الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ما السبيل إلى فتح باب الاجتهاد؟

ما السبيل إلى فتح باب الاجتهاد؟
29 مارس 2008 00:35
استضافت المكتبة الجزائرية مؤخراً ملتقى عربياً بعنوان ''الاجتهاد ورهانات التحديث في العالم العربي''، حضره العشرات من رجال الفكر والفلسفة والفقه من الجزائر وست دول عربية أخرى، وألقيت فيه أربعون محاضرة وعشرات التعقيبات خلال ثلاثة أيام· وقال أمين الزاوي ''مدير المكتبة'' في كلمة الافتتاح إن أحد أهداف الملتقى هو ''فتح حوار هادئ وعلمي وجاد ومسؤول'' حول الاجتهاد نتناول فيه شروطه وظروفه وحقوله من دين وفلسفة وأدب وفكر ولغة، والتساؤلِ عن الأعطاب التي تعرَّض لها في العالمين العربي والإسلامي· ونبه إلى أن الاجتهاد وإن بدأ دينياً فقد تشعَّب وشمل مجالات كثيرة في عهد ابن رشد والغزالي وابن حزم والماوردي وابن باديس وغيرهم، ولذا يأتي هذا الملتقى للبحث في سبل تفعيل الاجتهاد في حقول مختلفة، كالفلسفة والأدب واللغة وعدم الإبقاء عليه في دائرة الدين وحدها· وأحيلت الكلمة إلى وزير الشؤون الدينية غلام الله بوعلام الله الذي حث على ضرورة تجاوز ''اقتصاد المال'' إلى ''اقتصاد الفكر'' حيث يُستعمل لاستنباط أنجع المناهج لإيجاد الحلول لمختلف قضايا العصر كما كان السَّلفُ يفعل لمعالجة قضايا عصره· وصبت المحاضرات في مواضيع عديدة أهمها: لماذا أغلق باب الاجتهاد ومن المسؤول عن ذلك ؟ وما هي آليات الاجتهاد الآن ؟ ومن هو المؤهل للقيام به ؟ وما هي المواضيع التي نجتهد فيها ؟ ولاحظ علي حرب من لبنان أن الشعوب العربية هي التي قررت الحجر على عقولها بمحض إرادتها والاكتفاء بالتراث معتقدة أنه يكفيها لتبقى ''خير أمة أخرجت للناس'' دون تجديد أو اجتهاد، وإن فعلت، أغرقتنا بالفتاوى الشاذة المُشوِّهة لسمعة الإسلام كجواز شرب بول النبي (ص) وإرضاع الكبير· بينما رأى توفيق شومر من الأردن أن ابن رشد قدَّم للمسلمين مشروع نهضة عملاقة لكنهم لم ينجزوه ولم يجد من يتلقفه ليكمل ما بدأه، كما أن فكر علماء الكلام الذي كان يسعى الى تعليمنا كيفية التعامل بالعقل، تعرَّض للإجهاض مع أنه كان بداية الاجتهاد الحقيقي في الإسلام· أما ساعد خميسي فحمَّل المسؤولية لابن خلدون بعد أن صرَّح بأن ''علم الكلام انتهى وجوده''، وانحاز للغزالي على حساب ابن رشد، فكثرت في عهده الحواشي وحواشي الحواشي والمختصرات بدل التجديد والإبداع· وقال محمد سعيدي إن ابن رشد الذي طاردناه أصبح قائد الإصلاح والنهضة في أوروبا ووصفه أحد مفكريها بأنه ''سلطان العقل في زماننا''، إلا أن أحد المتدخلين اعترض على ذلك وقال إن ابن رشد صنع ''ردة في التاريخ'' بعودته إلى النص الأرسطي بعد أن قطع النص الإسلامي أشواطاً على يد الفارابي والغزالي· أما مجدي عبدالحافظ من مصر فيرى أن السلفيين هم المسؤولون عن غلق باب الاجتهاد بإساءة تأويل الحديث القائل ''خير القرون قرني، ثم الذي يليه ثم الذي يليه'' إذ اتخذوا تلك الفترة ''عصراً ذهبياً'' وتوقفوا عندها ورفضوا نقدها