تاج محل.. روعة العمارة الإسلامية

تحظى الهند بمعالم سياحية كثيرة سواء كانت طبيعية أو تاريخية أو عقائدية، وقد شهدت مع الفتوحات الإسلامية الخالدة، الكثير من المزارات، والتي لا تزال تشهد بروعة الحضارة الإسلامية التي خلفت وراءها تراثا معماريا ضخما، لا تستطيع مئات الكتب أن تستوفيه وتعطيه حقه من وصف وتحليل· وتضم الهند عددا كبيرا من المزارات السياحية الإسلامية، يأتي في مقدمتها تاج محل ومسجد قوة الإسلام ومنارة قطب الدين أيبك (قطب منار) وزيادة السلطان التمش وزيادة السلطان علاء الدين الخلجي ومنارته وبوابته ومدرسته ومسجد خيزرمان والمسجد الجامع بقلعة فيروز شاه طغلق ومسجد بيجميورى ومسجد خيركي وكالان والمسجد الجامع في كلبرجا ومسجد موتي·· وغيرها من عمارة المساجد الأثرية التي تشهد بروعة الحضارة الإسلامية في بلاد الهند· وفي هذا اليوم الكريم من أيام الشهر العظيم نتوقف مع المزار السياحي الإسلامي الهندي تاج محل· فنون العمارة الإسلامية يقع تاج محل في أكرا، ويعتبر من أكبر الشواهد على الفنون والعمارة في العهد المغولي، وشيد الضريح تخليدا لذكرى ''أرجونمد بانو باكام''، والتي اشتهرت بلقب ''ممتاز محل''، الزوجة المحظية لدى السلطان ''شاه جهان'' وتوفيت سنة 1631م بالقرب من زوجها، أثناء إحدى الحملات العسكرية· وقد قامت اليونسكو بإدراج المعلم في قائمة التراث الثقافي العالمي، كما يعتبر تاج محل إحدى عجائب الدنيا· وبناه شاه جاهان (1592- 1666م) خامس حكام الإمبراطورية المغولية في الهند·· وقد تولى الحكم عام ،1627 وخلال فترة حكمه ازدهر حكم المغول وبلغ عصره الذهبى، حيث امتلأت الخزائن بالكنوز وكانت العمارة تتسم بالعظمة والروعة· ولكن نظراً لكثرة النفقات على مظاهر الأبهة والفخامة التي أحاط الحكام أنفسهم بها، فقد شهد عصره أيضا فترات اضطرابات· أجمل المدافن يعد ''تاج محل'' أحد أجمل ''المدافن'' في العالم وأكثرها تكلفة على الإطلاق، ويقع على مقربة من مدينة أكرا في شمالي الهند، على الضفة الجنوبية من نهر ''جومنا''· عكف على بنائه نحو عشرين ألف عامل، واستغرق العمل به حوالي عشرين عاما تقريبا· ووضع تصميمه مهندس معماري تركي، لذلك يلاحظ فيه تأثيرات العمارة التركية من حيث استخدام الرخام وفخامة البناء والاهتمام بالزخارف الدقيقة· وقد شيد البناء من الرخام الأبيض فوق هضبة من الحجر الرملي أحمر اللون· حيث أقيمت ''مصطبة'' من الرخام الأبيض مستطيلة الشكل، مرتفعة عن الأرض يصعد إليها بسلم من خمس درجات من الرخام أيضاً، وفي كل زاوية من زواياها أقيمت مئذنة رفيعة يصل ارتفاعها إلى 40,5 متر· وفي وسط هذه المصطبة يرتفع البناء الرئيسي الذي تصل مساحته إلى نحو 57 مترا مربعا، في وسطه قبة ارتفاعها يصل إلى 36,5 متر وقطرها أكثر قليلا من 21 مترا، تحيط بها أربعة قباب صغيرة بنفس الشكل ولكنها تقوم على أعمدة رفيعة تتصل ببعضها البعض على شكل هلال· آيات قرآنية وزخارف وقد زينت واجهة الضريح بآيات من القرآن الكريم وسط زخارف دقيقة من الزهور وأوراق الشجر الملونة· أما فى الداخل فقد بنيت حجرة رئيسية تضم نصبين تذكاريين يمكن للزوار أن يشاهدوهما عن طريق نافذة منحوتة في الرخام· وقد سجي جثمان شاه جهان وزوجته ممتاز محل في خزانة مصفحة أسفل النصبين· وتحيط حديقة صغيرة بالضريح الذي يرى من مسافات بعيدة متألقا تحت الشمس· وأمام الواجهة امتدت نافورة أو ''فسقية'' مستطيلة تتعامد على الباب الرئيسي للمبنى وتحفها الأشجار من الجانبين، ويخضع الرخام المرمي للصيانة الدورية نظرا لتأثره على مر السنوات بالعوامل الجوية المحيطة به والأتربة والدخان· اكتشاف مهم ويذكر أن فريقا من خبراء معهد المسح الأثرى الهندى، عثر لأول مرة على أسماء أكثر من 671 من العمال والبنائين، بينما كان يقوم بعمله المعتاد فى الضريح، لكن غالبية الأسماء مكتوبة باللغتين العربية والفارسية وبعضها مكتوب بلغة الدفاناجري الهندية، فضلا عن أن الفريق عثر أيضا على رموز تمثل ازهارا وأسماكا ورسومات هندسية وذلك في جدار يطل على نهر ياماونا الموحل· ويقول عالم الآثار الدكتور دايالان: ''لدى شعور بأن الرموز رسمت على يد بنائين أميين، مما جعلهم يستخدمون الرموز كعلامة على هويتهم'' ويضيف الخبير: ''بعض الأسماء مكررة في أماكن عديدة، مما يشير إلى أن أصحابها كانوا يحتلون مناصب أعلى، وربما كانوا خطاطين أو مصممين''· أما مواد البناء، فقد تم احضارها من جميع أنحاء الهند ومن بلدان أخرى - الرخام من مقالع الحجارة في ماكرانا في ولاية راجستان الصحراوية الهندية، والأحجار الكريمة ذات اللونين الأزرق والفيروزي من التيبت واليشب من الصين واللازورد والياقوت الأزرق من سيرلانكا - وتم نقلها إلى مكان البناء باستخدام أسطول من الفيلة بلغ عددها ألف فيل· وما أن انتهت أعمال البناء حتى قام ابن شاه جهان بخلع أبيه عن العرش وأودعه السجن على بعد بضعة كليومترات عن القصر الملكي ''الأحمر القوي'' الذى كان يراقب منه تاج محل من خلال مرآة صغيرة معلقة بأحد أركان المبنى· ويحاول فريق معهد المسح الأثرى الهندي الآن إعداد قائمة كاملة وفك الرموز، علما بأن أسماء الفريق الإبداعي المركزي معروفة منذ زمن، لكن الرائع في الأمر هو اكتشاف أسماء رجال عاديين، أرادوا على طريقتهم المتواضعة ترك علامة تدل عليهم لدى الأجيال المقبلة عن طريق نقش أسمائهم وتقول السلطات المحلية في أكرا إنها ستكرم العمال بلوحة تذكارية تحمل أسماءهم