نجاة مكي: تجربتي تتجه إلى المزيد من التجريد والتأمل

في معرضها الذي أقيم في مقر جمعية الفنون التشكيلية الأسبوع الماضي، المعرض ضمن فعاليات مهرجان الفنون الإسلامية الذي تقيمه إدارة الفنون طوال شهر رمضان الكريم، قدمت الفنانة الدكتورة نجاة مكي أربعين لوحة انقسمت في قسمين، الأول يضم 20 لوحة ومن خلاله تحاول مكي إبراز القيم الجمالية التشكيلية في العملات المعدنية التاريخية، والقسم الثاني من المعرض يضم 20 لوحة تستكمل من خلالها مشروعها اللوني، بالتركيز والتأمل في اللون الأزرق الذي يمثل المطلق والتطهر، حيث يغلب اللون الأزرق ويتداخل في اللوحة بوضوح وشفافية· وقالت نجاة مكي إنها أرادت لمعرضها أن يجمع رسومات لعملات معدنية يونانية تبدو فيها الآلهة أثينا (آلهة الحرب والسلام) إلى جانب رسومات لعملات معدنية تاريخية من الجزيرة العربية، تظهر فيها المعتقدات والرموز والدلالات الميثولوجية المختلفة قبل الإسلام، عندما كان الملوك يضعون صورهم ورموز منطقتهم وبيئتهم على وجهي هذه العملات، فتبدو النخلة والطيور والحيوانات التي وظفت في اللوحات· ''الاتحاد'' التقتها لتحاورها حول معرضها وتجربتها الفنية بشكل عام، وكان التالي: التجربة ؟ ماذا يميز معرضك الجديد؟ ؟؟ هذا المعرض امتداد للتجارب السابقة مع التركيز على توظيف النمط التعبيري كحركات الخطوط وسرعتها أو اتجاهها وقوتها، كذلك درجة الألوان وطبقاتها وقوامها وتفاعلاتها مع ما يجاورها في درجات الظل والنور، بالإضافة إلى الملمس الذي تتركه على السطح· ؟ لو وقفنا على تجربتك بشكل خاص نجد أنها تتجه من التجسيد إلى التجريد، كيف تصفين هذا التحول في عملك؟ ؟؟ الفن بوصفه أداة لانصهار الشعور الإنساني يفرض على الفنان أن يتجه حسب ما يراه عقله الباطن أي البصيرة بما فيها من تجليات، فالتجريد اختصار لبعض الظواهر في الكون المحيط، كل ما تقع عليه العين له جوانب ظاهرة وباطنة، والفنان يعيد اكتشاف الواقع ممزوجا بالخيال الذي يؤدي أحيانا إلى التجريد حسب الموضوع المطروح، وبصفتي فنانة أتعامل مع المحيط لا بد أن أتجه إلى التجريد حينا وإلى التجسيد أحيانا أخرى· ؟ في أعمالك قدر من الشفافية والروحانية، ما الذي يمنح العمل هذه السمات، هل هي الألوان أم التشكيل نفسه؟ ؟؟ الفن هو مهارة وخلق تلك المهارة لا يأتي إلا من خلال تجارب عديدة، فعند ذلك يصبح للفنان التشكيلي نمط خاص وأدوات مميزة تمكنه من إنجاز عملة الفني مثل الخط واللون والشكل والفراغ والتوازن، وهنا يظهر التعبير الفنى لخلق نتاجات شعورية تتميز بحس جمالي يرتبط بالكون والذات، والبحث في تجليات اللون له شعور قوي لدى الفنان، فتصبح اللوحة منجزا إبداعيا لا يحتاج للترجمة، تلك هي الشفافية الروحانية· ؟ لنتكلم عن حضور المرأة في أعمالك وتجربتك بشكل عام؟ ؟؟ المرأة عنصر مهم في أعمالي الفنية باختلاف الثقافة واللغة والوطن، هي لدي شجرة نخيل باسقة تستمد جذورها من أعماق الأرض، متفائلة، صبورة، مكافحة، محبة، هي اللون بكل ما فيه من قوة وكثافة وعنفوان، وهي الخط بما فيه من امتداد وشموخ، وهي الظل الذي نأوي إليه في قيلولة الصيف، وهى النور الذي يشع ويمد العالم بالمعرفة· ومن خلال هذه العناصر كلها تكون المرأة حاضرة في أعمالي الفنية· ؟ وماذا عن المكان الذي كان له حضور بارز في أعمالك الأولى، وقد بدأ يتراجع أو يتم تجريده، بماذا تفسرين هذا؟ ؟؟كان للمكان حضور مباشر في أعمالي الأولى، وبحكم التجربة لم يتراجع بل أخذ منحنى آخر من خلال عناصر التكوين وما فيها من تجريد، فهو مثلا جاء في شكل إيقاعي - لوني متناغم، بطيء حينا وسريع حينا، كما أن ذاكرة المكان لها قيمة ودلالة وأحيانا هي رمز· ؟ لك تجربة مهمة مع الدائرة في كتاب مشترك مع الشاعر حكيم عنكر، كيف تنظرين الآن إلى هذه التجربة؟ ؟؟ تجربة جميلة لأنها دفعتني إلى المزيد من البحث في مجال التأمل الصوفي والاطلاع على تجارب فنانين وأدباء وباحثين كثر، وهذا في حد ذاته أضاف إلى رصيدي الفني تجارب وأفكار سأنفذها مستقبلا برؤية جديدة ومختلفة· التشكيل الاماراتي ؟وأين تضعين التشكيل الإماراتي في فضاء التشكيل العربي؟ ؟؟ إذا قسنا التجربة الإماراتية إلى غيرها من التجارب الفنية على مستوى الخليج، نرى أن هناك دولا كانت سباقة في الحركة التشكيلية العربية، ولكن تراجع مستوى الفن لديها، أما في الإمارات فنلاحظ أن الفن يسير بخطى سريعة وواعدة، وأصبح الفنان الإماراتي يمتلك تجربة متميزة وناضجة على المستويين العربي والعالمي، وذلك من خلال الاشتراك فى المعارض الجماعية أو المعارض الشخصية، والفضل هنا يرجع إلى مدى الاهتمام الذى توليه المؤسسات والدوائر الحكومية للنهوض بالحركة التشكيلية على مختلف الأصعدة وإقامة المعارض المحلية والعالمية وإقامة المسابقات الفنية للموهوبين من شباب وفنانين وهواة، وعلى رأس تلك المؤسسات: وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، ومجلس دبي الثقافي، ودائرة الثقافة والإعلام لحكومة الشارقة، والمجمع الثقافي بأبوظبي· كما أن الاهتمام بإبداعات المرأة شجع الكثيرات على الاهتمام بمجال الفنون التشكيلية، وتأتى جائزة المرأة الإماراتية للآداب والفنون من سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمى حرم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمى عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة دعما للحركة التشكيلية والأدبية في الدولة، وكذلك جائزة الفنانين الشباب لسمو الشيخة منال بنت محمد بن راشد آل مكتوم، وجائزة الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد لإبداعات الطفولة، وغيرها· كل ذلك شجع المرأة سواء كانت طفلة أو شابة أو فنانة كبيرة على الإبداع والتميز، فالدعم يعتبر حافزا مشجعا للفنان· الفنانات تجربتي في مجموعة الفنانات الثماني ''جماعة الجمان'' جاءت ضمن السياق العام لتجاربي السابقة، حيث إنني أحاول دائما أن أطرح أفكارا جديدة ومتنوعة· أما عن الفنانات فى الإمارات فأقول بكل فخر: هنيئا لنا هذا الكم الجميل الذي يسعى إلى دراسة الفن والدليل على ذلك ما نراه من أسماء فنية في المعارض المحلية وآخرها المعرض الوطني في قاعة نادي ضباط أبوظبي الذي احتضن أعمال فنانات واعدات، والفضل يرجع إلى المسؤولين في دولتنا الفتية لتشجيع المرأة والنهوض بها على مختلف الأصعدة·