الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عملات الخوارزميين.. من تعدد الولاءات إلى التحرك نحو الاستقلال

عملات الخوارزميين.. من تعدد الولاءات إلى التحرك نحو الاستقلال
6 أكتوبر 2007 23:42
أدى تحلل الدولة السلجوقية الى صراع حاد بين كرخان الايغوري في التركستان الشرقي والخوارزميين في التركستان الغربي للسيطرة على بلاد ما وراء النهر أو أواسط آسيا· وكانت خوارزم في عصر السلاجقة مجرد إقطاع تخضع في ادارتها لصاحب وظيفة ''الطشتدار'' أي من يقوم بتقديم طشت النحاس للملك السلجوقي اثناء الوضوء، ولذا فقد أقطعها ملكشاه السلجوقي لقائده ''نوشتكين غرجة''، ثم خلفه ابنه محمد قطب الدين عام 491هـ ''1097م''، فحكم خوارزم ثلاثين عاما، وأغراه ضعف الدولة السلجوقية بأن يعلن استقلاله عنها وتلقب باسم ''خوارزم شاه'' أي ملك خوارزم، ولذا عرفت الدولة التي حكمها من جاء بعده باسم دولة خوارزم شاه· وكان لطموح اتسز بن محمد قطب الدين أثره في تمرد الخوارزميين غير مرة على سيدهم السلجوقي ''سنجر'' سلطان خراسان الذي تعرض لإغاراتهم وكان سلوك الخوارزميين هذا من الطيش والنزق بمكان، ذلك انهم بغاراتهم تلك مهدوا السبيل لعدو جديد هو كراخان الايغوري الذي استولى على كل بلاد ما وراء النهر بعد أن هزم السلطان سنجر أول مرة ثم ارسل من بعد ذلك فرقا تركية غزا بها خوارزم نفسها وأنزل بها ضربات شديدة قبل أن يرتد جنوده الى سمرقند محملين بالأسلاب والغنائم· وظل ملوك خوارزم يدفعون جزية وإتاوات للكراخانيين بمن فيهم تكش بن اتسز الذي حكم البلاد لمدة 28 عاما نجح خلالها في توسيع نطاق سلطانه ليشمل خراسان وحدود الهند والخليج العربي بل والحدود الشرقية لشمال الفولجا· وكانت وصية تكش حين حضرته الوفاة في رمضان عام 596هـ ''1199م'' لأولاده أن يتجنبوا كل نزاع مع كراخان وأن ينظروا اليه كمتراس قوي يقف في وجه عدو جبار بعيد حتى قيام الساعة· وكان تكش يلمح بذلك الى المغول ولكن هذه الوصية لم يعمل بها سوى علاء الدين فيروز شاه، حيث حرص على مهادنة كراخان مع توثيق علاقاته بالعالم الاسلامي· إصدارات ذهبية ولدينا من عهد هذا السلطان إصدارات من دنانير ذهبية ضربها في عام 615هـ وهي تحمل كتابات هامشية ومركزية بكل من الوجه والظهر، وسجل بها اسمه على ظهر القطعة ''السلطان علاء الدين فيروز شاه أبوالفتح محمد''، بينما حملت كتابات مركز الوجه شهادة التوحيد ''لا إله إلا الله/ محمد رسول الله'' بالاضافة الى اسم الخليفة العباسي ''الناصر لدين الله''· ورغم أن هذا الطراز من النقود يشبه نقود الخوارزميين الاولى في الاعتراف بالتبعية الدينية لخليفة بغداد فإنه يختلف عنها في التخلص نهائيا من التبعية السياسية لحكام السلاجقة في خراسان بعد ان قام ايل ارسلان بن اتسز بإلقاء القبض على الأمير محمود آخر امراء السلاجقة وعزله عن العرش بعد ان سمل عينيه ليفقده أي أهلية للحكم قبيل اختتام سنوات القرن السادس الهجري· وبوفاة علاء الدين تغيرت السياسة الخوارزمية التقليدية تجاه كل من الكراخانيين والعباسيين، إذ أقدم محمد قطب الدين على الامتناع عن اداء الضريبة السنوية للايغور الكراخانيين رغما عن المساعدة التي قدمها له كراخان في معركته ضد شهاب الدين أمير الغور والتي انتهت بانتصار خوارزم شاه ودخولهم مدينة هراة، وشرع قطب الدين في الاستنجاد بمسلمي بلاد ما وراء النهر لمواجهة كراخان الكافر، ونجح محمد قطب الدين في هزيمة تاينكو اكبر قادة كراخان، الذي ألقى به قطب الدين في اليم بعد استيلائه على مدينة اترار· وبعد موت كراخان خلا الجو لقطب الدين فركبه الغرور حتى سمى نفسه اسكندر الثاني وظل الله على الارض، وطفق يرتكب الخطأ تلو الآخر حتى استفز المغول فغزوا بلاده ودمروها تدميرا· فقد قتل قطب الدين الفقيه والمتصوف مجد الدين البغدادي وهو في نشوة الخمر، ثم أقدم على شق عصا الطاعة على الخليفة العباسي في بغداد بعدما عثر في متاع أمير الغور شهاب الدين على رسائل من الخليفة العباسي الناصر لدين الله تحرضه على مقاومة الخوارزميين· فقد قام قطب الدين بخلع الخليفة العباسي وتنصيب العالم علاء الدين الترمذي مكانه ثم سار لساعته الى بغداد ليقيمه مكان الخليفة العباسي الضعيف ولكن زمهرير الشتاء وكثافة الثلوج في وديان الجبال أوقفا مسيرته بعيد همدان ليترك هذه المهمة لهولاكو المغول· نهب ومن الأسف أن النقود التي اصدرها قطب الدين باسم ''خليفته'' علاء الدين الترمذي لم يصلنا منها شيء ربما لأن المغول حينما اجتاحوا خوارزم في عام 617هـ وأعملوا في مدنها السلب والنهب لم يبقوا على شيء من هذه النقود حيث قام جنكيز خان بتوزيع هذه الغنائم على جنوده بما فيها الاسرى الذين ذبحوا كما تذبح الشياه· اما محمد قطب الدين الذي أخذ يفر امام قوات جنكيز خان فقد مات في عام 617هـ شريدا فقيرا حتى لم يجدوا ما يكفنونه به الا ثوبه الذي كان يرتديه في حين أظهر وريث عرش الخوارزميين ابنه جلال الدين منكبرتي شجاعة فائقة عندما طارده المغول عند ضفاف نهر السند إذ صمد امام هجماتهم حتى قتل من تحته فرسان فوثب على ثالث قفز به في ماء السند من علو يزيد على ثلاثين قدما وبلغ الشاطئ الآخر ليعود الى ايران ويفتح الجزء الجنوبي من فارس مع اذربيجان فضلا عن نجاحه في انتزاع شمال سوريا من بقايا السلاجقة ولكنه سقط بعد ذلك تحت رماح المغول من ابناء جنكيزخان· ولم تتح تطورات الأحداث لجلال الدين منكبرتي أي فرصة لضرب نقود باسمه، إذ قضى سنوات سلطنته القصيرة في حروب مستمرة ضد المغول بعيدا عن موطن اجداده الذي تخرب عن آخره، وبالطبع فإن خليفة العباسيين الذي خلع قطب الدين محمد طاعته لم يلبث ان قتل تحت سنابك الخيل التي اقتحم بها هولاكو بغداد في عام 656هـ ''1258م''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©