الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العراق بعد خروج الجندي الأميركي الأخير!

13 مارس 2010 22:02
على مدار التاريخ، خضنا حروباً متقطعة في العراق خلال عشرين عاماً تقريباً، وفي أفغانستان طيلة ثلاثين عاماً الأخيرة... ما يوفر لنا تجربة غنية تمتد على مدى نصف قرن يُفترض أن يستفيد منها صناع القرار في حروبنا المستمرة. لكن رغم ذلك يبرز حالياً في واشنطن فريق تتسع صفوفه يوماً بعد يوم من المعلقين والمحللين السياسيين يدعون أوباما إلى الاستمرار في المأساة، مشددين على ضرورة تغيير إدارة أوباما لخططها السابقة والتي أقرت في الشهور الأخيرة لولاية الرئيس بوش وتقضي بمغادرة جميع القوات الأميركية للعراق مع نهاية عام 2011. فهم يرون أن الانسحاب حسب الموعد المحدد سيمهد الطريق أمام عودة الصراع في العراق واندلاع العنف على نطاق واسع، لتبدأ حفلة الدم من جديد في بلاد الرافدين. ووفقاً لهؤلاء المحللين المحذرين من عواقب الانسحاب، ستشجع مغادرتنا للعراق الميليشيات الشيعية على الرجوع إلى الساحة، كما أن التدخل الإيراني في العراق سيتضاعف ويغذي المزيد من العنف، ناهيك عن تحرك تنظيم "القاعدة" لملء الفراغ بأجندته التخريبية. ورغم إصرار الإدارة الأميركية لحد الآن على التزامها بالانسحاب كما هو منصوص عليه في الاتفاقية الأمنية مع بغداد، وكونها لا ترى حاجة لتمديد التواجد العسكري الأميركي، فقد أفادت صحيفة "واشنطن بوست" في الشهر الماضي أن الجيش الأميركي أعد خطة طوارئ لتأجيل الانسحاب المتفق عليه مع العراقيين لجميع القوات المقاتلة بحلول شهر أغسطس المقبل. وفي هذا الإطار أيضا كتب المختص في شؤون الأمن القومي، "توم ريكس"، بمجلة "شؤون سياسية" أن قائد الجيش الأميركي في العراق، الجنرال راي أوديرنو، طلب من الإدارة الموافقة على إبقاء لواء مقاتل من القوات الأميركية في مدينة كركوك المضطربة حتى بعد انقضاء أجل الانسحاب. هذا في الوقت الذي تتعالى فيه أصوات "الصحفيين المقاتلين"، كما يطلق عليهم أحد المعلقين، ليعزفوا جميعاً على نغمة واحدة تحذر من أن الخطر الأكبر في العراق هو الانسحاب المتعجل للقوات الأميركية. فقد رأى ريكس على سبيل المثال في مقال نشره بصحيفة "نيويورك تايمز" أنه على إدارة أوباما إيجاد طريقة للاحتفاظ بـ"قوة صغيرة ومناسبة" تتراوح بين 30 و50 ألف جندي "لسنوات عديدة قادمة". والمفارقة أن هذا الرقم يذكرنا بعدد 34 ألف جندي الذي أورده ريكس نفسه في كتابه "الفشل"، عندما اقترحه نائب وزير الدفاع وقتها بول وولفويتز باعتباره سيشكل الحامية الأميركية في العراق قبل الاجتياح. وتشمل هذه الأصوات أيضاً كنيث بولاك من معهد بروكنجز الذي كان من المحرضين على حرب العراق في عام 2003، وهو يحذر اليوم أيضاً من الانسحاب المبكر، داعياً إلى الاحتفاظ بقوات أميركية في العراق. وإلى جانبه هناك كيمبرلي وفريديريك كاجان اللذان يطالبان بـ"شراكة عسكرية طويلة المدى مع العراق تتجاوز تاريخ 2011"، معتبرين أن العراق لن يكون قادراً على الدفاع عن نفسه. وبالطبع لا يشك أحد في أن العراق يعيش حالة من الفوضى، فتحت أنظارنا انسحق البلد واحترق ولا يستطيع أحد الادعاء أننا أخرجناه من أزمته. فبعد مليارات الدولارات التي أنفقت في عملية إعادة الإعمار، مازالت الولايات المتحدة عاجزة عن توفير أبسط الخدمات للشعب العراقي مثل الكهرباء والماء العذب. لكن رغم الوضع المتردي في العراق، لم تتزحزح ثقتنا في أنفسنا، ولمَ لا نرجسيتنا، قيد أنملة، فنحن مازلنا بطريقة ما نحدق في تلك البركة التي تنعكس فيها صورتنا ونعبر عن إعجابنا بها وعشقنا لها، فقد أقنعنا أنفسنا بأننا قادرون على رؤية مستقبل العراق والتنبؤ بتفاصيله، وبأن مستقبل العراق بدوننا سيكون الخراب بعينه. واللافت أن ما يجعل دعوات هؤلاء "الصحفيين المقاتلين" قوية، هو تركيزها على أمور ربما تحدث في المستقبل وربما لا تحدث أبداً، لأنها لا تخرج عن نطاق التكهنات والتخمينات. وليس مهماً في نظر هؤلاء الصحفيين والمعلقين أن التاريخ عادة ما يفاجئنا بأمور لم نتوقعها، فالقليل فقط يرجع بذاكرته إلى ما قبل أربعين سنة في فيتنام لينظر إلى ما حدث هناك. ففي ذلك الصراع أيضاً قيل للأميركيين إن جيشهم لا يستطيع الانسحاب لأنه بذلك سيترك المجال للأعداء كي يعيثوا فساداً في فيتنام الجنوبية ويرتكبوا المجازر. وقد أصبح هذا التصور حول الدماء التي قد تراق في فيتنام بعد الانسحاب الأميركي حقيقة في أذهان الناس إلى درجة غطت على الدماء التي كانت تسفك بالفعل. لكن عندما صعد آخر جندي أميركي الطائرة المروحية الشهيرة لم ترق نقطة دم واحدة! أما في العراق فإن أمراً واحداً لا يمكن التشكيك فيه؛ فانزلاق العراقيين في دوامة العنف حدث بعد غزونا للعراق وانتشار قواتنا المحتلة في أرجائه، وساءت الأمور في حضورنا وتحت أنظارنا، بل وإلى حد كبير بسببنا. لكن لماذا اللجوء إلى التاريخ، في الوقت الذي يعتقد فيه معلقونا أنهم قادرون على رؤية المستقبل، ومتأكدون مما يحمله لنا؟ رغم ما قد يحدث في العراق من أمور مأساوية، فإنها قد تحصل، سواء بقينا أم غادرنا، ولا علاقة للمستقبل بها لأن مفاجآت هذا الأخير، كما علمنا التاريخ، هي أكثر انتظاماً من توقعاتنا. توم إنجلهارت كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم سي تي إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©