كــــلام القط زورو

اقتنينا قطاً أسود، لرغبة عارمة لإحدى بنات أسرتنا، ولرغبة الأسرة التي تريد التخلص منه، لأنه وبرغم عمره القصير والذي لا يتعدى ثلاثة أشهر، يقوم بعمل أكروبات عشوائية ومفاجأة تتسبب في تكسير أشياء ثمينة وكثيرة، لقد سموا القط ''زورو'' على اسم الثائر المكسيكي الشهير الذي ينصف الفقراء، بالأخذ من الأغنياء وإعطاء الفقراء قوت حياتهم، الذي هو حقهم أصلاً، ومثل تلك الشخصيات متوفرة في تاريخ الشعوب، أما ''زورو القط'' فليس مكسيكياً ولا ثائراً ولا ينصف الفقير على حساب الغني، كل ما يفعله هو التنعم بمحبة صاحبه وتتم مسامحته إذا قام بثوراته العمياء، بل حتى أطفال البيت لا يغفر لهم كما يغفر له· القط الأسود نذير شؤم، وقرين لمخلوقات خفية، والقرين نفسه نوع من الحماية لصاحبه، إنه ''زورو الغيب والخفاء''، فنحن علينا حرَّاس يقومون بواجباتهم على أتم وجه، وعندما نقع في المحظور الذي هو مرض أو حادثة سيئة أو ما شابه ذلك، نقول بأن قريننا غاضب منا، ونذهب للبحث في أذهاننا على ما قد أدى إلى ذلك، وتنشأ هنا الأفكار الشعبية التي من شأنها التضحية بشيء أو النذر بشيء، إلى آخر كل ذلك من العادات والتقاليد، التي تفسر عجز الإنسان عن مواجهة بعض مصائرة· والمصير هنا يذكرني برواية قرأتها قديما للكاتب الأميركي ''جون شتاينبك'' وعنوانها ''تورتيلا فلات''، بطلها ''داني'' تلك الشخصية التي تريد أن تواجه مصيرها إلى النهاية وبلا تراجع، إنه ''زورو'' من نوع آخر، لا يقبل بالحل الوسط، ويعيش فكرة الحق والنور بشكلها الوجودي المحض، تقدم الرواية مجموعة من الأصدقاء مختلفين في التوجهات والرؤى، لكنهم متفقون على إنصاف الحق، وفي قرية محددة المعالم، يتضح بجلاء من المُسْتَغِل ومن المستعبَد، وتبدأ صراعاتهم مع السرقة من هؤلاء وإعطاء هولاء، إن عملاً مثل ذلك يخلق بلبلة في نظام القرية السائد والمستقر، يقوض من شكلها الاقتصادي والديني، ويجعل من الصراع فكرة جديدة لترتيب الأمور بشكل مختلف، تبدو الرواية في أحد أوجهها رومانسية المصدر، حيث إن الواقع لا يستقيم لكل ذلك، خصوصا عندما تفرح المجموعة ببعض ما فعلت، إلا ''داني'' الذي كان ينظر للأمر بشكل أكثر جذرية، وهكذا ''القط زورو'' أيضاً، الذي يلعب للعب فقط، إنهما نموذجان جذريان، وبينما تنتهي رواية ''تورتيلا فلات'' نهاية مأساوية، يظل ''زورو القط'' ملكاً متوجاً على عرش البنت الطفلة التي تحبه، وتضحي من مالها وطعامها وبكائها له· أما ''داني'' وفي آخر الرواية، تقيم المجموعة حفلة لانتصار جزء من الخير على جزء من الشر، لكنه يرفض فكرة الاحتفال معللاً ذلك بأنه لم يتغير شيء، إنه يعيش صراع القيم في أعلى مستوى ذاتي له، ويطلب من الجميع تحديه، ولما لم يستجب أحد، خرج، وسمعوا قرعقة وضربا وأصواتا، وما هي إلا دقائق حتى خرجوا ليجدوه مخرجاً بدمائه، لقد صارع نفسه، تحدى المستوى العائم للسُلطة الذاتية، في مقابل المستوى القار لسُلطة الحياة، سواء بعدلها أم بجورها·