مما أوقعهم ''أسرى ذلك الزمن'' وهم يعيشون في القرن الحادي والعشرين، وطالب بإعمال العقل الآن لأن ختْمَ النبوة يعني ترك المستجدات التي تأتي بعدها للعقل وحده· من جهته، اتهم محمد الميلي ابنَ حنبل بالتسبب في غلق باب الاجتهاد عبر فتواه بقتل كل من يقول بخلق القرآن، بينما قال جمال مفرج إن أتباع المذاهب الأربعة هم المسؤولون عن ذلك بحصرهم العلم فيهم وترويجهم لفكرة انتهاء الاجتهاد بعدهم، ثم غرقوا في التقليد والاكتفاء بشرح ما في كتبهم، إلا أن عدداً من المحاضرين، ومنهم عبدالله شريط وأحمد برقاوي وعبدالقادر بليمان، حمَّلوا السلطات الســــياسية منذ العهد الأموي إلى الآن المسؤولية حيث شجعوا دوماً ''فقــــــهاء البلاط'' الذين ينــــظِّرون للاستبداد، فكان مجال ''الاجتهاد السياسي'' اقلَّ المجالات حظاً في الاجتهاد الديني· والمثير أن عدداً من المحاضرين قال إن باب الاجتهاد لم يُغلق يوماً وأن كل من هب ودبَّ أصبح ''يجتهد'' وهو ما أوصلنا إلى أزماتنا الحالية، وأيد منير بهادي الفكرة وقال إن باب الاجتهاد ''الايجابي'' تحديداً هو الذي أغلق، أما التنظير للفتنة وإهدار الدماء وكذا الاستبداد السياسي فظل دائماً قائماً عبر التاريخ، بينما استشهد أحمد خمليشي من المغرب بـ ''فوضى الاجتهاد'' التي تتجسَّد في فضائيات كثيرة أصبحت تفتي حتى في المسائل الغيبية مثل: هل الغرقى من المهاجرين السريين شهداء ؟· ولوضع حدٍّ لجمود الاجتهاد من جهة وفوضى ''اجتهاد'' غير المؤهَّلين له من جهة ثانية، طرح المحاضرون إشكالية: من يحق له الاجتهاد ؟ واعتبر أغلبهم أن هذا المجال غير محصور في الدين وإن بدأ دينياً بحتاً، بل أصبح يشمل مختلف مناحي الفكر والحياة، ودعوا إلى إطلاق العنان للمفكرين الذين يريدون التفرغ له، وذلك في مؤسسات خاصة ومراكز بحث واجتهاد لضمان تراكم المعرفة، ودعا مصطفى الكيلاني من تونس إلى وضع مؤسسة اجتهادية تُبنى على منظومة تُفتح مختلف الحقول المعرفية على بعضها البعض، ومالت بعضُ الآراء إلى التهوين من شأن دور الفقهاء، وهو ما أغضب بعضهم فهاجم المفكرين العرب المعاصرين، وقال إنهم لم يستطيعوا التفلسف واحتاروا في كيفية التعامل مع التراث وانتقدوا ''المشيخة الدينية'' بينما نصَّبوا أنفسهم ''مشيخة فلسفية''، وصاح آخر: اكتفوا بالاشتغال بالفلسفة لعلكم تستطيعون أن تكونوا فلاسفة يوماً واتركوا الاجتهاد للفقهاء!· وإزاء هذا التشنُّج تدخل عددٌ من الأساتذة للتوفيق بين الطرفين، والتأكيد على دور الفقهاء في الاجتهاد مع توسيعه ليشمل كل جوانب المعرفة الإنسانية· محورٌ آخر بالغ الأهمية تطرَّق إليه المحاضرون وهو: ما هي آليات الاجتهاد وما هي حدوده؟ وكيف يمكن التعامل مع نصوص ثابتة ؟