الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القصر الملكي لم يشفع لمصطفى إسماعيل في دخول الإذاعة

القصر الملكي لم يشفع لمصطفى إسماعيل في دخول الإذاعة
4 أكتوبر 2007 23:30
الشيخ مصطفى اسماعيل كان مدرسة فريدة في تلاوة القرآن الكريم، ويعتبر أعظم القراء في العصر الحديث بعد الشيخ محمد رفعت، وكان يمتلك صوتا ساحرا وفريدا يثير في النفس السعادة والفرح والطمأنينة، والكثير من مشاهير الموسيقيين يرون فيه معجزة في فنون التلاوة والأداء وقدرة نادرة على إقران فن التلاوة بفن الموسيقى، ومسيرة حياته تثبت انه أخلص للقرآن الكريم فوضعه في مكانة لم يبلغها غيره من القراء، فقد تفرغ للقرآن الكريم منذ طفولته، وفي سبيله هام على وجهه تاركا ومقاطعا اهله وعشيرته وبدأ قارئا مجهولا في المآتم والمناسبات بالقرى والنجوع، ولكن سرعان ما ذاع صيته وأصبح قارئ الملك والرئيس والشعب العربي· الشيخ مصطفى اسماعيل ولد بقرية ميت غزال التابعة لمدينة طنطا بدلتا مصر سنة ،1905 وكان أبوه فلاحا بسيطا، وحينما بلغ الخامسة من عمره ألحقه بكتاب القرية، وأعجب به شيخ الكتاب لسرعة حفظه وحلاوة صوته، غير انه لم يلتزم في الدراسة، وكان دائم الهرب والغياب، محبا للعب، وكانت له شلة من الاطفال يطوف بها طوال النهار بين القرى ويعبثون بالحقول والمواشي، وكان الناس يشتكون لشيخه فيضربه ضربا مبرحا ويذهب به الى جده فيضربه هو الآخر حتى تاب والتزم وأتم حفظ القرآن الكريم وهو في الثانية عشرة من عمره· وكان من المفترض أن يواصل الدراسة ولكنه فضل تلاوة القرآن في المناسبات الاهلية في طنطا ونواحيها، وسرعان ما ذاع صيته وأخذ الناس يدعونه لإحياء سهراتهم ومناسباتهم، وظل يقرأ بالسورة والليلة حتى التقى صدفة بالشيخ محمد رفعت سنة 1922 في مأتم القصبي باشا أحد أعيان طنطا وقرأ الشيخ رفعت وصلته وقدم القارئ الشاب وبمجرد ان سمع صوته انبهر الشيخ رفعت به وبقراءته وأعجب بأدائه وصوته وقبله وهنأه ونصحه قائلا: اسمع يا بني سأوجه لك نصيحة إذا عملت بها فستكون أعظم من قرأ القرآن في مصر فأنت صاحب مدرسة جديدة ولم تقلد أحدا وحباك الله موهبة حلاوة الصوت والفن التلقائي الموسيقي دون أن تدرس في معهد موسيقى وأنت مازلت صغيرا في السن ولكن ينقصك أن تثبت حفظك بأن تعيد قراءة القرآن على شيخ كبير من مشايخ المسجد الأحمدي· وشاية وعلى الفور نفذ الشيخ مصطفى إسماعيل النصيحة والتحق بالمعهد الأحمدي وعمره لم يتجاوز الثامنة عشرة، غير انه لم يواصل الدراسة وترك مسكنه الذي كان يعيش فيه في طنطا مع زملائه الطلبة وسكن في بنسيون الخوجاية الذي كانت تديره سيدة أجنبية بمدينة طنطا دون علم اسرته وتفرغ نهائيا لتلاوة القرآن الكريم، وازدادت شهرته وبدأ الناس يطلبونه كثيرا لإحياء حفلاتهم وسهراتهم غير ان زملاءه وشوا به، ذهبوا إلى جده وأخبروه بأن حفيده ترك الدراسة بالمعهد منصرفا إلى القراءة بالمآتم والسهرات والحفلات وترك مسكنهم ليستقل بذاته في بنسيون الخواجاية، فذهب إليه جده ووجده كما أخبره زملاؤه، فضربه بعصا كانت معه معلنا غضبه وسخطه عليه إذا لم يرجع إلى ما كان عليه وخاصة دراسته بالمعهد· وحاول الشيخ مصطفى إسماعيل أن يثني جده عن رأيه فقال له: هل تحب الشيخ محمد رفعت؟ فأجابه: نعم·· فقال: وهل تحب أن أكون مثله؟ فرد: نعم·· فقال: دعني في طريقي الذي اخترته لنفسي وسوف أحقق لك هذا الأمل إن شاء الله، وبينما هما يتحدثان إذ ببعض الرجال يدخلون عليهما الغرفة ويطلبون مقابلة الشيخ مصطفى اسماعيل للاتفاق معه على إحياء سهرة لديهم فاشترط الشيخ مصطفى إسماعيل عليهم أن يكون أجره في تلك الليلة جنيها مصريا فوافقوا ففرح جده كثيرا به وتأكد له أن لصوت حفيده عشاقا فعانقه وقبله وتمنى له التوفيق في عالم التلاوة · وظل الشيخ مصطفى اسماعيل يقرأ في مآتم ومناسبات طنطا ونواحيها سنوات وكان مكتفيا راضيا بها، وذات يوم من سنة 1943 ذهب إلى القاهرة لشراء بعض الأقمشة ليقوم بتفصيلها عند أحد الخياطين المعروفين هناك، وبينما هو في القاهرة تذكر نصيحة الشيخ الذي كان يتعهده في المعهد الأحمدي بمدينة طنطا لما وجد فيه من صوت نقي صادق معبر بأن يذهب للقاهرة ليشترك في رابطة تضامن القراء بحي سيدنا الحسين، والتحق بالرابطة وتعرف على كبار القراء وحضر معهم حفلا كانت الاذاعة ستنقله على الهواء مباشرة من مسجد الإمام الحسين -رضي الله عنه- وكان سيحييه القارئ الشيخ عبدالفتاح الشعشاعي، إلا أن الشعشاعي تخلف فما كان من منظم الحفل وكان من المعجبين بصوت الشيخ مصطفى إلا أن قدمه بدلا من الشعشاعي، وفي البداية رفض المسؤولون لأنه غير معتمد في الإذاعة ولكن سرعان ما وافقوا انقاذا للموقف في ظل غياب الشعشاعي، وقرأ الشيخ مصطفى سورة التحريم لمدة نصف ساعة بدأت من الثامنة وسط استجابة الجمهور وما ان أنتهى من قراءته حتى أقبل عليه الجمهور يقبله ويعانقه· قارئ القصر ومن خلال هذا الحفل الذي نقلته الإذاعة من مسجد الإمام الحسين استمع اليه الملك فاروق ملك مصر السابق وأعجب به وأصدر أمراً ملكياً بتكليفه ليكون قارئاً للقصر الملكي· ويقال ان السكرتير الخاص للملك بذل جهودا حتى توصل اليه في قريته، ففي ذلك الوقت كان الشيخ مصطفى قارئا عاديا لا يعرفه كثيرون خارج نطاق منطقته· وروى المهندس وحيد ابن الشيخ مصطفى ان الشيخ كان يجلس بين أهله وأولاده بقرية ميت غزال وإذا به يفاجأ بعمدة القرية ومأمور المركز يقتحمان عليه بيته ويسأله مأمور المركز بأسلوب استفزازي قائلاً: أنت مصطفى إسماعيل؟ فقال: نعم وقد ظن أنه ارتكب جرماً كبيراً دون أن يدري فسأله: ما الأمر؟ فقال: عليك أن تذهب غداً إلى القصر الملكي لمقابلة مراد باشا محسن ناظر الخاصة الملكية بقصر عابدين· فسأله الشيخ : ولماذا؟ قال: لا أدري وعليك أن تنفذ الأوامر·· فسافر إلى القاهرة في صبيحة اليوم التالي مذعورا والتقى بناظر الخاصة الملكية الذي طمأنه وهنأه بتقدير الملك لصوته وموهبته وأخبره بالأمر الملكي بتكليفه قارئاً للقصر لإحياء ليالي رمضان بقصري رأس التين والمنتزه في مدينة الأسكندرية· ورغم شهرة الشيخ مصطفى اسماعيل وثقة الملك بموهبته وأخيرا تعيينه قارئا للسورة يوم الجمعة بالجامع الأزهر، فإن الاذاعة المصرية ماطلت كثيرا في اعتماده فيها ورفضت اعتماده المرة تلو الاخرى وهو الموقف الذي أحزنه كثيرا، غير انه لم ييأس وفي النهاية نجح واعتمد من لجنة كان بين اعضائها الشيخ الضباع والشيخ عبدالفتاح الشعشاعي· قارئ الرئاسة إذا كانت شهرة الشيخ بدأت بحب الملك فاروق واختياره قارئا للخاصة الملكية فإنها توطدت واتسعت مع الرئيس الراحل السادات الذي كان يحبه كثيرا وكان يعشق صوته حتى أنه كان يقلده في أسلوب وأداء وطريقة قراءته عندما كان في السجن وعينه قارئا للرئاسة وكان يصطحبه في خلواته وزياراته، واصطحبه معه في زيارته الشهيرة للقدس، وظل الشيخ مصطفى ملء السمع والبصر محباً للقرآن ومخلصا له طوال حياته وتوفي يوم الجمعة الموافق 22 ديسمبر عام ·1978
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©