرق العربي حتى اليوم· تزييف منذ عهد السلطان عبدالمجيد قامت الدولة العثمانية بإصدار ريالات الفضة وذلك في محاولة لوقف زحف العملات الفضية الأوروبية الثقيلة على أسواق الشرق· ومن الطريف أن العملات العثمانية من الفضة كانت عرضة دوما للتزييف بواسطة ''الزغلية'' أو مزيفي العملة بعد انقراض العملة النحاسية من الفلوس· ومن ناحيتهم قام الصيارفة بقص الأنصاف الفضية الى قطع مع ارتفاع اسعار الفضة وهو ما أدى الى ظهور الانصاف المقاصيص في مواجهة الانصاف الكاملة أو الديوانية، وكان اليهود في حارة الصاغة بالقاهرة هم أصحاب هذا الابتكار النقدي لتحقيق التوافق بين القيمة الجوهرية للأنصاف وقيمتها الشرائية، ولذا عرفت وكالة الصاغة، ومازالت باسم وكالة المقاصيص، وقد ترك ذلك الإجراء أثرا لا يمحى في الذاكرة الشعبية حيث يقول المثل الشعبي المصري ''العب بالمقصوص لما يجيك الديواني''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©