الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جنرالات بورما والحوار مع النفس فقط

جنرالات بورما والحوار مع النفس فقط
6 أكتوبر 2007 00:38
لكي نفهم مغزى القلاقل التي تهز بورما في الوقت الراهن على حقيقتها، ما علينا سوى النظر إلى المدينة الجديدة التي بُنيت على التلال الخصبة الواقعة خارج مدينة ''ماندالاي'' القريبة من منتجع ''مايميو'' الجبلي الذي بناه البريطانيون، والذي لا يزال حتى يومنا هذا يفخر بمنازله المبنية من الآجر الأحمر والمغطاة بالياسمين والورود· تعتبر المدينة أيضا منتجعا للنخبة العسكرية البورمية حيث تقام فيها الفيلات الفاخرة، وتضم ''أكاديمية خدمات الدفاع'' التي تخرج منها العديد من الجنرالات الذين أصدروا الأوامر بقمع التظاهرات المؤيدة للديمقراطية التي خرجت في شوارع العاصمة ''رانجون'' وقادها الرهبان البوذيون· كما يوفر المطار القريب من ذلك المنتجع الفرصة للقيام برحلات طيران سريعة لا تستغرق سوى القليل من الوقت للعاصمة البورمية الجديدة ''نايبي داو'' على بعد 200 ميل من العاصمة الحالية ''رانجون''· و''نايبي داو'' تعني بالبورمية ''مقر الملوك'' وهي كلمة مناسبة للغاية بالنسبة للضباط البورميين الذين ينظرون إلى أنفسهم بالفعل كملوك حتى وهم يواجهون أعنف انتفاضة ضدهم منذ 20 عاما· هذا الاحتفاء بالأبهة والعظمة يدل على أن بورما ليست مجرد دولة عادية كغيرها من الدول الأخرى في المنطقة التي يحكمها العسكر· فعندما استولى الجيش على السلطة في هذا البلد للمرة الأولى عام 1962 شهدت البلاد تحولات كبرى لم تشهدها الدول المجاورة، والسبب يرجع لأن الجيش البورمي استولى على السلطة العسكرية كما استولى على السلطة الاقتصادية· إن نمط الحكم الذي ساد في ذلك الوقت والذي أطلق عليه الجنرالات ''الطريق البورمي إلى الاشتراكية'' كان يعني مصادرة معظم الملكيات الخاصة ونقلها إلى مؤسسات تخضع للمؤسسة العسكرية؛ ما دفع الطبقة التجارية الجشعة التي كانت تعيش في بورما قبل الانقلاب العسكري ومعظمها من الصينيين والهنود الى مغادرة البلاد، كما غادرها أيضا العديد من المثقفين من أبناء البلاد· وبمرور الوقت تحولت المؤسسة العسكرية إلى دولة داخل الدولة، وأحاطت نفسها بجدار عازل، تمتع وراءه العسكريون وعائلاتهم وأقرباؤهم بالعديد من المزايا تفوق مزايا العسكريين في دول مجاورة، والمدينة العسكرية الجديدة لجنرالات بورما وعاصمتهم الجديدة الجيدة التحصين، ليستا سوى دليلين صارخين جديدين على مدى الانفصال القائم بين النخبة العسكرية، وبين باقي قطاعات الشعب؛ فالضباط يعيشون في أحياء خاصة منعزلة، وفي منازل يدفعون مقابلها إيجارات زهيدة، كما أنهم يرسلون أولادهم إلى أفضل المدارس، وأكبر المستشفيات، ويبتاعون حاجياتهم من أفخر المحلات؛ فالحصول على بطاقة ضابط أو منتسب للقوات المسلحة في بورما تؤمن لحاملها مكانا خاليا في القطار، وكرسيا مميزا في الطائرة، كما تمكنهم من انتهاك قوانين المرور دون أن يخشوا عقابا· وقد تم إلغاء '' الطريق البورمي للاشتراكية'' بعد الانتفاضة الضخمة التي اندلعت عام ،1988 وفي ذلك الوقت، وعندما خرجت جماهير حاشدة إلى الشوارع -تفوق الجماهير التي خرجت للمشاركة في المظاهرات الحالية من حيث العدد- للتعبير عن غضبها المكبوت تجاه النظام القاسي الذي يقود البلاد، قام النظام في ذلك الوقت كما فعل النظام الحالي تماما بإرسال قواته لتفريق المتظاهرين، ولكنه استخدم آنذاك وسائــل غايـــة في القســوة، تفوق بكثير تلــك التي رأيناها في الأزمة الحاليــة، ممــا أدى إلى مصرع قرابة 3000 مواطن· سمح المجلس العسكري الحاكم، بعد هذه المذبحة -ربما استرضاء للرأي العام العالمي الذي أدان المذبحة، وربما لأنه رأى أن هناك إمكانية لتحقيق المزيد من الثروات- للقطاع الخاص بالعمل، كما فتح الطريق أمام الاستثمارات الأجنبية· غير أن الحقيقة أنه لم يكن هناك في التطبيق العملي فارق يذكر بين ''الطريق البورمي للاشتراكي'' و''الطريق البورمي للرأسمالية''، حيث لم تنج المشروعات الخاصة من التحكم المباشر أو غير المباشر للرجال الذين يرتدون الزي الأخضر طيلة الوقت· استطاع الجيش منذ تلك الفترة تحديث نفسه بأسلحة متقدمة، لولاها لما كان النظام الحالي قادرا على الصمود أمام الغضبة الشعبية الحالية· فعلى الرغم من بسالة الرهبان الذين خرجوا إلى الشوارع للتظاهر ضد الجيش، وعلى الرغم من بطولة المناضلة البورمية الشهيرة ''أونج سان سوكي'' فإنه لا شيء يتوقع تغيره في بورما طالما ظلت المؤسسة العسكرية موحدة· إن المؤسسة العسكرية في بورما بامتيازاتها الواسعة النطاق وتاريخها الوحشي، لديها الكثير مما يمكن أن تفقده إذا ما مارست انفتاحا أكبر نحو المجتمع، وتبنت الشفافية في عملها· لذلك فإنه على الرغم من أن جماعات المعارضة التي تعمل من الخارج تحبذ دائما الحديث عن الحوار، فإن هذا المفهوم ليس له أهمية في بورما لأن العسكر في بورما لا يتحاورون مع أي أحد سوى أنفسهم· مراسل سابق لمطبوعة فار إيسترن إيكونوميك ريفيو ومؤلف كتاب: يالغضب العارم: نضال بورما من أجل الديمقراطية ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©