· قال محمد يحياوي إن القواعد التي يتم الاعتماد عليها الآن لا تسمح بإنتاج أكثر مما أنتج، ويجب وضع قواعد جديدة تكون بمثابة منطلقات فكرية جديدة للاجتهاد· وأضاف أن الخوف من اقتحام المقدس هو الذي جعله يحافظ دائماً على نفس الآليات، مع أن المقدس في حقيقته إنتاجٌ بشري حلَّ محل المقدس الحقيقي عبر التأويل؛ إذ لا يوجد فهمٌ واحد للنص الذي لا يحتمل قراءة واحدة، بل قراءات وفهوماً متعددة، وحينما تُطوَّع الوقائع للنصوص يحدث الركود· وذهب الميلي بعيداً حينما قال إنه يمكن أحياناً ''الاجتهاد فيما فيه نص''، وضرب مثلاً بفتوى صدرت في عهد الاستعمار الفرنسي للجزائر تُحرِّم الزواج من فرنسيات برغم أن هناك آية صريحة تبيح نكاحَ الكتابيات، وهذا لأنَّ الظروف هي التي كانت تقتضي ذلك، واعتقد بدوره أن ''النص القرآني محكومٌ بفهم الإنسان له أي هو تأويل إنساني لنص مقدس''· وفي نفس السياق، قال أمين الزاوي إن عمر بن الخطاب غيَّر 40 مسألة كانت موجودة في عهد الرسول (ص)· وذكَّر أحد المتدخلين بمقولة حسن الترابي بأنه ينبغي تلقي القرآن وكأنه يتنزل الآن؛ أي أن ننظر إليه بروح العصر· وعارض يوسف سلامة من سوريا الاستنباط من النص الثابت، واعتبر الاجتهادَ هو الوضع العقلي وكل الأحكام يجب أن تستمد منه لأنه ديناميكي وغير مُقيَّد عكس الاستنباط الفقهي، واعتبر نور الدين جباب من جهته أن النص اُستنفد تاريخياً بعد ''صدمة الحداثة'' ولابدَّ من الاجتهاد خارجه والاختيار بين اجتهاد محوره الإنسان وآخر يعيد إنتاج اللاهوت ولو بصيغ جميلة كما فعل محمد أركون· ولاحظ بومدين بوزيد أن ''المتون المغلقة'' الفقهية والسياسية والتاريخية لا تسمح بالاجتهاد ولا بد من إيجاد ''متون مفتوحة''، بينما دعا محمد جديدي إلى رفض ''المطلقية'' في الاجتهاد واعتماد الأحكام النسبية المتغيرة، كما دعا إلى إعادة الاعتبار لتجربة زكي نجيب محمود لتأسيس فكر نقدي تنويري جديد· بينما استحضر عبدالله عبد اللاوي تجربة أركون في بحثه عن حلول للواقع عبر ''إسلاميته التطبيقية'' القائمة على تحكيم العقل· وفي نوع من التوفيقية، دعا طيبي محمد إلى ''التسامح في الاجتهاد'' عبر التوفيق ومعالجة القضايا بتبصر وتأنٍّ وتقليبها من كل الوجوه· إلا أن رشيد قوقام تدخل ليعارض هذا ''التحرر'' من النص صراحة ويقول إن الاجتهاد ينحصر في الجزئيات وفي الرأي وأعمال البشر وليس في القرآن والسنة، بينما تساءل عبدالرزاق قسوم: هل المقدس ذو أحكام ثابتة لا مجال للاجتهاد فيها ؟ أين يكمن التأويل وأين يكمن التأصيل؟ ولاحظ أن حلقة التأويل هي المفقودة، ودعا إليه ولكن بما لا يجعل الاجتهاد يتناقض مع النص· وانتهى الملتقى بعد ثلاثة أيام بكلمة لمدير المكتبة الجزائرية أمين الزاوي الذي أكد أهميةَ الموضوع وحساسيَته والنجاح في مناقشته بعيداً عن الإيديولوجيات، وقال: إن الجزائر انتقلت بذلك من ''فوضى الجهاد'' أي إرهاب التسعينيات، إلى نور الاجتهاد ومن التكفير إلى التفكير، وأعلن تنظيم ملتقى آخر السنة المقبلة بعنوان ''الإسلام في الغرب'' يشارك فيه نخبة من علماء العالم الإسلامي، بينما انصرف الأساتذة راضين بنتائج الملتقى ولكنهم أجمعوا على التساؤل: هل يكفي ما قيل في هذه الأيام الثلاثة لفتح باب الاجتهاد الذي ظل مغلقاً 8 قرون كاملة؟
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©